الجمعة، 28 مارس 2008

اشراقة القرآن وسرعة الضوء

اشراقات دينية للدفاع عن القرآن الكريم
( اشراقة القرآن وسرعة الضوء)
قال تعالى:
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {الصافات/6} وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ {الصافات/7} لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ {الصافات/8} دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ {الصافات/9} إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ {الصافات/10}.
قال السيد عبد الله شبر رحمه الله تعالى:
وقال الجن ( وأنا لمسنا السماء ) مسسناها مستعار للطلب أي طلبنا بلوغها لاستراق السمع ( فوجدناها ملئت حرسا شديدا ) من الملائكة ( وشهبا ) جمع شهاب وهو كوكب الرجم وهذا حين بعث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( وأنا كنا ) قبل مبعثه ( نقعد منها مقاعد ) خالية من الحرس والشهب ( للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) قد رصد ليرجم به ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض ) يمنع الاستراق ( أم أراد بهم ربهم رشدا ) خيرا.
المصدر تفسير شبر - السيد عبد الله شبر -ص 535.
وقد اشكل على هذه الاية الكريمة بهذا الاشكال:-
الشبهة
يرسم القرآن صورة لتتبع الشهاب للجن المسترق للسمع دعنا نتأملها:
وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا { 8 } وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا { 9 } الجن و نفس المعني يتكرر إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب { 6 } وحفظا من كل شيطان مارد { 7 } لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب { 8 } دحورا ولهم عذاب واصب { 9 } إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب { 10 }الصافات
الصورة الآن كما هو واضح من الاية ان الجن كانت تصل الي السماء و تلمسها و تسمع الاخبار ثم تعود الي البشر لتخبرهم بالمستقبل و عند بعثة الرسول تحول الموضوع بان الجني لن يستطيع لانه يتبعه شهاب ثاقب وتأمل اللفظ ((يتبعه ))بدقة هنا اتجاه الحركة تتبع اي خلف الجنى نستنتج من هذا ان الجني أبطأ من الشهاب سرعة و الا كان الشهاب لن يصل اليه ليحرقه او يخبله سعة الكون المادي من نجوم و مجموعات شمسية و مجرات و سدم التي تم رصدها بأجهزة حوالي مليار سنة ضوئية من مرصد بالومار بكاليفورنيا اينشتين جعل نصف القطر 35 مليار سنة ضوئية اي ان السماء الدنيا تبعد عنا 35 مليار سنة حسب المعادلات و بالنظر اليقيني مليار سنة دعنا نعتبر ان اينشتين كلامه نظري لا قيمة له ودعنا نعتبر اننا خدعنا في الاجهزة بنسبة خطأ 100 مليون مرة وهذا طبعا احتمال لا معني له اذا الكون ابعاده بدلا من مليار سنة تصبح 10 سنوات ضوئية فقط وهذا افتراض سخيف جداو دعنا نعتبر ان الشهاب يتحرك بسرعة معروفة قصوي ا/10 من سرعة الضوء اي 30 الف كيلومتر في الثانية وهذه سرعة خيالية للشهاب و دعنا نعتبر ان الجن المضروب سرعته تساوي سرعة الشهاب كما بينا فلا يمكن ان تكون اكبر والا كان تتبع الشهاب له لا معنى له اذا ليصل الجن الي السماء ليسترق السمع يحتاج الي 100 سنة و ليعود يحتاج الي مئة سنة اخري اي 200 سنة يكون الخبر قديم جدا و كما راينا ان الاحتمالات الموضوعة بها الكثير من التساهل فكيف كان يسترق الجن السمع اما ان القران خطأ واما السماء قريبة جدا لكي تكون رحلة الذهاب و الاياب مقبولة و دعنا نجعل شهر ذهاب و شهر اياب ليكون الموضوع مقبولا مع انه خبر سيكون قديم جدا و لكن دعنا نحسب اين تكون السماء 3 ايام ضوئية علي اساس ان السرعة 1/10 من سرعة الضوء وهي مبالغ بها اذا هل توجد سماء قابلة للطي علي بعد ثلاثة ايام ضوئية لم يستطع العلماء رؤيتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب
للانصاف هذه الاثارة والاشكالية تتصف بدقة وملاحظة مهمة تستدعي وقفة للدراسة وللجواب عليها أقول:
هذه الاشكالية مبنية على ثلاث مقدمات مطوية تقدر صحتها حتى يتوجه الاعتراض وهي:-
المقدمة الاولى
ان منطقة (الانباء واستراق السمع) تقع في السماء الاولى وهي في موضع أبعد من الغلاف الجوي بمعنى ان طرف الغلاف الجوي ليس جزءا من السماء الاولى.
هذه المقدمة غير ثابتة
ولكن ذلك غير لازم فليس هناك مانع ان يكون طرف الغلاف الجوي ونهايته (10000 الى 30000 كيلو متر) عبارة عن بداية السماء الاولى ومنطقة الانباء ومصدر الاخبار تقع بطرف الغلاف الجوي بافتراض ان السماء الاولى ذات سمك عريض اي ممتدة الى الغلاف الجوي اذ لا ضرورة لان تكون بداية السماء بعد كل تلك المسافات المذكورة في الاشكالية (الخاطرة) وهذه الفرضية كافية في تهاوي الاشكالية وانهيارها تماما.
المقدمة الثانية
وتنبني الاشكالية على مقدمة اخرى وهي ان المعجزة تعني خرق العادة وليس متاحا لها مخالفة قوانين العقل فالمعجزة لا تسمح باجتماع النقيضين او ارتفاعهما ولا تصل امكانيات المعجزة الى ايجاد المعلول بدون علة حيث ان هذا مستحيل.
تقول النظرية النسبية لانشتاين بان الجسم يستحيل عليه ان يصل لسرعة الضوء فضلا عن ان يتجاوزها وسرعة الضوء حوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة (30000).
وعلى هذا الاساس لا يمكن للشهب ان تصل سرعتها للضوء او تكون اسرع منها فذلك مستحيل بمنطق الفيزياء.
قال الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله تعالى:
المشهورة في تعريف المعجزة أنّها: «أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة»(حاشية: شرح التجريد، لنظام الدين القوشجي، ص 465)).....
وإليك توضيح هذا التعريف.
1 ـ الإعجاز خارق للعادة وليس خارقاً للعقل
إنّ هناك من الأمور ما تعدّ خارقة للعقل، أي مضادة لحكم العقل الباتّ، كاجتماع النقيضين وارتفاعهما، ووجود المعلول بلا علّة، وانقسام الثلاثة إلى عددين صحيحين... فإنّ هذه أمور يحكم العقل باستحالتها وامتناع تحققها.
انتهى كلامه زيد مقامه المصدر ( محاضرات في الالهيات ص 258).
أقول: هناك فكرة أخرى ترى ان المعجزة يمكنها دخول المنطقة المحضورة عقلا فليس هناك شيء مستحيل بالنسبة للخالق القادر على كل شيء، ولكن الصحيح ان المعجزة لا تطال المنطقة المستحيلة فالاعجاز يختص بدائرة الممكنات كما القدرة الالهية لا تتناول المحال غير ان النقطة الجديرة بالاهتمام هي انه بالامكان التوفيق بين فكرة انكماش المعجزة عن المستحيلات وبين فكرة انطلاق الجن بسرعة أعلى من الضوء بعلة اخرى لا نعلمها او قل بقانون فيزيائي خاص فلسنا ندعي ولادة المعلول بدون علة ولكننا ندعي امكانية ان يغير الخالق تبارك وتعالى القانون الفيزيائي ضمن معادلة خاصة وظرف خاص لصالح هدف ضرب الجن الذين تسول لهم انفسهم استراق السمع.
غير اننا لا ندعي حتمية هذه الفرضية وانما ندعي ان مجرد احتمالها وامكانيتها تضرب الاشكالية من اساسها وتهدم بنيانها.
المقدمة الثالثة
والمقدمة الثالثة التي تنبني عليها الاشكالية هي ان الايات القرآنية تقصد بيان المعنى الحسي للسماء والشهب وعلى ذلك يتوجه الاعتراض والاشكال.
غير ان هذه المقدمة غير ثابتة وليست متيقنة فقد فسرها جملة من المفسرين بمعنى رمزي واعتبروها كناية عن امر معنوي من باب ضرب الامثال ومفاده مثل افتراض ان تكون السماء كناية عن عالم ملكوتي وان الشهب عبارة عن نور الملكوت المانع من استراق السمع ومعرفة الاخبار والانباء.
ومثل هذا الطرح مال له العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان وتبناه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي كما نقله عن مفسرين اخرين مثل الطنطاوي في تفسير الجواهر.
ولكني في الوقت الذي لا استطيع فيه الجزم بنفي هذا التفسير المعنوي، لا ارى ضرورة المصير له فان ذلك انما يكون حتميا اذا ثبتت استحالة الحمل على المعنى الحسي.
غير ان هذه الاستحالة غير ثابتة لما اوضحناه في بطلان كل من المقدمتين الاولى والثانية.
علاوة على اضافة هذا التوضيح وهو ان اختراق البشر للغلاف الجوي بل وما هو ابعد منه بمسافات طويلة لا يعني ان المنطقة التي يسترق منها السمع وتؤخذ منها الاخبار ليست موجودة هناك فبالامكان افتراض انها قائمة هناك، لكنها ذات شفرة لا يستطيع البشر قرائتها فما اكثر اسرار الكون فكم من الاشياء المحيطة بنا لم يتمكن البشر من معرفتها الا بعد قرون طويلة من عمر البشرية والان في ظل التطور التكنولوجي لا يمكنه ان يحس بالاشعة تحت الحمراء او الاشعة فوق البنفسجية أوموجات الراديو والهاتف والتلفزيون والموجة فوق الصوتية وغيرها الا بواسطة اجهزة حديثة قادرة على قراءة تلك الموجات وفك تلك الشفرات وبيانها للحس بدل خفائها عنه فهي أشياء مخفية عن الحواس المجردة عن القارئ الخاص مثل جهاز السونار وجهاز الراديو.
فالنتيجة انه بالامكان وجود تلك الاشياء التي لا تكشفها حواس الانسان المجردة ولا آلاته الحديثة فهي ذات شفرة يستطيع مثل الجن قرائتها بسونار خاص او قل جهاز خاص لا نملكه معاشر البشر.
ومتى صدقت هذه الامكانية فلا ضرورة لفرضية معنوية السماء والشهب غير ان مجرد احتمال هذه الفرضية يسقط الاشكالية وينسفها من قواعدها.
لكنها غير ضرورية لوجود الفسحة من خلال اكثر من فرضية لابطال الاعتراض كما عرفت والله العالم.
وقد اتضح لك عزيزي القارئ بما لا مزيد عليه عدم ثبوت بطلان حسية الاشياء المشار اليها لامكانية عدم قدرة حواس الانسان على ملاحظتها.
اجل فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
ومع ذلك في النهاية لا املك ان انفي التفسير المعنوي كما لا اثبته لعدم الضرورة له والله العالم.
وفي الختام - تتميما للفائدة - أود نقل ما ذكره سماحة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في كتابه المثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 8 – ص 42 – 48 حيث يقول:
يصرّ جمع لا بأس به من المفسّرين (وخصوصاً القدماء منهم) على الوقوف عند المعنى الظاهري لهذه الآيات.
فالسماء هي هذه السماء، والشهاب هو ما نراه ونسميه شهاباً (أي الكرات الصغيرة التي تسبح في الفضاء، وتخترق بين الحين والآخر جاذبية الأرض فتنطلق نحوها بسرعة فتحترق نتيجةً لا حتكاكها بالهواء المسبب لزيادة حرارتها).
والشيطان هو ذلك الموجود الخبيث المتمرد الذي يحاول أن يخترق أعماق السماوات ليطلع على أخبار ذلك العالم ليوصل تلك الأخبار إِلى أوليائه الأشرار على الأرض من خلال استراقه السمع، ولكنّه يُمنع من الوصول إِلى هدفه برميه بالشهب.
(حاشية: ذكر هذا التّفسير الفخر الرازي في تفسيره الكبير، وكذلك الآلوسي في (روح المعاني) بعد طرح الإشكالات المختلفة في الموضوع اعتماداً على علم الهيئة والطبقات الفلكية القديم وأمثال ذلك. وأكثر العلماء فيه البيان من خلال الإِجابة على تلك التساؤلات، ولا ضرورة لذكرها لما وصل إليه علم الفلك في يومنا.)
3 ـ وذهب جمع من المفسّرين مثل العلاّمة الطّباطبائي في (تفسير الميزان) والطنطاوي في تفسير (الجواهر) إِلى حمل هذه الآيات على التشبيه والكناية وضرب الأمثال، أو ما يسمّى بـ (البيان الرمزي) ثمّ شرحوا ذلك بصور عدّة:
ألف: نقرأ في تفسير الميزان: (أورد المفسّرون أنواعاً من التوجيه لتصوير استراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب، وهي مبينة على ما سبق إِلى الذهن من ظاهر الآيات والأخبار، إِنّ هناك أفلاكاً محيطة بالأرض تسكنها جماعات من الملائكة ولها أبواب لا يلج فيها شيء إِلاّ منها، وإِنّ في السماء الأُولى جمعاً من الملائكة بأيديهم الشهب يرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذفونهم بالشهب.
وقد اتّضح اليوم اتضاح عيان بطلان هذه الآراء.
ويحتمل ـ واللّه العالم ـ أنّ هذه البيانات في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس، وهو القائل عزَّ وجلّ في سورة العنكبوت (43): (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إِلاّ العالمون)، وهو كثير في كلامه تعالى ومنه العرش والكرسي واللوح والكتاب.
وعلى هذا يكون المراد من السماء التي تسكنها الملائكة عالماً ملكوتياً ذا أفق أعلى، نسبته إِلى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة بأجرامها إِلى الأرض، والمراد لاقتراب الشياطين من السماء واستراقهم السمع وقذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائكة للإِطلاع على أسرار الخلقة والحوادث المستقبلة ورميهم بما لا يطيقونه من نور الملكوت.
(حاشية: تفسير الميزان، ج17، ص 124 (في تفسير الآيات من سورة الصافات).
ب ـ والطنطاوي في تفسيره المعروف، هكذا يرى: (إِنّ العلماء المحتالين

