الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

نشرت مجلة (فقه الحياة) في عددها الاول الموضوع التالي:

الممارسات الجنسية المحظورة والمباحة في آية الحفظ

بقلم سماحة السيد ماجد البوري

بحث فقهي قرآني تقريرا لابحاث سماحة سيدنا الاستاذ آية الله السيد علوي الموسوي البلادي


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.

وبعد:-

حضرت بحمد الله دروس أستاذنا المحقق سماحة آية الله السيد علوي الموسوي البلادي الفقهية وكان لي شرف تقريرها وكتابتها وهذا البحث الماثل بين يديك عبارة عن جزء من تلك التقريرات التي ألقاها في مسائل الحج أحببت نشره تعميما للفائدة.


قوله تعالى في تعداد صفات المؤمنين ومدحهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)().

هذه الآيات تشرح الخطوط الحمراء في الممارسة الجنسية فهي تبين حرمة الزنا واللواط والسحاق وفي نفس الوقت توضح جواز الممارسة الجنسية ضمن إطار الزوجية.

ولكن وقع الكلام بين الاعلام في ان هذه الآيات الكريمة هل تضع النقاط على الحروف بشأن عملية الإرضاء الذاتي في الممارسة الجنسية (الاستمناء) أو (العادة السرية)؟ سلبا او ايجابا أو لا دلالة لها على ذلك؟

فقد ادعى تمامية دلالتها على المنع شيخ الطائفة الطوسي (ره ) وفي المقابل نفى ذلك عدد من الاعلام منهم سيد الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي ره والشهيد الصدر الثاني فيما وافق سماحة مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد السيستاني مد ظله في المحكي عنه على نفي دلالة مطلوبية حفظ الفرج على حرمة الاستمناء.

وبرغم ان نفي دلالتها لا يعني القول بجواز الاستمناء فالبحث في دلالة الآية وحدودها يشكل شوطا مهما في بحث هذه المسألة فقهيا وهنا سنتناول دلالة الآية دون البحث في بقية أدلة المسألة.


فقد استدل بهذه الآيات على حرمة الاستمناء، وممن استدل بها الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وصاحب الجواهر والشافعي في كتاب الأم () وغيرهم، إلا أنهم لم يبينوا تقريب دلالة الآية ووجه الاستدلال بها على حرمة الاستمناء، وكأنهم رأوا وضوح دلالة الآية على حرمته بحيث لا تحتاج إلى بيان وشرح، فيدخلون الاستمناء ضمن نطاق (ما وراء ذلك) أي يصدق عليه ما وراء الزوجة أو المملوكة فيكون حراما بمقتضى توصيفه بأنه عاد.

وعلى تقدير تمامية دلالة الآيات الكريمة على حرمة الاستمناء لا تختص بصورة نزول المني بل مطلق الممارسة الجنسية سواء أدت لنزول المني أو لم تؤد إلى ذلك بناء على ان متعلق حفظ الفرج هو الممارسة الجنسية ونحوه من المباني، وعلى تقدير شمول الآيات للرجال والنساء فدلالتها على تحريم هذا الفعل شاملة للنساء والرجال لعموم طلب الحفظ من الجنسين وحتى ندرس الآيات الكريمة ودلالتها، نطرح أسئلة تكون بمثابة المفاتيح لفهم الآية الكريمة.

  1. ما هو المتعلق الثاني للحفظ؟
  2. ما هو متعلق الابتغاء وهل هو متحد مع المتعلق الثاني للحفظ؟
  3. الحفظ يتعدى بحرف (على) للمتعدي الاول ولا يتعدى للثاني بحرف (على) فيجب ان يكون متعلق الحفظ المحذوف صالحا للتعدي بحرف (على) فما هو المتعلق المحذوف الصالح لذلك؟
  4. هل الآية خاصة بالرجال، أو أنها تعمّ النساء أيضاً؟

وسنحاول الإجابة على هذه الأسئلة إنشاء الله تعالى.

والاستدلال بالآية الكريمة تارة يكون على أساس الاكتفاء بتحديد المتعلق الثاني للحفظ بما يظهر منه حرمة الاستمناء وعدمه بلا حاجة للبحث في متعلق الابتغاء باعتبار وحدتهما، وأخرى على أساس تحديد متعلق الابتغاء ودعوى مغايرته للمتعلق الثاني للحفظ فهنا مقامان:-

1- المقام الاول في تحديد ما هو المتعلق الثاني للحفظ.

معنى الحفظ واضح لا يحتاج لبيان كما ان متعلقه الاول واضح وهو الفروج، ولكن فهم المراد منه يتوقف على معرفة متعلقه الثاني وبعبارة اخرى مادة (الحفظ) تتعدى للمفعول الاول بدون حرف جر أو بحرف (على) ومثال الاول (احفظ مالك) ومثال الثاني قوله تعالى:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) (البقرة:238).

ولكن مادة الحفظ لا تتعدى للمفعول به الثاني بدون حرف جر كما لا تتعدى له بحرف (على) بل التعدي مقصور على حرفي (من) و (عن) مثلا احفظ مالك عن الضياع.

فقد برزت عدة اتجاهات لتفسير المتعلق:-

الاتجاه الأول: المتعلق الثاني للحفظ هو الحرام.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) من الحرام (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) أي حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة ليس لازما.

ويلاحظ عليه بالاضافة لخلوه من بيان الوجه والقرينة المحددة للمتعلق:-

اولا:- لزوم كون القضية بشرط المحمول أي (الحرام حرام) وليس في ذلك معنى مفيدا فلا يمكن نسبته لكتاب اعجز الجن والانس ان يأتوا بمثله.