المرائين الذين يتبعهم عوام الناس دون أن تكون لهم الأهلية لأن يطلعوا على عجائب السماوات وبدائع العالم العلوي وأجرامه غير المحدودة، وما يحكمها من نظم وحساب دقيق، فإِنّ اللّه تعالى يمنع عنهم هذا العلم ويجعل هذه السماء المليئة بالنجوم الوضاءة بكل أسرارها في اختيار مَنْ له عقل ونباهة وإِخلاص وإِيمان، ومن الطبيعي أن يمنع هذا الصنف من العلماء من النفوذ في أسرار هذه السماء، فكل شيطان يطرد عن الحضرة الإِلهية سواء كان من البشر أو من غيرهم، وليس له حق الوصول إلى هذه الحقائق، ومتى ما اقترب منها طرد عنها، فيمكن أن يعيش هكذا أشخاص سنوات كثيرة ثمّ يموتون ولكنّهم لا يدركون هذه الأسرار أبداً، لهم أبصار ينظرون بها ولكن لا تستطيع رؤية هذه الحقائق، أليس العلم لا يناله إِلاّ عشاقه ولا يدرك جماله ولا ينظر إِليه إِلاّ عرفاؤه(حاشية: تفسير الجواهر، ج8، ص11.)؟!
ويقول في مكان آخر: ما المانع أن تكون هذه التعبيرات كناية، فيكون المنع الحسي رمزاً للمنع العقلي، والكناية من أجمل أنواع البلاغة، ألاّ ترى أن كثيراً من الناس حولك محبوسون في هذه الأرض، غائبةٌ أبصارهم، لا يسمعون إِلى الملأ الأعلى ولا يفهمون رموز هذه الدنيا وعجائبها وقد قذفوا من كل جانب، مطرودين حيث طردتهم شهواتهم وعداواتهم وكبرياؤهم وحروبهم وطمعهم وشرهم عن تلك المعاني العالية
(حاشية: تفسير الجواهر، ج18، ص10.)،
وإِن أصيب أحَدٌ بهذه الأهواء يوماً بسبب التلوثات التي تملأ قلبه وروحه فإِنّه سيطرد أيضاً.
ج ـ وله كلام في مكان آخر، خلاصته: تبقى قائمة بين أرواح البشر المنتقلة إِلى عالم البرزخ مع الأرواح التي ما زالت مع البشر في الحياة الدنيا، وإذا ما توفر التشابه والسنخية فيما بينها فيمكن والحال هذه إحضارها والتكلم معها فتطلعها على أُمور واقعة ودقيقة جدّاً، ولا تتمكن من أن تعطي الصورة الحقيقية لبعض
الأمور، لأنها لا تنقل بدقة إِلا ما هو ضمن عالمها المحدود، ولا يمكنها أن تصل إِلى عالم أعلى منها، فكما أنّ الأسماك لا تتمكن من اختراق عالمها المائي، كذلك هذه الأرواح فإِنّها لا تقوى على الخروج لأكثر من حدود عالمها.
د ـ وقال بعض آخر: أظهرت الإِكتشافات الأخيرة وجود أشعة قوية تنبعث باستمرار من الفضاء البعيد، ويمكن استلامها على الأرض بوضوح بواسطة أجهزة استقبال خاصة، وإِنّ مصدر هذه الأمواج لا زال مجهولا، إِلاّ أن بعض العلماء يحتملون وجود كائنات حية كثيرة تعيش على الأجرام السماوية البعيدة وربّما كانت متفوقة علينا مدنياً فيرسلون هذه الأمواج ليخبرونا عن وجودهم وبعض أخبارهم، وفي تلك الأخبار مسائل جديدة علينا، ولكنّ الجن تسعى للإِستفادة من تلك المسائل فتطرد بتلك الأشعة القوية المقتدرة على أن لا تصل لفهم ما أرسل إِلى أهل الأرض (حاشية: لقرآن على مر العصور، ع . نوفل.).
كانت هذه آراء المفسّرين والعلماء وأقوالهم المختلفة.
نتيجة البحث:
طال بنا البحث في تفسير الآيات الآنفة الذكر، وقبل الخروج بمحصلة البحث لابدّ من ذكر بعض الملاحظات:
1 ـ أشار القرآن الكريم بكلمة "السماء" إِلى نفس هذه السماء التي يتبادر الذهن إِليها تارة، وإِلى السمو المعنوي والمقام العلوي تارة أُخرى.
فمثلا نقرأ في الآية (40) من سورة الأعراف (إنّ الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء).
فمن الممكن حمل معنى السماء هنا على الكناية عن مقام القرب من اللّه عزَّ
وجلّ، كما نقرأ في الآية العاشرة من سورة فاطر (إِليه يصعد الحكم الطيب والعمل الصالح يرفعه).
وكما هو بيّن أن كلا من الحكم الطيب والعمل الصالح ليسا من الأشياء التي يقال عنها ذلك، بل المراد هو الإِرتفاع إِلى مقام القرب الإِلهي والتشرف بالسمو والرفعة المعنوية.
والمقصود من تعبير "أنزل" و"نزل" في آيات القرآن هو النّزول من الساحة الإِلهية المقدسة على قلب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقرأنا في تفسير الآية (24) من سورة إِبراهيم (ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) إنّ أصل الشجرة الطيبة المشار إليها في الآية هو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) والفرع علي (عليه السلام) (والفرع هنا هو الأصل الثانوي الذي يرتفع في السماء) والأئمّة عليهم السلام هم الفروع الأصغر
(حاشية: راجع تفسير البرهان، ج2، ص310.).
وكذلك ما نقرؤه في أحد الأحاديث: "كذلك الكافرون لا تصعد أعمالهم إِلى السماء".
لا ريب أنّ "السماء" المستعملة هنا ليست السماء المُشَاهَدَة.
نستنتج ممّا سبق أنّ "السماء" قد استعملت بمفهوميها المادي والمعنوي أو الحقيقي والمجازي.
2 ـ و"النجوم" كذلك، بمفهومها المادي.. هذه الأجرام السماوية التي تشاهد في السماء. ومفهومها المعنوي.. أُولئك العلماء والأشخاص الذين ينيرون درب المجتمعات البشرية.
فكما أنّ سالك الصحراء وعابر البحر يستهديان بالنجوم والليالي الحالكة الداكنة، فكذلك المجتمعات البشرية، فإِنّها تسلك الطريق السليمة لترشيد حياتها
ونيل سعادتها بنور أُولئك المؤمنين الواعين من العلماء والصالحين.
وفي الحديث المعروف عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيّها اقتديتم اهتديتم"
(حاشية: سفينة البحار، ج2، ص9.)
وهو إِشارة جلية لهذا المعنى.
كما نقرأ في تفسير علي بن إِبراهيم في ذيل الآية (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر)
(حاشية: الأنعام، 97.)
إنّ الإِمام (عليه السلام) قال: "النجوم آل محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم"
(حاشية: نور الثقلين، ج1، ص750.).
3 ـ يستفاد من الرّوايات العديدة التي وردت في تفسير الآيات المبحوثة، أن منع الشياطين من الصعود إِلى السماوات وطردها بالشهب تمّ حين ولادة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستفاد من بعضها أنّ ذلك حدث أثناء ولادة عيسى بن مريم(عليه السلام)كذلك ولكن لفترة معينة، وأمّا عند ولادة نبيّنا الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) فقد تمّ المنع بشكل كامل (حاشية: نور الثقلين، ج3، ص5 ـ تفسير القرطبي، ج5، ص3626.).
ومن كل ما تقدم يمكننا القول: إِن "السماء" كناية عن سماء الحق والإِيمان، والشياطين تسعى أبداً لا ختراق هذه السماء والتسلل إِلى قلوب المؤمنين المخلصين عن طريق تخدير حماة الحق بأنواع الوساوس لصرعهم.
ولكن علم وتقوى أولياء اللّه وقادة دعوة الحق من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والعلماء العاملين كفيل بأن يبعد عبدة الجبت والطاغوت عن هذه السماء.
وهذا ما يساعدنا على فهم ذلك الترابط بين ولادة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أو ولادة المسيح (عليه السلام)، وبين طرد الشياطين عن السماء.
ويساعدنا كذلك على أن نفهم تلك الرابطة بين الصعود إِلى السماء والإِطلاع على الأسرار، لتيقننا بعدم وجود أخبار خاصّة بين طبقات هذه السماء المشاهدة، وكل ما هناك لا يتعدى عجائب الخلقة التي صورها الباري جل شأنه والتي يمكن دراسة الكثير منها على سطح الأرض، والذي ربما أصبح شبيه بالبديهي من أن الأجرام السماوية المنتشرة في الفضاء اللامتناهي بعضها أجرام فاقدة للحياة وأُخرى حية، ولكنّ حياتها ليست كحياتنا.
ولا بدّ من الإِلتفات إِلى أنّ مسألة وجود الشهب منحصرة ضمن منطقة
الجوي للأرض فقط، وذلك حينما تلتهب تلك الصخور المتساقطة صوب الأرض من خلال احتكاكها بالهواء، أمّا خارج منطقة الغلاف الجوي فخال من الشهب. نعم، هناك صخور وكرات تسبح في الفضاء إِلاّ أنّها لا تسمى شهباً إِلاّ بعد دخولها في منطقة الغلاف الجوي فتلتهب وتظهر للعيان على هيئة خط ناري واضح تخيل للناظر أنّها نجمة متحركة بسرعة.
وكما هو معلوم، فإِنّ إِنسان العصر الحديث قد نفذ مراراً من هذه المنطقة، بل وغالى في نفوذه حتى وطأت قدماه سطح القمر (علماً بأنّ سمك الغلاف الجوي يبلغ من مائة إِلى مائتي كيلومتر طولا.. وأنّ القمر يبعد عن الأرض بأكثر من ثلاثمائة ألف كيلومتر).
فإِنّ كان المقصود من الشهب في الآية عين الشهب المشاهدة لنا، فيمكن القول: إِنّ علماء البشر قد اكتشفوا هذه المنطقة ولم يجدوا الأسرار الخاصة المدعاة.
والخلاصة: يظهر لنا من خلال ما ذكر من قرائن وشواهد كثيرة أن المقصود من السماء هو.. سماء الحق والحقيقة، وأنّ الشياطين ذوي الوساوس يحاولون أن يجدوا لهم سبيلا لاختراق السماء واستراق السمع، ليتمكنوا من إِغواء الناس بذلك، ولكنّ النجوم والشهب (وهم القادة الربانيون من الأنبياء والأئمّة والعلماء) يبعدونهم ويطردونهم بالعلم والتقوى. ولكنْ.. بما أن القرآن الكريم بحر غير متناه، فلا ينبغي البناء القطعي على هذا التأويل، وربّما المستقبل سيحفل بتفسير آخر لهذه الآيات مستنداً على حقائق لم نصل لها في زماننا.