وثانيا:- لزوم كون الاستثناء في الآية الكريمة منقطعاً، حيث أن حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة ليس من جنس الحرام، والاستثناء المنقطع مخالف للظاهر جداً، فلا يمكن المصير إليه مع فقد القرينة عليه.

وعلى تقدير تمامية هذا التفسير لا تدل الآية على حرمة الاستمناء ولا ربط لها به، فأقصى ما تدل عليه تأكيد حرمة الحرام فالحفظ من الحرام لا يستلزم حرمة الاستمناء إذ كون الاستمناء حراماً أول الكلام، فهي لا تثبت حرمة الاستمناء، لأن القضية لا تثبت موضوعها، والحاصل: أن الآية الكريمة لا تفيد معنى تشريعياً جديداً لأنها قضية بشرط المحمول، فكأنها تقول (الحرامُ حرامٌ) وحينئذٍ الآية ليست في مقام إنشاء حكم شرعي بل في مقام الإخبار عن المؤمنين ومدحهم بأنهم لا يرتكبون المحرمات، وقد يعزز ذلك سياق الآيات الكريمة، مثل (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)() (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)() فهي ليست في مقام التشريع للزكاة بل تمدح المؤمنين بأنهم معرضون عن اللغو وأنهم يؤدون الزكاة.

لكن هذا يمكن ان يتم لو اقتصر النظر على الآيتين الأولى والثانية أما مع ملاحظة الآية الثالثة وهي قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فلا يتم هذا الوجه اذ يفهم بضميمة الآية الاخيرة معنى تشريعيا، للتعبير بأنه عادي وظالم ومعتدي، وصدوره من المشرع ظاهر في بيان الحكم الشرعي وليس مجرد الاخبار فلا يصح ادعاء ان الآية في مقام المدح والإخبار فقط، اللهم إلا أن يقال بأن وصفه بالعادي ذم له لارتكابه حراماً تم تشريعه سابقاً بغير هذه الآية الكريمة فهي في مقام الإخبار وليست في مقام التشريع، ولكنه كما ترى.

الاتجاه الثاني: المتعلق الثاني للحفظ هو الزنا.

فيكون المعنى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) من الزنا (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)

ويلاحظ عليه:-

1- استلزامه انقطاع الاستثناء في الآية مع فقد القرينة على ذلك.

2- عدم توفر قرينة لتحديد المتعلق بالزنا.

وعلى تقدير تماميته لا دلالة في الآية على حرمة الاستمناء لوضوح عدم انطباق عنوان الزنا عليه.

الاتجاه الثالث: المتعلق الثاني للحفظ هو الفرج أي حفظ الفرج عن الفرج.

ذكر في (التبيان في تفسير القرآن) وغيره من المصادر التفسيرية أن (الحفظ من الفرج)() وفي تفسير الطبري: (حفظها من إعمالها في شيء من الفروج)().

وهذا التفسير لا يرد عليه إشكال الاستثناء المنقطع، فحفظ الفرج عن الفروج أو حفظ الفرج عن إعمالها في شيء من الفروج إلا عن فرج الزوجة والمملوكة، واضح أن المستثنى من جنس المستثنى منه فهو استثناء متصل.

ويلاحظ عليه انتفاء الوجه المعين للفرج متعلقا للحفظ مضافا للإشكال العام الآتي الوارد على كل الاتجاهات سوى الاتجاه الصحيح وستعرف ذلك مفصلا عند بيان الاتجاه العاشر ولا تدل الآية - بناء على الاتجاه الثالث- على حرمة الاستمناء لوضوح عدم تضمنه مس الفرج بالفرج وعدم منافاته لحفظ الفرج عن الفرج، إذ الكلام عن طلب خروج المني من الفرج بغير ملامسته لفرج آخر.

الاتجاه الرابع: المتعلق الثاني للحفظ المواقعة.

أفاده العلامة السيد الطباطبائي(ره) في الميزان إذ قال:(حفظ الفروج كناية عن الاجتناب عن المواقعة سواء كانت زناً أو لواطاً أو بإتيان البهائم وغير ذلك)().

وفيه: ما ستعرفه مفصلا في الاتجاه الصحيح، وهذا التفسير لو تم فهو كسابقه لا دلالة للآية فيه على حرمة الاستمناء، فالاستمناء لا يتنافى مع حفظ الفرج عن المواقعة.

الاتجاه الخامس: المتعلق الثاني للحفظ الممارسة الجنسية غير اللائقة().

حفظ الفرج (كناية عن عدم استخدام الفرج فيما يشين صاحبه ولا يليق به، فهو بمفهومه لا يقتضي ان يكون الاستخدام مع الغير ويظهر ذلك بمقايسته مع حفظ غير الفرج من أعضاء الجسم كاللسان واليد، فكما أن معنى حفظ اللسان هو عدم التكلم به بما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كالتفوه بكلمة الكفر، وكذلك معنى حفظ اليد هو أن لا يرتكب بها ما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كقتل النفس، كذلك معنى حفظ الفرج هو عدم استخدامه فيما لا ينبغي)().

وقد يدعى ان الاستمناء داخل ضمن الممارسة الجنسية غير اللائقة ومما يشين صاحب الفرج فيكون حراماً.

أقول: هذا الاتجاه على تقدير تماميته لا تدل الآيات على الحرمة، لأن دخول الاستمناء في الممارسة الجنسية غير اللائقة والمشينة بحسب العرف السائد وقت نزول الآية الكريمة أول الكلام إذ نحتاج في إثبات ذلك إلى دليل وهو مفقود.

بل يستفاد من بعض الأخبار أنه كان أمراً متعارفاً بينهم كالرواية الآتية التي نقلها الراوندي().

إن قلت: إنها ضعيفة السند ولا يثبت بها المطلوب قلنا: لا حاجة لصحة السند يكفي الاحتمال لأن من يدعي ثبوت الموضوع أي دخول الاستمناء في الممارسات الأخلاقية غير اللائقة يحتاج إلى إثبات ذلك بدليل تام.

اما النفي فيكفيه الشك في تحقق الموضوع أي في دخول الاستمناء تحت عنوان الممارسة الجنسية غير اللائقة ويعزز هذا الشك مثل هذه الرواية أو الرواية الأخرى الموجودة في مصادر العامة، من أن أصحاب النبي (ص) كانوا يستخدمون الاستمناء في الغزوات، إذن لم يثبت أن هذا غير لائق بحسب الأعراف والتقاليد الاجتماعية حينذاك.

وقد سلم صاحب هذا الوجه ورود هذا الاشكال، وأن الآيتين الكريمتين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)() لا تثبتان كون الاستمناء ضمن الممارسة الجنسية غير اللائقة، فصدر الآية يفسر بحفظ الفرج من الممارسة الجنسية غير اللائقة ولا يدل ذلك على حرمة الاستمناء، ولكنه استدل على حرمته بذيل الآية (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)() أي من طلب غير الأزواج وملك اليمين - المستثنى من وجوب الحفظ - يعد عادياً وظالماً، ويدخل في غيرهما الاستمناء بلا ريب فتكون الآية دالة على حرمة الاستمناء بهذا التقريب().

وسيأتي الكلام عن ذلك وبيان عدم تمامية الدلالة في المقام الثاني عند الكلام عن متعلق الابتغاء.

الاتجاه السادس: المتعلق الثاني للحفظ هو خلاف ما ينتظر من الفرج.

هذا الرأي لسيد أساتذتنا(ره) في تقريرات بحثه في كتاب النكاح: (الحفظ لما كان بمعنى الاهتمام بالشيء كي لا يقع في خلاف ما ينتظره، كان مدلول الآية الكريمة أنه لا بد من التحفظ على الفرج من الزنا وحيث أن النظر إليهن مع الريبة يجعل العورة في معرض الزنا كان مشمولا للنهي)().

وحاصله ان الحفظ كناية عن الاهتمام بالفرج وان المتعلق الثاني للحفظ ما يكون مخالفا لوظيفة الفرج فيكون الاستمناء مصداقا لمخالفة وظيفة الفرج.

وهذا الاتجاه لو تم، لا دلالة للآية فيه على حرمة الاستمناء، لأن مخالفة ما ينتظر من الفرج انما تكون في طول تحديد نفس وظيفة الفرج وما ينتظر منه، فإذا لم يخرج الاستمناء عن تلك الوظيفة فلا دلالة في الآية على حرمته.

فما هو الذي ينتظر من الفرج او ما هي وظيفة الفرج؟ حتى نعرف ما يخالف ذلك وان الاستمناء منه أم لا؟ وهل المقصود بما ينتظر من الفرج أو وظيفة الفرج ما يباح كما يظهر من خلال التمثيل بالزنا أو المقصود الوظيفة الطبيعية للفرج.

فاذا كان المقصود المباح لم يثبت ان الاستمناء حرام لان كونه غير مباح وخلاف ما ينتظر من الفرج أول الكلام، واذا كان المقصود الوظيفة الطبيعية فما هي وظيفة الفرج الطبيعية؟ هل هي انجاب الاولاد فحسب؟ أم ممارسة الجنس مع طرف غير مماثل فقط؟ أم مطلق الاستمتاع الجنسي ولو بشرط ان لا يكون مع المماثل فحسب؟ ام الجميع؟

فاذا كانت وظيفة الفرج الطبيعية انجاب الاولاد فحسب نتج حرمة الاستمناء بل حرمة العزل الذي لا شك في جوازه فقهيا في الجملة، واذا كانت وظيفته ممارسة الجنس مع طرف مخالف دل هذا الوجه على حرمة الاستمناء، لكن لا معين لوظيفة الفرج في ذلك بل وظيفة الفرج مزدوجة من الانجاب ومن مطلق الاستمتاع الجنسي، نعم الممارسة الجنسية مع المماثل خلاف الوظيفة الطبيعية للفرج وعلى أي تقدير لا يكون الاستمناء مخالفا لوظيفة الفرج ولا يتنافى مع حفظه لكونه طريقا للحصول على المتعة الجنسية بدرجة ما، كما انه ليس ممارسة مع المماثل.

الاتجاه السابع: المتعلق الثاني للحفظ مطلق الاستمتاع الجنسي.

هذا الرأي لسيد أساتذتنا(قده) أيضاً، جاء في تقريرات بحوثه: (حيث تقدم أن مقتضى هذه الآية " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " () وقوله تعالى: " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ " (المؤمنون:5) هو حرمة جميع الاستمتاعات الجنسية على الرجل على الإطلاق بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة على تفصيل قد مر)().

وهذا الاتجاه ينتج دلالة الآية على حرمة الاستمناء، إذ يجب الحفظ عن جميع الاستمتاعات الجنسية إلا ما يكون مع الزوجة أو المملوكة فيدخل في عقد المستثنى الاستمناء بلا ريب فيكون حراماً بل يحرم مطلق العبث بالآلة التناسلية الموجب للذة الجنسية ويشمل ذلك الرجل والمرأة بناء على عموم الآية لهما لكنه (ره) يخصص الحرمة المستفادة من الآية بالرجل وسنبحث ذلك لاحقا.