السبت، 22 مارس 2008

السيد الخوئي (ره) مخطئ؟! أو انا مغرور؟!

المرحوم مرجع الطائفة السيد الخوئي ره
خلال السنة الاولى التي توجهت فيها لقم المقدسة وبالتحديد عام 1991م اطلعت فيها على فتوى سيد اساتذتنا المرحوم آية الله العظمى الخوئي قدس سره المتضمنة لوجوب ان يكون الخمس بمقدار الربع احيانا!.

لست مازحا نعم الفتوى تنص على وجوب دفع الخمس بمقدار الخمس تارة وبمقدار الربع تارة اخرى واليك نص الفتوى:
سؤال 437 : ما هي الأمور التي يجب إخراج خمسها وما هي الأمور التي يجب فيها الربع ؟ الخوئي : إذا حصل له ربح وجاء رأس سنته وجب إخراج خمسها ، فإن لم تخرج خمس هذا الربح وبقي عندك كما هو وربحت السنة اللاحقة أيضا وأردت أن تخرج خمس ذلك الربح الذي عندك من السنة الماضية بهذا الربح الذي حصل لك في السنة اللاحقة وجب أن تخرج الربع .
صراط النجاة - ج 1 - ص 169 – 170.
وهنا خال لي ان السيد الخوئي رحمه الله مخطئ فالفريضة الواجبة بنص القرآن الكريم واجماع المسلمين هي الخمس فكيف ارتفعت الى الربع؟ قال تعالى:
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الأنفال/41}
قلبتها يمينا وشمالا فلم ار لهذه الفتوى وجها صحيحا فلم نسمع بالربع في الخمس ولم يتفوه بهذه النسبة احد من الفقهاء قديما وحديثا.
توجهت لاحد فضلاء الحوزة وتحاورت معه في هذه المسألة والمفاجئة هي اننا اجمعنا على خطأ سيد اساتذتنا (قده) بل اشاد بذكائي حيث دخلنا في مناقشات مطولة لحيثيات المسألة وجوانبها.
اجل فالسيد الخوئي قدس سره بشر وليس معصوما من الخطأ قلت في نفسي ماذا افعل بعد هذا الاكتشاف المهم؟!.

دخول الأستاذ على الخط


استاذنا المعظم حفظه الله

بعد انتهاء درس استاذنا المعظم آية الله السيد محمود الهاشمي دام ظله اقتربت منه بخيلاء وغرور

لاستعرض عضلاتي حتى ينضم لاجماعنا حتى يثبت خطأ سيدنا الخوئي رحمه الله اطلعته مد ظله على الفتوى وتسائلت عن سر الربع ولماذا افتى السيد رحمه الله بالربع؟
وربما قلت له بان السيد مخطئ.
فقد عودتنا الحوزة العلمية على حرية النقاش والبحث العلمي ولكن لا اتذكر بالدقة مجمل التفاصيل والكلام الذي طرحته انذاك.
بدا لي بان سيدي الاستاذ دامت بركاته تفاجأ بنسبة الربع حيث اطرق مليا....
وهنا زادت ثقتي بالاكتشاف العظيم الذي اتفق فيه معي احد الفضلاء وكدت اطير فرحا وغرورا فسوف يسجل التاريخ للسيد علوي اكتشاف خطأ زعيم الحوزة وسيد الفقهاء والمجتهدين ولك ان تتصور حجم هذا الاكتشاف وما يعنيه وما يترتب عليه من تداعيات!.
اجل فهذا الفقيه والاستاذ القدير الذي هو من تلامذة السيد الخوئي (ره) لم يسمع بالربع ولم تتبق سوى لحظات لينضم لاجماعنا لينتهي الامر بالتخطئة الجزمية للسيد الخوئي رحمه الله تعالى.
خيبة امل
رفع الاستاذ مد ظله راسه واجاب بما يرفع الغشاوة وشرح المسألة فانفصم الاجماع واعترفت بخطئي في تخطئة استاذ اساتذتنا وصار راييي موافقا لبدعة الربع!.
نعم فمسألة الربع ليست سوى زواج بين مسألة فقهية ومسألة رياضية وليست بدعة الا في الاسم.
لقد مرت سنون طويلة على هذه المسألة ولا اتذكر بالدقة تفاصيل حديث الاستاذ دام ظله ولكن اتضحت لي الصورة وفي هذا المقال اهدف لايصال رسالتين:-
احداهما- يجب التخلي عن الغرور العلمي فلا يصح التسرع بالحكم واتخاذ القرار وتخطئة الاخرين ويجب التروي في اصدار الاحكام.
والاخرى- توضيح مسألة الربع صحيح ان المسألة لم تطرح في الرسالة العملية بصيغة الربع ولكن مضمونها مذكور في منهاج الصالحين واليك المسألة مع شرحها من قبلنا.
( مسألة 1250 ) : إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح ثم دفعه تدريجا من ربح السنة الثانية لم يحسب ما يدفعه من المؤن ، بل يجب فيه الخمس ، وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة فإن وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن ، بل يجب فيه الخمس إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة ، وإذا كان عوضا عن خمس عين أو أعيان تالفة فوفاؤه يحسب من المؤن ، ولا خمس فيه .
منهاج الصالحين - السيد الخوئي - ج 1 - ص 345.
خذ مثالا للتوضيح اشترى زيد أرضا وحل رأس السنة ولم يخمسها ولكنه يريد دفع الخمس مقسطا كل شهر من ارباح السنة الجديدة (الرواتب الجديدة) فاذا فرضنا قيمة الارض اربعين الف دينار فعليه ان يدفع عشرة الاف دينار.
حيث ان المال الذي يدفعه خمسا عن مال غير تالف (الارض) ليس من مؤنة السنة الجديدة فيجب عليه ان يدفع خمس الارض من مال مخمس والنتيجة يجب ان يدفع ثمانية الاف دينار مخمسة خمسا عن الارض وحتى تكون الثمانية آلاف مخمسة يلزم ان يخمس مبلغا مجموعه يساوي عشرة الاف دينار فيدفع الفي دينار خمسا عن العشرة آلاف فيبقى له ثمانية آلاف مخمسة فيدفعها خمسا عن الارض فصار مجموع المدفوع عبارة عن 2000+8000=10000 وهو يساوي ربع قيمة الارض.
فالاضافة (2000) عبارة عن ربع الخمس والمجموع (10000) ربع قيمة الارض.
ولنتبع ذلك بمجموعو استفتاءات ترتبط بمسألة الربع للاعلام السيد الخوئي استاذنا المرحوم آية الله العظمى الشيخ التبريزي (ره) آية الله العظمى السيد السيستاني:-



الاستاذ الشيخ التبريزي ره

.المرجع السيد السيستاني حفظه الله تعالى


المورد الاول:-
صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 1 - ص 170
سؤال 438 : شخص استدان مبلغا من المال ووظفه في عمل زراعي ثم صار من إنتاج هذا المشروع يوفي دينه حتى وفاه كاملا ، وأصبح المشروع ملكا له وهو ينتج له أرباحا سنوية ، هل يجب أن يخمس هذا المشروع على أساس قيمته السابقة أم على أساس قيمته الحالية ، مع العلم أن القيمة الحالية قد ارتفعت ارتفاعا كبيرا ؟.
الخوئي : بعد ما وفيت ديونك فاللازم أن تخرج ربع ما وفيت به ديونك التي صرفتها في عملك الزراعي الباقي لك ، إذا كنت وفيت من أرباح ذلك المشروع فالواجب دفع الخمس لكن بقدر الربع حتى يصير خمسا على نفس المبلغ الذي تسد به دينك ، ولا تعتبر القيمة الحالية في ذلك .

التبريزي : في مفروض السؤال : يخمس ذلك المشروع على أساس قيمته الحالية .
المورد الثاني:-
صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 2 - ص 182
سؤال 562 : لو دفع المكلف قسما من ثمن تاكسي اشتراها للعمل ، وبقي عليه قسما أخر دين ، والآن يريد أن يخمس ( حيث لم يكن مخمسا في السابق ) هل يجب عليه تخميس الثمن بكامله ، أم ما دفع فقط ، أم لا يخمس شيئا لأن التاكسي باب لمعيشته ؟
الخوئي : يخمس ما دفع من قيمتها .
التبريزي: إذا كان المال المدفوع ثمنا للتاكسي من أرباح سنته ، وكان بمقدار مؤونة تلك السنة فلا خمس فيه ، ويخمس الزائد إن كان ، وأما مقدار الدين فلا خمس فيه في سنة الشراء ، بل يخمسه بمقدار ما أدى من الدين في السنوات الآتية بربحها بعد تخميس ذلك الربح ، وبالجملة عليه أن يدفع الربع .
المورد الثالث:-
صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 3 - ص 121
س 635 : بنيت دارا للسكنى من مال ، جزء منه قرض من الحكومة ، والجزء الثاني مال مخمس ، والجزء الثالث والأخير أرباح أثناء السنة ، وقد حال الحول على هذه الدار دون أن أستفيد منها ، فلو فرضنا أن المال المصروف في البناء عشرون ألف دينارا ، عشرة منه قرض الحكومة ، وخمسة مال مخمس ، وخمسة أرباح السنة ، وأن الدار عندما حال عليها الحول كانت قيمتها تفوق المال المصروف في بنائها ، ولنفرض أنها تساوي خمسة وعشرون ألفا ( عند الحول ) فكيف نقوم بتخميس هذه الدار ؟
الخوئي : أما بالنسبة إلى الجزء الثالث فتخمس من قيمة البناء بمقدار ما يقع من البناء بإزاء هذا الجزء من المال ، وإذا كان التخميس بمال غير مخمس فعليك دفع الربع بدل الخمس فتكون قد خمست هذا المال أيضا . وأما بالنسبة إلى الجزء الأول فإذا سددت هذا القرض أو بعضه قبل سنة السكنى خمست من قيمة البناء ما يقع بإزاءه ، إن كان التسديد من أرباح نفس السنة ، وتدفع الربع إذا كان التخميس بمال غير مخمس ، كما ذكرنا ، وخمست نفس المبلغ إن كان التسديد من أرباح سنين سابقة غير مخمسة ، يعني تخمس المال أولا ثم تسدد الدين من الأربعة أخماس الباقية ، أما إذا سددته في سنة السكنى ، أو بعدها ، فلا خمس بالنسبة إليه .
المورد الرابع:-
صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 3 - ص 128 - 129
س 383 : شخص يملك ( ( مائة ألف ريال ) ) وضعها في تجارة ، قبل أن يحول عليها الحول ، وتأخر ظهور الربح حتى حال عليها الحول ، لكن لو سحبها لتضرر ماليا ، هل يجوز له أن ينتظر بيع هذه الصفقة التجارية ثم يخمس ، ولا يوجد عنده مال آخر ليخرج الربع ، أو يوجد ولكن في ذلك عسر عليه ؟
الخوئي : يتعلق الخمس بالبضاعة المسماة عند حلول الحول على المبلغ. التبريزي : في مفروض السؤال : ينقل الخمس إلى ذمته بالمداورة مع الحاكم الشرعي ، أو وكيله ، ثم يدفع الخمس تدريجا ، وإذا دفعه من الربح اللاحق يعطي الربع .
المورد الخامس:-
استفتاءات - السيد السيستاني - ص 580 - 581
2299 . السؤال : لدي أرض قيمتها 50000 ريال للاستثمار وفي بداية تخميسي طلب مني أحد وكلائكم إضافة إلى خمسها وهو ( 10000 ريال ) ربع الخمس ( 2500 ريال ) فما حكم المسألة وما علة ربع الخمس ؟ الجواب : السر فيه أنه يجب عليك دفع الخمس من مال مخمس حيث إنك لا تخرج خمس الأرض من نفسها وإنما تدفعه من سائر الأرباح وهي لم تخمس فتكون قد صرفت الربح في غير المؤونة ولذلك وجب دفع الربع منه ليكون الخمس من مال مخمس .
تنويه:
القراء الاعزاء ليس ما ذكر في السرد معبرا عن مشاعر حقيقة تعتمل في نفس الكاتب اثناء تسلسل وقوع الاحداث ولكنه مجرد اسلوب تشويقي للاستفادة من هذه المسألة الفقهية ذات البعد الرياضي فلم يكن يختلج في صدر الكاتب سوى البحث عن الحقيقة وفهم المسألة على حقيقتها وهذا ما دعاني أسال أهل الفن والاختصاص فما ذكرته تصوير خيالي لغرض شد الانتباه.