ثم أنه نوقش: (أن المقصود بحفظ الفرج وإن كان هو عدم استخدامه في ممارسة الجنس إلا أنه ليس ظاهراً في ترك استخدامه فيها مطلقاً ليكون استثناء ممارسته مع الزوجة والمملوكة استثناءاً حقيقياً وتخصيصاً في دليل لزوم حفظ الفرج، بل المنساق إليه عرفاً كما أشير إليه آنفاً- هو أنه كناية عن استخدام الفرج في الممارسة الجنسية التي لا تليق بصاحبه وتعد أمراً مشيناً بالنسبة إليه، ولذلك ورد الأمر بحفظ الفرج ومدح المؤمنون والمؤمنات في آيات قرآنية أخرى من دون استثناء كقوله تعالى (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ)() مما يؤكد اختصاص هذا العنوان - حفظ الفرج - بترك الممارسة الجنسية غير اللائقة، وعلى ذلك فاستثناء الزوجة والمملوكة في الآية الثانية لا يعدو كونه استثناءاً صورياً أي من قبيل الاستثناء المنقطع على خلاف ما هو الأصل في الاستثناء من أن يكون متصلاً لا منقطعاً)().

وفي تقريرات بحوث سيد أساتذتنا(ره) في كتاب الطهارة جاءت العبارة كالتالي: (حيث دلت على وجوب حفظ الفرج عن كلما يترقب منه من الاستلذاذات، إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوة الشهوية والطبع البشري وذلك لأن حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيد بجهة دون جهة)().

وهنا بين وجه الاستدلال بالآية ولماذا اختار هذا الوجه من التفسير، فالمراد من حفظ الفرج، الحفظ من جميع الاستمتاعات لعدم تقييده بجهة دون جهة، وبعبارة أخرى قل: أن المتعلق الثاني للحفظ غير مذكور وحذفه كما شاع بين الفقهاء دليل على الإطلاق، فيكون المتعلق الثاني للحفظ جميع الاستمتاعات.

اقول: لا شك انه إذا تعين المتعلق بقرينة ما فلا سبيل للاطلاق الا في حدود ذلك المتعلق.

ومن هنا ربما
قرب تحديد المتعلق بجميع الاستمتاعات الجنسية بما يلي: (أن الفرج لما كان آلة لممارسة الجنس، فالمنساق من توصيف المؤمن والمصلي بأنه يحافظ على فرجه إلا على حليلته هو أنه لا يستخدم فرجه في ممارسة الجنس إلا معها، فكل ممارسة جنسية أخرى من الزنا واللواط والاستمناء ونكاح البهيمة والتفخيذ ولو من وراء الثوب تندرج من عقد المستثنى منه وهي الآية الكريمة الأولى فتكون محرمة، للزوم الحفظ المستفاد من سياقها والذي أكدته الآية الثالثة أي قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) لأن المشار إليه فيها بلفظ "ذلك" هو المذكور في عقد المستثنى في الآية الثانية، فيكون مفادها حرمة ممارسة الجنس بالفرج إذا لم تكن مع الحليلة، ويندرج في ذلك الاستمناء فيكون محرماً وهذا هو المطلوب)().

وستأتي مناقشة هذا التقريب في الاتجاه العاشر: وأن المتعلق الثاني للحفظ ليس مطلق الممارسة الجنسية.

وهذا الاتجاه لو تم لدلت الآية فيه على حرمة الاستمناء، إلا انه غير تام عندنا وستعرف ما يرد عليه في بيان الاتجاه العاشر.

الاتجاه الثامن: المتعلق الثاني للحفظ ينحصر في الغير ولا يكون عن النفس.

جاء في " بحث حول جنابة المرأة " :

(حكي عن السيد الاستاذ قدس سره في اخريات حياته المباركة من ان الاية الكريمة إنما تدل على وجوب حفظ الفرج، والحفظ إنما يكون عن الغير لا عن النفس فأنه لا يسمى حفظاً في العرف، فيقال بناءاً على ذلك ان الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد ونحوها الذي هو ممارسة جنسية مع النفس ليس مندرجاً في عقد المستثنى منه من الآية الكريمة فلا يثبت تحريمة بها فينحصر الدليل على تحريمه في الروايات الآتية)().

أقول: لعل هذا الاتجاه عبارة عن توضيح للاتجاه السادس وان المتعلق الثاني للحفظ هو خلاف ما ينتظر من الفرج وذلك لا يكون إلا مع الغير باعتبار أن ما يكون مع النفس (الاستمناء) لا يدخل في اطار (خلاف ما ينتظر من الفرج).

أو أنه عدول وتقييد للاتجاه السابع في المتعلق الثاني للحفظ فيكون المتعلق الثاني للحفظ في هذا الاتجاه عبارة عن جميع الاستمتاعات الجنسية المرتبطة بالغير خاصة.

ونوقش بالتالي: (ما افاده قدس سره محل نظر إذ ليس المقصود بالحفظ هنا الصون عن الاعتداء ونحوه ليقال أنه لا معنى للصون عن النفس، بل هو كناية عن عدم استخدام الفرج فيما يشين صاحبه ولا يليق به، فهو بمفهومه لا يقتضي أن يكون الاستخدام مع الغير، ويظهر ذلك بمقايسته مع حفظ غير الفرج من أعضاء الجسم كاللسان واليد، فكما أن معنى حفظ اللسان هو عدم التكلم به بما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كالتفوه بكلمة الكفر، وكذلك معنى حفظ اليد هو أن لا يرتكب بها ما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كقتل النفس، كذلك معنى حفظ الفرج هو عدم استخدامه فيما لا ينبغي، وليس مقتضى هذا المعنى في حد ذاته اختصاصه بما إذا كان الاستخدام مع الغير من انسان أو بهيمة)().