الخميس، 20 مارس 2008

هل أباح الائمة (ع) الخمس لشيعتهم؟

هل أباح الائمة (ع) الخمس لشيعتهم؟ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وأله الطاهرين. ارسلت لي رسالة الكترونية تنبهني الى طرح موضوع يرتبط بموضوع أحد المشاركين في أحد المنتديات يدعي فيه ان الائمة عليهم السلام اباحوا الخمس لشيعتهم ولا يجب عليهم ان يخرجوا الخمس بل يأكلوه هنيئا مريئا وكتعليق سريع على ذلك اقول: انتابني شعور منذ البداية بان الطرح آت من جهة معادية للشيعة يغيضها قوة المذهب وتنامي اتباعه واتساع رقعته فتنشط الجهات المعادية لهذا المذهب بوسائل عديدة منها قتل الشيعة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها ومن تلك الوسائل السب والقذف واتهام الشيعة بأنهم خارجون عن الاسلام وانهم مشركون او يهود الخ تلك الترهات. ومن تلك الوسائل محاولة اضعاف الرافد المالي للحوزات العلمية التي تمثل الحصن الاكبر للحفاظ على المذهب من الضياع وحمايته من الانحراف ولكن مع ذلك اجبت على الشبهة حتى لا تنطلي على بعض الناس حيث لاحظت ذلك من خلال بعض الرسائل المرسلة لي كما لم انفِ احتمال ان يكون صاحب الموضوع شيعيا مشتبها فرأيت من المناسب بيان الجواب لدفع الشبهة ولكن تبين من خلال الرد ونوع المواضيع التي يطرحها ذلك العضو تستهدف الاثارة والجر لمستنقع يستهدف منه زعزعة عقائد الشيعة واحداث الفتنة لإضعافهم خدمة لأهداف جهات معادية للشيعة منها بعض الحكومات ومنها تيارت دينية طائفية متشددة همها ايقاع الفتن بين المسلمين. ومع ذلك اجيب علميا على هذه الإثارة بما يلي: 1- هذه المسألة لا يمكن الجزم بها لغير الفقيه المتخصص بالدراسات الفقهية العالية لان ذلك يتطلب معرفة السند والظهور وعدم المعارضة مع نص قرآني او مع معلومة ثابتة في الشريعة او مع روايات اخرى فالنتيجة ان غير الفقيه لا يمكنه ان يتفوه بإثبات او نفي في امر لا يدخل نطاق تخصصه. 2- ويترتب على ذلك ان من يزعم التحليل وهو من غير ذوي الاختصاص في الفقه يقول على الله بغير علم ويكذب على الله ورسوله والائمة الائمة الاطهار عليهم السلام فهو مرتكب لذنب عظيم خطير، لقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ- سورة يونس 59. وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ - 33 الأعراف. 3- ويترب على ذلك انه يجب عليه ان يتوب وان يتراجع ويخبر من أبلغهم بنفي ما زعمه. 4- انقل لكم ايها الاعزة كلام سيد اساتذتنا المرحوم اية الله العظمى سيد الفقهاء والمجتهدين بحق السيد الخوئي قدس سره حول هذه المسألة لإزالة اللبس فيها قال رحمه الله تعالى: يظهر من جملة من الاخبار اباحة الخمس للشيعة اباحة مطلقة بلا قيد ولا شرط، وانهم في حل منه لا يجب عليهم اداؤه بتاتا. فكأن التشريع بالإضافة إليهم لم يتجاوز مرحلة الاقتضاء ولم يبلغ مقام الفعلية لاقترانه بتحليلهم واباحتهم صلوات الله عليهم. وبإزائها ما دل على عدم الاباحة مطلقا. وهناك ما تضمن التحليل بالنسبة إلى من انتقل إليه الخمس فيثبت حينئذ في ذمة من انتقل عنه وليس على من انتقل إليه شئ - بخلاف الزكاة حيث لم تسقط عمن انتقلت إليه كما تقدم - فهذه طوائف ثلاث من الاخبار. اما الطائفة الاولى فالعمدة منها صحيحة الفضلاء عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا ألا وان شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل. هكذا في التهذيب ورواها في الفقيه بلفظ (وابناءهم) بدل (وآباءهم) ولعله الاصح كما لا يخفى. ونحوها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: ان امير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم ومعتبرة الحارث بن المغيرة النصرى قال: دخلت على ابي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إني اريد أن اسألك عن مسألة والله ما اريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له فاستوى جالسا إلى ان قال: اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا.. الخ وقد عبر عنها في الحدائق بالموثقة، ولم يظهر وجهه بعد جهالة جعفر بن محمد بن حكيم الواقع في سلسلة السند. ... وأما روايته الاخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له ان لنا اموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت ان لك فيها حقا قال: فلم احللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب. فهي ضعيفة السند بأبي عمارة فانه مجهول... وهذه الروايات مضافا إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين غير قابلة للتصديق في نفسها ولا يمكن التعويل عليها. اولا- من اجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسد حاجات السادة والفقراء من آل محمد صلى الله عليه وآله، إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة والمفروض امتناع اهل السنة وانكارهم لهذا الحق فمن اين يعيش فقراء السادة، والمفروض حرمة الزكاة عليهم، فلا يمكن الاخذ بإطلاق هذه النصوص جزما. وثانيا- انها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرقة والاجناس المتعددة كقوله عليه السلام: خذ من اموال الناصب ما شئت وادفع الينا خمسه، أو من اخذ ركازا فعليه الخمس، وما ورد في ارباح التجارات من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها. فلو كان مباحا للشيعة وساقطا عنهم فلماذا يجب عليهم الخمس، وما معنى الامر بالدفع في هذه النصوص المتكاثرة، وهل ترى ان ذلك لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ مرحلة الفعلية بقرينة نصوص التحليل. هذا مضافا إلى معارضتها ب‍ الطائفة الثانية الظاهرة في نفي التحليل مطلقا مثل ما رواه علي بن ابراهيم عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذا دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى الوقف بقم فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة الاف درهم في حل فاني قد انفقتها، فقال له: انت في حل، فلما خرج صالح، فقال أبو جعفر عليه السلام: احدهم يثب على اموال (حق) آل محمد وايتامهم ومساكينهم وابناء سبيلهم فيأخذه ثم يجئ فيقول اجعلني في حل، أتراه ظن أني اقول لا افعل والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا. فان الظاهر بمقتضى القرائن الموجودة فيها ان المراد من الاموال هو الخمس كما لا يخفى. ومعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له. والظاهر أنها معتبرة فان المراد بالحسين - الواقع في السند - هو ابن سعيد الذي يروي عنه احمد بن محمد، كما ان المراد بالقاسم هو ابن محمد الجوهري فتصبح الرواية معتبرة، وقد فات صاحب الوسائل هنا روايتها بسند آخر قد تعرض له في باب بيع السرقة حيث يرويها هناك عن الحسين بن سعيد عن ابان، ومعه لا اشكال في السند بوجه. نعم الرواية السابقة المتضمنة لقصة صالح اقوى دلالة لاختصاص موردها بالشيعة وأما هذه فمطلقة تعم الشيعة وغيرهم فمن الجائز ان يراد الثاني خاصة كما لا يخفى هذا. وقد اختار صاحب الحدائق في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين المتعارضتين أن الساقط انما هو حصة الامام عليه السلام، اعني نصف الخمس، وأما النصف الآخر اعني حق السادة فلا بد من دفعه إليهم. وهذا كما ترى مجرد اقتراح من غير ان يعرف له أي وجه، بل ان مقتضى التعليل بطيب الولادة الوارد في بعض نصوص التحليل تعلق الحلية بتمام الخمس لعدم تحقق الطيب بدون ذلك كما لا يخفى. نعم قد خص التحليل في بعض النصوص بحصته عليه السلام كما في صحيح ابن مهزيار: " من أعوزه شئ من حقي فهو في حل " ولكنه خاص بالمحتاجين والمعوزين لا مطلق الشيعة الذي هو محل الكلام فهو اجازة لصنف خاص في صرف سهم الامام، وأجنبي عما نحن فيه من التحليل العام لمطلق الشيعة. نعم تضمنت رواية أبي حمزة تحليل ثلاثة أسهم: أي نصف الخمس لمطلق الشيعة لكنها لا تدل على الحصر وان التحليل يختص بذلك لينافي ما دل على التحليل في تمام الخمس، فمفادها ليس إلا تحليل هذه الاسهم، لا عدم تعلق التحليل ببقية السهام، فالدلالة قاصرة. مضافا إلى ان السند ضعيف أيضا بعلي بن العباس الذي ضعفه النجاشي صريحا، فلا يمكن التعويل عليها. والاقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس - اولا يخمس وان اعتقد كما ستعرف - وأما ما وجب على المكلف نفسه فلا موجب لسقوطه، ولم يتعلق به التحليل فتكون نصوص التحليل ناظرة إلى الاول، ونصوص العدم إلى الثاني. وتدلنا على هذا التفصيل. طائفة ثالثة من الاخبار تعد وجها للجمع بين الطائفتين المتقدمتين وشاهدا عليه، والعمدة منها روايتان. احداهما ما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال والارباح وتجارات نعلم ان حقك فيها ثابت وانا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله عليه السلام ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم . وهي وان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ من اجل محمد بن سنان ولكنها معتبرة بطريق الصدوق لخلوه عنه، وان اشتمل على الحكم بن مسكين فانه ثقة على الاظهر، وقد دلت على التحليل بالإضافة إلى الاموال التي تقع في الايدي، أي تنتقل من الغير بشراء ونحوه وأنه لا يجب على الآخذ ومن انتقل إليه اعطاء الخمس، وأنهم عليهم السلام حللوا ذلك لشيعتهم. ثانيتهما ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي سلمة سالم بن مكرم وهو أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحل الا لمن احللنا له... الخ وهي صريحة في المدعى اعني التحليل في المال المنتقل إليه بشراء ونحوه. كما انها صحيحة السند على الاظهر، فان سالم بن مكرم المكنى بابي خديجة تارة وبأبي سلمة اخرى كناه بها الصادق عليه السلام على ما رواه الكشي، ثقة جدا على ما نص عليه النجاشي بقوله: ثقة ثقة أي ليست فيه أية شبهة. ولكن الشيخ الطوسي قدس سره ضعفه بعد ان عنونه بقوله: (سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة ومكرم يكنى أبا سلمة) فجعل أبا سلمة كنية لأبيه لا لنفسه، بل صرح في الفهرست في آخر الترجمة بقوله: ".. عن سالم بن أبي سلمة وهو أبو خديجة ". ولكن هذا سهو منه جزما، فان سالم بن مكرم هو سالم أبو سلمة على ما صرح به النجاشي والبرقي وابن قولويه في غير مورد، وقد سمعت عن الكشي عن العياشي عن ابن فضال ان الصادق عليه السلام كناه بأبي سلمة بعد ان كان يكنى بأبي خديجة، فهو سالم أبو سلمة لا ابن أبي سلمة. والذي هو محكوم بالضعف هو سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني الذي وصفه النجاشي بقوله: " حديثه ليس بالنقي وان كان لا نعرف منه إلا خيرا له كتاب ". وهذا شخص آخر غير ابن مكرم، ولم يتعرض له الشيخ لا في الفهرست مع ان له كتابا، ولا في رجاله، فيعلم من ذلك ان الشيخ تخيل انهما شخص واحد وان سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة، وليس كذلك قطعا حسبما عرفت. والمتحصل من جميع ما ذكرناه لحد الان ان المستفاد من نصوص الباب بعد ضم البعض إلى البعض والجمع بينهما انما هو التفصيل بين الخمس الواجب على المكلف بنفسه ابتداء فلا تحليل، وبين ما انتقل إليه من الغير فلا خمس عليه وإنما هو في عاتق من انتقل عنه، فيتعلق ببدله ان كان له بدل وإلا ففي ذمته كما في الهبة. مستند العروة الوثقى كتاب الخمس تقرير بحث سيد الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي الجزء الاول صفحة 341 وما بعدها. علوي الموسوي البلاد ي الخميس، 20 مارس 2008 م