وحاصل المناقشة أن المتعلق الثاني للحفظ ليس الاعتداء بل كل مشين، وهو يتصور عن الغير وعن النفس، نظير حفظ اللسان عن كل ما يشينه وإن لم يكن مع الغير، ككلمة الكفر، وحفظ اليد عن كل ما يشين وإن كان مع النفس كقتلها باليد، إذن الحفظ ليس لازماً أن يكون عن الغير، ممكن أن يكون عن النفس.

يلاحظ على هذه المناقشة:-

أولا:- ان المتعلق الثاني للحفظ هو الاعتداء كما سيأتي البرهان عليه في الاتجاه العاشر.

وثانيا:- أن ما ذكر وهو (حفظ اللسان من قول الكفر وكل ما يشين) ويدخل في ضمن ذلك الكذب وغيره، أليس هذا من الظلم للغير؟ ظلم لذات الباري سبحانه وتعالى؟ أليس الشرك ظلماً عظيماً؟ الشرك من الظلم، ظلم للنفس ولله سبحانه تعالى، كذلك (قتل النفس باليد ظلم للمولى سبحانه بلحاظ العصيان، فلا يبقى فارق كبير بين فرض كون المتعلق ما يشين أو الظلم فيتصور في كليهما ان يكون مع النفس كما يتصور ان يكون مع الغير.

ويمكن للسيد الخوئي (قده) ان يجيب بجوابين بعد الاختلاف في تحديد المتعلق:-

الجواب الاول: ان الحفظ عن العدوان وان كان يشمل النفس والغير على حد سواء ولكن المتعلق الثاني للحفظ لما كان هو الاعتداء الجنسي لم يتصور بشأنه ان يكون مع النفس إذ الممارسة الجنسية التي قد تتصف بالعدوان هي خصوص ما يكون مع طرف آخر لا ما يكون مع النفس.

الجواب الثاني: أن المنصرف من الحفظ عرفاً هو ما كان عن طرف مقابل لا ما كان عن النفس، فإذا قيل أحفظ لسانك، المفهوم والمنساق من هذا التعبير لا تعتدي بلسانك على الآخرين، أحفظ يدك عن الآخرين أيضاً هكذا، وقتل النفس باليد وإن كان من المحرمات الكبيرة، إلا أنه مع ذلك لا يفهم من (حفظ اليد) حفظها عن النفس وذلك لا يستلزم جواز قتل النفس إذ لا مفهوم للجملة في ذلك.

الاتجاه التاسع: إجمال المتعلق الثاني للحفظ لتردده بين عدة معاني.

وهو لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (رحمة الله عليه) لما رأى تعدد الوجوه والاحتمالات في المتعلق الثاني لحفظ الفرج، الحفظ من الحرام، من الزنا، من المواقعة، من الممارسة الجنسية غير اللائقة،........الـخ ، أفاد في مجلس درسه الشريف ما يلي: حيث ان المتعلق مردد بين معاني عديدة وأمور متكثرة فلا يمكننا أن نأخذ بالإطلاق، لأن الأخذ به يتوقف على تحديد المتعلق في المرحلة الأولى، فلابد أن نحدد متعلق الآية أولاً فإذا عرفناه حينئذٍ نأخذ بإطلاقه، وحذف المتعلق ليس دليلاً على الإطلاق.

قال إن: (حذف المتعلق لا يدل على الإطلاق) بشكل عام وكقاعدة عامة على خلاف المعروف بين الفقهاء، وقد سبقه أستاذه في كتاب الطهارة إلى بيان هذه الفكرة إذ قال: (أن حذف المتعلق لا يدل على الإطلاق، وإنما الإطلاق نأخذه في طول تحديد المتعلق)()

على هذا الأساس وصل إلى هذه النتيجة: بما أن المتعلق مردد بين أكثر من معنى، فالآية مجملة من ناحية ارتباطها بالاستمناء وعدم ارتباطها به، فليست ظاهرة في إثبات حرمة الاستمناء، وانتهى إلى انه لا يمكن بها اثبات حرمة الاستمناء لا للرجل ولا للمرأة.

الاتجاه العاشر وهو التفسير الصحيح: المتعلق الثاني للحفظ هو العدوان العرفي.

لنرجع إلى السؤال الذي طرحناه سابقا والذي يعد مفتاحاً لفهم الآية ليتضح ارتباط أو عدم ارتباط الآية بالاستمناء.

ما هو المتعلق الثاني للحفظ؟

تمهيد

مادة (ح ف ظ) في الغالب يكون لها متعديان او متعلقان الاول عادة ما يذكر في الكلام والثاني يقدر في اغلب الاستعمالات ولكنه قد يصرح به.

اما التصريح بالمتعلقين معا فله نظائر:-

  1. (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:17) المتعلق الاول هو الضمير (ها) العائد للسماء والمتعلق الثاني المحفوظ منه هو (كل شيطان).
  2. (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)(الرعد: من الآية11) فالمتعلق الاول هو الضمير العائد للموصول (من) المذكور في الاية السابقة والمقصود به الانسان، والمتعلق الثاني هو قوله تعالى: (أَمْرِ اللَّهِ) أي ان الملائكة يحفظون الانسان من الهلاك والضياع ونحو ذلك من البلايا التي هي (امر الله).
  3. (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (الصافات:6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) (الصافات:7) أي حفظا للسماء من كل شيطان مارد فالمتعلق الاول بقوة المذكور لسبق ذكره والمتعلق الثاني كل شيطان مارد.

ويلاحظ ان الحفظ تارة يتعدى للمتعلق الاول بدون حرف جر كما في الآيتين الأولى والثانية وتارة أخرى يتعدى بحرف (اللام) كما في الآية الثالثة إذ التقدير حفظا للسماء، وهنا نذكر بعض الامثلة الاضافية غير انه صرح فيها بالمتعلق الاول وقدر الثاني كما يلي:-

  1. (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)(النساء: من الآية34).
  2. ( وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)(التوبة: من الآية112).
  3. (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(يوسف: من الآية12).