لماذا لا يولد صندوق مركزي للخمس؟

الخمس ضريبة مالية دينية أكثر من يدفعها ويتعامل معها هم الشيعة الامامية ولا ريب أن حجم الأموال تحصيلا وصرفا كبيرة جدا فتوجه لحركة مال الخمس إثارة مفادها لماذا لا يشكل صندوق مركزي للخمس يتم فيه إيداع جميع الأخماس لتتم عملية جمع الأموال بطريقة أفضل ولتنظم عملية الصرف والتوزيع بشكل عادل مع ما يحفظه الصندوق من رقابة ومحاسبة يحفظ بهما هذا المال العام من الضياع وسوء الإدارة المحتملين فكم سيرافق هذا التنظيم من الشفافية وعدالة توزيع بما يرجع نفعه وخيره على الجميع أليس هذا الأسلوب أجدى من الأسلوب الفردي وانفع من الطريقة الحالية القديمة فمتى يطال التجديد والحداثة أسلوب عملنا ومتى نتيقظ لأهمية العمل المؤسساتي؟.
لا نريد ان نستنكف عن سماع وجهات النظر ونستعلي على الآخرين ممن يختلفون معنا ولكن يمكن للكثيرين ان يسجلوا بعض الملاحظات على أطروحة الصندوق المركزي للخمس فبما ان الخمس من أهم أسباب الاستقلال الديني فتحويل الخمس لمؤسسة أهلية يواجه مخاطر عديدة لا سبيل لضمان انتفائها ويمكن ان نذكر ثلاثة مخاطر:-
الخطر الأول: ان يتم تأميم المؤسسة الأهلية وتحويلها لمؤسسة رسمية فتفقد المؤسسة الدينية استقلاليتها وربما انتقلت عدوى الفساد المالي والإداري إلى صندوق الخمس الذي تحول لدائرة رسمية وهذا التوجس ليس منطلقا من الفراغ فبالأمس القريب خسرنا مؤسسة دينية أهلية لا تقل خطورة عن الخمس وهي مؤسسة الأوقاف الجعفرية التي أسسها المرحوم العلامة السيد عدنان الموسوي رحمة الله تعالى عليه كمؤسسة أهلية تتمتع بالاستقلالية التامة لتتحول في نهاية المطاف لمؤسسة رسمية يجري عليها ما يجري على سائر الجهات والمؤسسات الحكومية.
والحديث عن الفساد وسوء الإدارة ليس خافيا على احد فهل يقبل عاقل بمثل هذه المخاطرة؟
الخطر الثاني:- ان تبقى المؤسسة بصفتها الأهلية دون تأميم أو مصادرة ولكن طالما أنها مؤسسة أهلية فتلزمها القوانين المنظمة للمؤسسات الخيرية كما هو الحال بالنسبة للصناديق الخيرية وحين ذلك ربما القانون الحالي أو المستقبلي يلزم بصرف المال في جهة تخالف معتقد دافعي الخمس أو ربما يمنع من إنفاقه على جهة تستحقها باعتقاد دافعي الخمس فالناتج أمر سلبي يفوق ما نجنيه من تحويل الخمس لمؤسسة أهلية.
الخطر الثالث: هذه المؤسسة الأهلية المتصورة سيدخل فيها أعداد غير قليلة للعمل فيها على أن يكون الإشراف عليها من قبل العلماء المؤهلين حتى يكون سير العمل موافقا للتعاليم الفقهية التي يؤمن بها دافعوا الخمس وما يدريك ربما صوت الأعضاء في يوم قريب أو بعيد بالإيجاب على نفي الإشراف العلمائي ليبدأ الانحراف في توجيه الأموال بخلاف ما تقره الفتاوى الفقهية فهناك أصوات تنادي بان لا يكون للهاشميين ميزة على غيرهم في توزيع الخمس وهناك وهناك فمن يضمن ان لا يحدث شيء من ذلك في ظل الصندوق المدعو له؟.

الجمعة، 14 مارس 2008

لماذا لا يستثمر الخمس في البورصة؟

لماذا لا يستثمر الخمس في البورصة؟

ليست أموال الخمس بالقليلة حتى لا يلتفت لها فهي تشكل ميزانية بحجم ميزانية وزارة في دولة نامية فلذا يطرح هذا السؤال لماذا لا تستثمر هذه الأموال في العقارات والبورصات وغيرها لتدر في النهاية على الفقراء والمشاريع الخيرية أليس ذلك أفضل من الإنفاق بلا عائد فلتستثمر تلك الأموال أو جزء منها وتنفق
عائداتها على مصارف الخمس المقررة.

هذا التساؤل وجيه ولكن تحقيق ذلك على ارض الواقع وتنفيذه يواجه معضلتين المعضلة الأولى فقهية فالحق الذي فرضه الله لأهله يجب تسليمه لمستحقه دون تأخير أو نقصان فضلا عن صرفه في جهة أخرى فإذا كان القران الكريم يوجه بإعطاء الفقير زكاة أو خمسا فهذا معناه بكل وضوح تسليمه بيده وليس بناء عمارة لتأجيرها تماما كتوجيه القران الكريم منح أموال الميت لورثته فهل يصح لأحد أن يستثمر تركة المتوفى ليعطي الإرباح لأولاده وورثته بعد منع أصل المال عنهم؟

والضرائب التي تأخذها بعض الحكومات لصالح العاطلين والفقراء لا يقبل منها استثمارها بل صرفها على المستحقين وهكذا تفعل.

المعضلة الثانية موضوعية تتمثل في المخاطرة بالمال إذ يواجه الاستثمار احتمال الخسارة الكلية أو الجزئية لرأس المال الذي لا ضمان يكفل عدم حدوث تلك الخسائر التي ربما تطال الإرباح المفترضة بل نفس المال المودع في الاستثمار.

مضافا إلى أن الاستثمار يحتاج لتسجيله في الأوراق الرسمية باسم شخص أو أشخاص أو تسجيله باسم مؤسسة عامة أهلية أو حكومية وفي حالة التسجيل الأولى قد يستولي الشخص المسجل باسمه على تلك الأموال محميا بالقانون وإذا كان الشخص موثوقا بما فيه الكفاية فما هو الضمان أن لا يستولي على المال ورثته في حال حدوث وفاته خصوصا أن الموت يأتي فجأة ودون سابق إنذار.