وتارة ثالثة يتعدى بحرف (على) وله نظائر:-

1- (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) (البقرة:238)
2-(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون:9).

3- (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(سـبأ: من الآية21).

4- (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) (الشورى:6).

5- (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )(الأنعام: من الآية107).
6- (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)
(سـبأ: من الآية21).

بعدما عرفت من التمهيد يتبين ان المتعلق الاول للحفظ في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5) واضح للتصريح به وهو(فُرُوجِهِمْ)، والمتعلق الثاني للحفظ اعني الجهة التي يطلب الحفظ عنها مقدرة غير مصرح بها في الكلام وهي بنظرنا الظلم والعدوان الجنسي بحسب الميزان العرفي وقت نزول الآيات الداعية للحفظ، وذلك لعدة قرائن:-

القرينة الأولى: أن نفس الحفظ في مثل هذا السياق المرتبط بالجوارح كاللسان أو اليد أو الفرج يفهم منه عرفاً هذا المعنى أو ينصرف إليه.

فمقولة (احفظ لسانك) أو (احفظ يدك) أو (احفظ فرجك) يفهم منها طلب الحفظ من
الظلم وصونه من العدوان على الآخرين بميزان العرف العقلائي، أي لا تكذب بلسانك على الآخرين، لا تسبهم، لا تضربهم ونحو ذلك بل ربما شمل حفظ مثل اللسان واليد عن ظلم النفس كقتلها، لكن ما أفاده سيد أساتذتنا (قده) من أن المراد من حفظ الفرج هو ما يكون عن الغير خاصة صحيح لأن الحفظ من الاعتداء وان كان يتصور في الاعتداء على النفس كما هو على الغير، لكن في الموضوع الجنسي لا يتصور فيه الاعتداء على النفس بدون طرف آخر.

القرينة الثانية:

تتكفل الجواب على سؤال ما هو المتعلق النحوي لشبه الجملة (الجار والمجرور) في قوله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ)؟ وفي ذلك نكتة لطيفة وفائدة دقيقة لم أجد أحدا تنبه لها.

فقد عرفت ان مادة (ح ف ظ) بكل اشتقاقاتها تتعدى للمفعول به الاول بدون حرف جر كقولك (احفظ مالك وعرضك) أو بحرف (على) كقولك (حافظ على نظافة بيتك) أو (على مالك) ونحو ذلك ومن القرآن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج:34).

او بحرف (اللام) كقوله تعالى: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(يوسف: من الآية12). وقد تقدم نقل عدة شواهد من القران الكريم.

لكن مادة (ح ف ظ) لا تتعدى للمفعول الثاني بدون حرف جر كما لا تتعدى بحرف (على) بل تتعدى بحرف (من) أو حرف (عن) فتقول (احفظ مالك عن الضياع) أو (حافظ على نظافة بيتك من الاوساخ)، فلفظ (الحفظ) يتعدى للمتعلق الثاني بخصوص حرفي (من) و(عن) فلا يقال: (احفظ زوجتك على الاجانب) بل (عن الاجانب).

وقد ورد في القرآن الكريم تعدي الحفظ للثاني بحرف (من) كقوله تعالى:(وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:17).

فلفظ (الحفظ) ليس المتعلق النحوي للجار والجرور لانه لا يتعدى للمتعلق الثاني بحرف (على) فيتعين أن يكون المتعلق الثاني للحفظ محذوفا مقدرا وصالحا للتعدي بحرف (على) ليكون متعلقا لحرف الجر (على) مع مجروره ، مضافا لوجوب مناسبة معناه لتعلق حفظ الفرج به.

فما هو المتعلق الحائز على تينك الميزتين؟

المعنى المناسب هو العدوان أو الاعتداء ونحوهما من الاشتقاقات فهو مناسب لتعلق حفظ الفرج به ويتعدى بحرف الجر (على) فيكون معنى الاية الكريمة والله العالم هو(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ -عن العدوان أو الاعتداء- إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ).

اذ كل ما عدا (الاعتداء، أو العدوان او نحو ذلك من الاشتقاقات المناسبة) من المتعلقات التي ذكرت لا تتعدى بحرف الجر (على) فالزنا لايتعدى بحرف (على) اذ يقال: الزنا بالمرأة، وليس على المرأة، وكذلك الاستمتاع الجنسي لا يتعدى بحرف (على) يقال: الاستمتاع بالمرأة وليس عليها، نعم الحرام يتعدى بحرف (على) ولكن متعداه هو المكلف وليس موضوع التكليف فيقال (يحرم على الانسان الزنا مثلا) ولا يقال (يحرم على الزنا مثلا) فعلى تقدير ان المتعلق الثاني للحفظ هو الحرام يكون معنى الاية الكريمة (يجب حفظ الفرج من الحرام الا حراما على الازواج) وهذا التركيب اللغوي واضح البطلان.

مضافا للاشكال الخاص الذي مر ذكره في الايراد على الاتجاه الأول.

الوقع أو الوقاع أو المواقعة واشتقاقاتها المناسبة تتعدى بحرف الجر (على) لكن المواقعة لا تسند للعضو التناسلي (الفرج) فلا يقال وقع فرج الرجل على المرأة وانما يسند الوقاع لنفس الرجل فيقال وقع الرجل على المرأة في حين ان المسند اليه في الآية الكريمة هو الفرج فلا يصلح ان يكون الوقع متعلقا للحفظ مضافا لاختصاصه بالرجل حينئذٍ، لأنه يقال وقع الرجل على المرأة كتعبير كنائي عن الوطء، ولا يقال وقعت المرأة على الرجل، مع أن الآية عامة للرجل والمرأة كما سيأتي بيانه وعلى تقدير تماميته تنسلخ الآية على هذا التقدير عن الدلالة على حرمة الاستمناء.

اما سائر المتعلقات الأخرى فهي أيضاً لا تصلح لتعلق حرف الجر (على) فالصحيح أن المتعلق هو الاعتداء.

فيكون المعنى والله العالم (والذين هم لفروجهم حافظون عن الاعتداء على الغير الا على ازواجهم).

والاعتداء حقيقي بحسب عقد المستثنى منه ومجازي تنزيلي بحسب عقد المستثنى نظير قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)() فهذا تعبير مجازي، لأن ردك على من ظلمك لا يكون اعتداءاً، وما نحن فيه أيضاً كذلك، فجملة ( أحفظ فرجك عن الاعتداء إلا اعتداءاً وعدواناً على الزوجة أو ما ملكت يمينك) فيها نحو من التجوز بالنسبة للزوجة وملك اليمين فيكون الاستثناء منقطعا.

لا يقال: يلزم ان تكون القضية بشرط المحمول لأنها في قوة قولك (العدوان عدوان أو الحرام حرام)، فلا تكون الجملة مفيدة لمعنى جديد وفيها من الركاكة ما لا يخفى.

لأنا نقول: الموضوع هو الاعتداء بنظر العقلاء، والمحمول هو الاعتداء بنظر الشرع أو قل: المقدم هو العدوان العرفي العقلائي والتالي هو العدوان الشرعي فليست القضية بشرط المحمول.

والقول بأن المتعلق الثاني للحفظ الاعتداء لا ربط له باشكال القضية بشرط المحمول، إذ ليس المقصود (الاعتداء الشرعي اعتداء شرعي) (او الاعتداء العرفي اعتداء عرفي) بل المقصود ما كان اعتداء بحسب الفهم العام فهو اعتداء وحرام شرعا، والاعتداء بميزان الفهم العام قد يكون متغذيا بمنبع الشريعة التي تؤثر في صياغة الثقافة والتوجه العام والذوق عند ابناء الشريعة بل عموم من يعيش معهم وان لم يكن منهم.

فيكون المعنى هذا الذي تجدونه بذوقكم ظلما وعدوانا مرفوض وممنوع شرعا حتى وان كان بعض مصاديق الاعتداء العرفي تم بيان حكمها سابقا ببيانات اخرى، فليكن التحريم بالنسبة للمصاديق العدوانية المتغذية تاكيدا لحكم الحرمة وبالنسبة لغيرها تأسيسا، فلا لغوية في التعبير كما في مقولة الحرام حرام.

وقد تسأل على هذا لا تدل الآية على حرمة بذل المرأة نفسها للرجل لانتفاء عنوان الاعتداء؟

والجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن ممارسة الجنس مع الطرف الآخر يعد اعتداءاً سواء صدر من الرجل للمرأة أو العكس، فكلاهما يعد معتدياً مع رضا الطرف المقابل أو مع عدمه، وإن كان أوضح المصاديق ما يحدث بدون رضا الطرف المقابل، أو مع مماثلة الطرف الثاني، فالفاعل معتدي وإن كان أقل وضوحاً مع رضا الطرف الاخر، وآخر درجة من درجات وضوح الاعتداء هو بذل المرأة نفسها للرجل، لكنه يبقى اعتداءاً بلحاظ القيم الأخلاقية والثقافة الاجتماعية السائدة وقت نزول الايات، إذن هنا ثلاث درجات من الوضوح الأولى الاغتصاب، الثانية مع مماثلة الشريك وان كان برضاه، الثالثة ممارسة الرجل الجنس مع المرأة برضاهما، واخفاها اخيرها لكنها جميعاً داخلة في دائرة الاعتداء.

هذا كله مع فرض ارادة خصوص الاعتداء الصدوري اما مع الشمول للصدوري والاستقبالي فالامر اوضح كما ستلاحظ في الوجه الثاني.

إذن: (الذين هم لفروجهم حافظون) حافظون من الاعتداء بممارسة الجنس مع طرف آخر وميزان الاعتداء القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة آنذاك.

فممارسة الجنس مع طرف آخر غير راض به يعد اعتداء بوضوح فيكون الاعتداء حقيقيا في جانب عقد المستثنى بهذا اللحاظ، لكنه مع طرف راض به لا يعد اعتداء عليه عرفا من ناحية شخصية بحتة، أجل يعد اعتداء على القيم والأخلاق الاجتماعية بل ربما صدق الاعتداء على نفس الشخص من ناحية انتهاك شأنه وشخصيته الاجتماعية فالآية الكريمة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) أي حافظون من العدوان أو الاعتداء الجنسي بحسب الميزان العرفي والعقلائي القائم وقت نزول الآية.

الوجه الثاني: ان المتعلق الثاني للحفظ مطلق الاعتداء سواء الصدوري أو الاستقبالي، فكما يجب حفظ الفرج عن الاعتداء به على الغير كذلك يجب حفظ الفرج عن اعتداء الغير عليه، فان لم يصدق على ممارسة زنا المرأة برضاها اعتداء منها على الرجل فهو سماح باعتداء الرجل عليها.

الا ان يدعى ان معنى (الاعتداء على طرف آخر) مغاير لمعنى (اعتداء الطرف الاخر على النفس) فيلزم منه استعمال اللفظ في معنيين وهو غير صحيح أو خلاف الظاهر جدا على تقدير صحته.