وفي حالة التسجيل الثاني فالأمر مفتقر إما لتسليم هذه الأموال لجهة رسمية ودائرة حكومية أو لتأسيس جمعية أهلية تكون وظيفتها تولي إدارة تلك الأموال إيداعا وصرفا واستثمارا ولا يظن بأحد الموافقة على تسليم الخمس لجهة رسمية عامة إذ هو مخالف للعقيدة الفقهية التي يؤمن بها دافعوا الخمس أنفسهم اما تسليمه لمؤسسة خيرية أهلية يمكن أن يزمع إنشائها ففي ذلك مخاطر جمة تحيط بعملية تحويل الخمس لمؤسسة أهلية نستعرض بعضها في المقال التالي.

الأربعاء، 12 مارس 2008

الخمس للداخل ام للخارج؟


من مصادر التمويل المهمة الخمس الذي يعتقد به المسلمون جميعا انطلاقا من قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {الأنفال/41})
والذي قصره فقهاء الجمهور على غنائم دار الحرب ووسعه فقهاء الامامية ليشمل كل فائدة وكسب يربحه الانسان بعد استثناء ما يصرفه الكاسب على نفسه ومتعلقاته بما يناسبه وفي حدود يختلف في تفاصيلها.
استطاع مصدر الخمس هذا من المحافظة على استقلالية المؤسسة الدينية على مدى قرون خلت كما كان ممولا للعديد من المشاريع الخيرية وسد حاجة شريحة واسعة من الفقراء فكم من صرح علمي كالمدارس وخدمي كالمستشفيات بنيت على أساس تمويل هذا المصدر الحيوي ولم تكن للسلطات الحاكمة يد للهيمنة على صفاء المدرسة الدينية المستقلة لاستقلال مصدرها المالي هذا ما تقوله الأوساط العلمائية مؤكدة وجوب استمرار الوضع على ما هو عليه دون مساس بثوابته.
ولكن هناك جملة من الاثارات على عملية حركة أموال الخمس لما لها من حجم كبير ولتأثيرها الواسع فكان طبيعيا ان تنال هذه الحركة المالية الدينية انتقادات ممن يعنيه الأمر وممن لا يعنيه.
فمن هذه الاثارات لماذا يتم إخراج قسم من مال الخمس لخارج البحرين أليس البلد وأهله أولى به من غيره؟ أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ لماذا لا يصرف على فقراء البلد ولماذا لا تبنى به المدارس وتشيد به المستوصفات المحلية؟
ولكن من حق الأوساط العلمائية ان تجيب على هذه الإثارة بما يلي:
تحديد مصرف الخمس أمر ديني بحت ويقول بشأنه الفقهاء انه تشييد الدين وحفظ استقلاليته كأهم مصرف رئيسي واستراتيجي وهذا المصرف لا يتحدد بمكان وإنما يتم إرساله للمعاهد والحاضرات العلمية الرئيسية التي تمول الدراسات وتخرج الكوادر من مختلف البلدان غير مفرقة بين أتباع جنسية وأخرى فكم مولت هذه الحاضرات المنتمين لها من مثل بلدنا كغيره على مدى فترات زمنية طويلة جدا فالإسلام لا يعرف الحدود الجغرافية السياسية بل كل أعمال المعروف والتبرعات الخيرية من شرق الأرض وغربها من مسلميها وغيرهم لا يقيدون أعمالهم الخيرية بحدود بلدانهم الجغرافية كما أن أي من القوانين الأرضية لا ترى حراجة في نقل الأموال بل على العكس من ذلك تشجع نقل الأموال للجهات الخيرية باستثنائها من الضرائب المفروضة محليا على أصحابها فهاهي المؤسسات الخيرية تملأ دعاياتها الآفاق للدعوة لبذل الأموال في سبيل إنقاذ الفقراء من براثن الفقر فهل نكون مبدعين حين نوجه قسما من أخماسنا لدعم حاضراتنا العلمية ومؤسساتنا الدينية المستقلة التي ترفدنا بالصفاء الديني؟ وللحديث تتمة.

الخميس، 6 مارس 2008

آخر اربعاء من صفر في الميزان

وصلتني رسالة عبر تلفوني النقال تدعوني لنشر مضمون غريب يزعم انه مروي عن اهل البيت (ع) فبحثت عن المضمون فلم اجده سوى في بعض المواقع والمنتديات الالكترونية والمضمون منسوب لكتاب يسمى مرقاة الجنان ولكن حسب النقل من هذا الكتاب لا ينسب المضمون لاي من العصومين عليهم السلام
وانما عبر بكلمة (روي) ولم يشر الى المروي عنه وقبل ان ادلي بتعليقي انقل لكم ما وجدته متداولا بكثرة في عدة مواقع ومنتديات وهو بلون أحمر:-
روي انه في كل سنة تنزل 320 الف بليلة كلها في يوم الاربعاء اخر شهر صفر ولدفع نحوسة هذا اليوم تقوم بالاعمال التاليه :
اولا : 1: الصدقه والاحسان حيث يستحب وضع قطع نقديه تحت رأس كل فرد ليلة الاربعاء .
2:الاستعاذه بالادعيه وقرائتهاوهي هذه الادعيه:
اللهم صلى على محمد وال محمد ؛؛ الهم اصرف عنا شر هذا اليومواعصمنا من شؤومته ؛واجعله الهم علينا بركه ؛واجنبنا عما نخافه من نحوسته وكراهيته ؛بفضلك ولطفك يادافع الشرور ؛ يامالك يوم النشور برحمتك ياارحم الرحمين
:: وروي انه من قرء هذا الدهاء في اخر اربعاء من صفر لم يمت في تللك السنه ؛ وناجى عزرائيل ربه فقال يارب ان فلانا انقضى اجله وعمره ولم تامرني بقبض روحه فقال جلاله : قلت حقا ؛ ولكن اطلت عمره بسبب قرائته هذا الدعاء الى شهر صفر المقبل وحفظته من جميع الافات والبليات:
وهو هذا الدعاء الشريف " بسم الله الرحمن الرحيم ياذا العرش العظيم والعطاء الكريم عليك اعتمادي ياللّه ياللّه ياللّه الصمد الرحمن الرحيم ؛ يافرد ياوتر ياحي ياقيوم؛ امنع عني شر كل ظالم وجبار ياقدوس يارحمن يارحيم "
:: ومن قرء من السور القرآنيه التاليه (سبع مرات) لسعة الرزق واغتنى قبل اكمال السنه ان شاء الله :
" الشرح " و" التين" و" النصر " و" التوحيد"
يستحب الاتيان بالصلاة التاليه:
:: ركعتين تقرء في الاولى بعد الحمد قل اللهم مالك الملك الى قوله تعالى " بغير حساب ( 26 ؛ 27 آل عمرن )
وفي الركعة الثانيه :بعد الحمد قل انما انا بشر مثلكم الى اخر الايه (110 سورة الكهف ) فإذا سلمت فقل :
اللهم اصرف عني بليته وشؤمه زترزقني رحمته وبركته وجنبني مما اخاف من نحوساته وكرباته يادافع النشور يامالك يوم النشور برحمتك ياارحم الرحمين "
:: صلاة اخرى وهي اربع ركعات بسلام واحد تقراء بعد الحمد الكوثر 17 مره ؛ والتوحيد 5 مرات والمعوذتين مره مره فإذا سلمت ادعو بهذا الدعاء وهو :
:: " اللهم ياشديد القوى ياشديد المحال ياعزيز ذلت لعزتك جميع خلقك فاكفني شر جميع خلقك يامحسن يامجمل يامتفضل يامتكرم ياكافي ياوافي ياحفيظ ؛ يامن بيده مقادير كل شيئ ؛ اليك الجاء وبك الود وعليك اتوكل فاحرسني بحراس حفظك وحل بيني وبين من نواأني ادرأ بك في نحره وأعوذ بك من شره فاكفني يارب بلا اله الا انت برحمتك يارحم الرحمين وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين"
المصدر " مرقاة الجنان (ص: 66 "67 ) للسيد حسن لواساني.
انتهى المقطع المتداول
والتعليق ضمن نقاط:-
1- الصدقة مستحبة في كل ايام السنة ولكن ارى هنا استسلاما للاشاعات والاباطيل التي ما انزل الله بها من سلطان شهر صفر شهر خير اجل فيه ذكرى مناسبات حزينة على اهل البيت ع وهذا ينطبق على غيره من الشهور ايضا.
الغريب هو تجميد العقول وتخديرها بقيل وقال وخرافات تدل على انحدار وتدني ثقافي رهيب.
2-  ورد في بعض الروايات ان الامام علي ع تزوج فاطمة الزهراء ع بشهر صفر قال العلامة المجلسي بالبحار:
قال في المنتقى في حوادث السنة الثانية من الهجرة : في هذه السنة تزوج علي بن أبي طالب عليه السلام فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله في صفر لليال بقين منه.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 19 - ص 192.
وقال الطبري:
وفى هذه السنة في صفر لليال بقين منه تزوج علي بن أبي طالب عليه السلام فاطمة رضي الله عنها.
تاريخ الطبري - الطبري - ج 2 - ص 124.
2- 
3- هذ القضية ليست مروية ولا منسوبة لاي من المعصومين عليهم السلام فهي وردت بصيغة (روي) ولكن بعد مراجعة المصدر لاحظت ان الكلمة هي (يوصى) وليس يروى فهو ليس برواية فقد حرفت وغيرت كلمة (يوصى) الى كلمة (يروى).
4- القضية فيها من المبالغات ما لا يخفى فاخر اربعاء من صفر كسائر الايام لماذا تنزل فيه كل هذه البلايا واللعنات؟
ولو كان ذلك صحيحا لشهدنا ارتفاع نسبة الحوادث والمصائب ولكن لا عين لذلك ولا اثر.
5- يستحب امتثال المستحبات التي ثبت استحبابها بدليل معتبر كما ان من فعل شيئا مرويا عن المعصومين عليهم السلام فله اجر وثواب لروايات (من بلغه ثواب على عمل) ولكن لا ثواب للاعمال التي لم يثبت استحبابها ولم ترو عن المعصومين عليهم السلام فلا يصح الاتيان بها برجاء المطلوبية حيث انها لم تنسب لاي من الائمة عليهم السلام.
وهكذا
اطلعت على كتاب مرقاة الجنان ولا حظ ان الكلمة هي ( يوصى) وليس (يروى) مما يؤكد على ان المضمون ليس مرويا عن اهل البيت عليهم السلام ولكن لم تسنح لي الفرصة بمقارنة المكتوب والكتاب ليس بيدي حاليا.