الوجه الثالث: أن نبدي تنازلاً عن الجواب بالوجه الأول ونسلم بأن صدق الاعتداء في حالة التراضي واختلاف الجنسين غير واضح، ونفترض أن القيم العربية قبل الإسلام وقبل نزول الشريعة لا تراه اعتداء ولم يكن يُعدُّ عندهم اعتداء.

أقول: وإن سلمنا بذلك فإن الاعتداء مطعم بذوق الشريعة إذ أن الآية الكريمة لم تكن أول تشريع يرتبط بالحالة الجنسية، فقبلها نزلت آيات تشريع حرمة الزنا واللواط وأمثال ذلك فهي لم تأت ضمن بداية الشريعة وإنما جاءت بعد نزول تشريعات كثيرة، والذي يشهد بذلك أن هذه الآيات وردت ضمن بيان صفات المؤمنين إذ أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة... وأمثال ذلك من التشريعات، هذا السياق واضح في أنها إنما جاءت بعد وجود جو من تشريعات عديدة. إذن لتكن ممارسة الجنس مع طرف آخر راض مخالف في الجنس ليست أمراً عدائيا في الزمن الجاهليوحسب الثقافة التي كانت قبل نزول الشريعة إلا أنه يكفينا كونه اعتداءاً بإضافة حس الشريعة وذوقها، أي أن التشريعات التي نزلت قبل نزول هذه الآيات حول تحريم الزنا واللواط وأمثال ذلك هذه تجعل فهم الاعتداء والعدوان واضحاً من عملية الزنا واللواط وإن كان برضا الطرفين فيندفع هذا الإشكال.

والخلاصة ان مصاديق الاعتداء تختلف درجاتها فالاغتصاب اعتداء على القيم الخلقية وعلى الشخص والممارسة الجنسية مع رضا الشخص قد لا تدخل تحت اطار الاعتداء الشخصي بغض النظر عن عواقب ارتكاب الحرام الاخروية لكن هذه الممارسة الجنسية تعتبر اعتداء خلقيا قيميا.

ولعل هذا هو الفارق في مستوى البشاعة بين زنا الاغتصاب والزنا المجرد منه.

الوجه الرابع: هب ان الآية لا تدل على حرمة مثل بذل المرأة للرجل لكنها لا تدل على الجواز، إذ لا مفهوم لها فيكفي لاثبات حرمة ذلك مثل قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)().

القرينة الثالثة: يمكن أن نؤيد هذا المعنى إضافة إلى ما سبق، بما ورد من حفظ الفرج في آيات أخرى بلا استثناء الأزواج وملك اليمين كقوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)() وقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...)() وقوله تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ)().

نلاحظ في هذه الآيات إطلاق الأمر بالحفظ، وذلك يناسب فكرة كون العدوان والاعتداء متعلقاً للحفظ، فلو كان المتعلق الثاني للحفظ مثل الوطء لكان عدم الاستثناء في الآيات الأخرى فيه مستوى من الغرابة، فحاصل طلب حفظ الفرج على هذا التقدير طلب ترك الممارسة الجنسية مطلقا فلو طلب من شخص الامتناع عن الممارسة الجنسية لفهم ضمنا ترك الزواج أو الزوجة فالأنسب حينئذٍ التصريح باستثناء الأزواج وملك اليمين كلما ذكر حفظ الفرج فإطلاق الحفظ بلا استثناء إنما يكون مبرراً في الآيات الأخرى على تقدير كون المتعلق الثاني للحفظ الاعتداء والعدوان، إذ ممارسة الجنس مع الزوجة ليس اعتداءاً فاستثناؤه ليس ضرورياً ويكفي للتوضيح بالاستثناء المنقطع آية واحدة أو آيتان وعلى هذا فالآيتان (6،5) من سورة المؤمنون لا دلالة فيها على حرمة الاستمناء.()

القرينة الرابعة: وربما يؤكد أن المقصود من حفظ الفرج هو صونه من الاعتداء – ولو بنحو التأييد - ما ورد في سورة التحريم: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)() لاحظ كلمة (أَحْصَنَتْ) الإحصان من ماذا؟ من الاعتداء الجنسي عليها أي لم يمسها أحد.

القرينة الخامسة: قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)() فيها إشعار بالمتعلق، فكلمة (الْعَادُونَ) يعد قرينة لتحديد المتعلق من الحفظ، غاية ما في الأمر أن الاعتداء العرفي اعتداء شرعي، فيكون من جملة الاعراف أو التشريعات السائدة التي اقرها الإسلام.

إن قلتَ: يلزم من هذا الاتجاه انقطاع الاستثناء؟ قلتُ: لا بأس بذلك ما دامت القرائن متوفرة ومعينة لهذا المعنى وإنما الضير في المصير لانقطاع الاستثناء مع فقد القرينة عليه.

مصاديق الاعتداء الجنسي وحدوده

على أساس هذه القرائن -ولو بحسب مجموعها أو التام منها- تدل الآية الكريمة على حرمة الاغتصاب بالزنا أو اللواط أو السحاق أو التفخيذ ونحو ذلك لوضوح دخوله تحت عنوان الاعتداء على الغير من الناحيتين الشخصية والقيمية، كما تدل على حرمة غير الاغتصابي منه لانه اعتداء على القيم الخلقية السائدة وقت نزول الآيات وأوضحه الممارسة مع المماثل، كل هذه العناوين نستطيع أن نفهم حرمتها لأنها تتضمن معنى الاعتداء، إلا أن الآية الكريمة لا تدل على حرمة الاستمناء، لأنه لا يحمل معنى الاعتداء، فالاستمناء ليس عدواناً لا على الغير وهذا واضح، ولا على النفس بحسب الميزان العرفي.