الاثنين، 3 مارس 2008

(اشراقة الخلق)

اشراقات دينية للدفاع عن القرآن الكريم
(اشراقة الخلق)
الشبهة: أحجية الخلق: لا يوجد مسلم على وجه الأرض فيما أعلم إلا ويؤمن بقصة خلق الإنسان من طين وأمر الله لإبليس بالسجود ورفض إبليس ذلك وتلك القصة المشهورة.. والقصة كما يعرفها الجميع تدل على أن الله خلق آدم أولاً ثم أمر الملائكة بالسجود له ثم حدث ما حدث من إغواء في الجنة ونزول إلى الأرض ثم ظهور النسل البشري إلى آخر القصة التي وردت تقريباً في تراث كل الأمم بصيغ مختلفة ومنسوبة إلى آلهة مختلفة.. و"ثم" كما يقول أهل اللغة تفيد الترتيب مع التراخي ... ولكننا نجد القرآن في آية أخرى يقول (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم – الأعراف) فهل خلق الله آدم ثم أمر الملائكة بالسجود له ثم جاءت ذرية آدم؟ أم أنه خلق آدم وذريته ثم أمر الملائكة بالسجود كما في آية سورة الأعراف؟
الجواب
إذا كان أمر الله للملائكة بالسجود لآدم بعد خلق البشرية جمعاء فهذا معناه أن أمر السجود لم يتحقق بعد لذلك استنتاج عدم قصد هذا المعنى من الآية لا يحتاج لتفكير أو تأمل وعلى هذا الأساس يمكن أن يكون المقصود من ضمير الجمع خصوص آدم عليه السلام (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (لأعراف:11)
أي (خلقناك ثم صورناك) لا ادري هل يعتبر صاحب الشبهة نفسه ذكيا استطاع أن يكتشف تناقضا في القرآن الكريم يثبت بشريته وبطلان دعوى النبوة إذا كان هذا النمط من الاكتشاف العجيب صحيحا فلازمه اتضاح بطلان الدعوة المحمدية (ص) لدى كل الأجيال السابقة لا أن يكون الدين الإسلامي من أعظم الأديان.
لا يحتاج اكتشاف مثل هذا التناقض المزعوم لعبقرية متفتقة في القرن الحادي والعشرين الميلادي فلماذا خفي على الأمم السالفة؟
القصة لا تتعدى التذاكي بالجمود على ظاهر النص ثم محاولة زعم التناقض وغاب عن هذا المنهج فنون اللغة العربية وأساليبها المتنوعة في الأداء البلاغي علاوة على ضرورة ملاحظة عدم تفسير الكلام بمعنى واضح البطلان فوضوح بطلان معنى معين قرينة جلية على أنه غير مقصود وان كان هذا المعنى ظاهر اللفظ في نفسه فقولك (بنا الأسد قصرا) واضح في أن الحيوان المفترس ليس هو المقصود بكلمة الأسد.

(اشراقة الاطمئنان)

اشراقات دينية للدفاع عن القرآن الكريم (اشراقة الاطمئنان)
الشبهة أحجية الاطمئنان: يقول القرآن في وصف المؤمنين (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب - الرعد) وهذا وصف جميل وكثيراً ما يحتج به المؤمنون، بل ويجد بعضهم أن القرآن يجلب الطمأنينة فعلاً، ومن نافلة القول أن المسيحي يجد نفس الطمأنينة في كتابه "البشري المحرف"، كما يجدها اليهودي في التوراة، فالانسان حبيس أوهامه، ويستطيع أن يطوع عقله ليقبل ما يريد أن يقبله.. وكل يطلب الراحة فيما يراه محقاً كان أم واهماً .. وإذا طلب المرء الطمأنينة في شيء قرآناً كان أم شعراً وتحقق له ذلك فقد أدى ذلك الشيء غرضه، ولكن القرآن يصر على إرباك ذوي العقول السوية إذ نجده يقول في آية أخرى في سورة الأنفال (انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وَجلت قلوبهم)!! فنحن هنا أمام معضلة.. فالفعل هو ذات الفعل وهو ذكر الله، والفاعل هو نفس الفاعل وهو المؤمن، ولكن الله يقرر في الآية الأولى أن ذكر الله يطمئن القلوب ثم ذكر في الثانية أنه يصيب القلوب بالوجل وهو الخوف والاضطراب.. فهلا أفتانا العلماء في هذه المعضلة؟ هل تطمئن القلوب بذكر الله أم توجل؟ لاشك أن نصوصاً كهذه هي التي جعلت من ممارسة التفكير المزدوج (Double Think) ممارسة شائعة عند الفقهاء لتفسير هذه التناقضات.. هذه الممارسة انتقلت بالفقهاء الى مرتبة الحواة.. فكلما تفتق ذهن الفقيه عن حيلة لتبرير تناقض ما كلما زاد الثناء عليه ونعتوه بأنه ممن فتح الله عليهم بالفهم، وتشوف التلاميذ لتقليده.. وها نحن في القرن الواحد والعشرين نجني ثمار التفسير والتبرير وإزدواج المعايير وقلب المفاهيم وخلط الأوراق وتشويه الحقائق والتحليق في فضاءات الوهم والتمسك بأحلام التفوق وتصور القدرة على قيادة البشرية بل ووجوب ذلك، وخوف الأخذ من ثقافة الآخر والانغلاق على ثقافة بشرية لها ما لها وعليها ما عليها بحسبانها هدي خير القرون الذي لن يصلح آخر هذه الأمة إلا به، ومحاربة مشروعات الحداثة والتطوير.
الجواب:
إذا التفت العبد إلى سعة رحمة الله وعفوه وغناه عن معاقبة عباده وإذا ذكر وعد ربه بالجنان والنعيم الدائم سكنت نفسه وزاره الاطمئنان وبلغت نفسه أقصى درجات السكينة والاطمئنان.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28)
وإذا التفت العبد إلى الوعيد بالنار وما أعده الله سبحانه للعاصين من العذاب المقيم وألوان العقوبات الشديدة وجل قلبه ونزل عليه الخوف والوجل.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (لأنفال:2)
ووجه آخر ان الإنسان يطمئن بذكر الله في قبال مخاطر الدنيا وجبابرة الأرض فلا تهزه قوة الدنيا مقابل طاعته لله وتوكله عليه سبحانه فهو مطمئن بنصر الله وفوزه نهاية المطاف وفي مقابل رب العزة والجلال تنتابه الخشية والرعدة ويسيطر عليه الخوف منه سبحانه وبذلك يستقيم على طاعته فهو من جهة مطمئن قبال أعداء الله وخائف وجل قبال الله تبارك وتعالى ولو لا ذلك لما استقام اغلب العباد فها نحن شاهد وزير الملك يخاف من مخالفته ويعيش الاطمئنان قبال أعدائه فليست المعادلة ذات تعقيد ولا تحتاج لذكاء خاص لفهمها فالناس تعيش نفس هذه الثنائية بصور مختلفة وتمارسها فهي حاضرة في وعيهم.
صدق الشاعر حيث يقول في وصف الإمام علي (ع):
هو البكاء في المحراب ليلا هو الضحاك إذا اشتد الحراب

(اشراقة علاقة الشمس بالليل والنهار)

اشراقات دينية للدفاع عن القران الكريم
(اشراقة علاقة الشمس بالليل والنهار)
الشبهة الليل و النهار : ورد في سورة الشمس :وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا -وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا -وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا - وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا أتساءل :هل حقاً النهار يُجلّي قرص الشمس ويُظهره أم أن الشمس هي السبب في ظهور النهار ؟و هل الليل هو الذي يغشى قرص الشمس و يخفيه ؟يبدو لي أنهم لم يكونوا يربطون أن النهار و الليل ناتجين عن ظهور الشمس و اختفائها ، بل بصورة مقلوبة ، و هي أن النهار هو الذي يُظهر الشمس و أن الليل هو الذي يخفيها . صورة غريبة .
الجواب
والجواب من وجهين:-
الوجه الأول: أن الضمير في (جَلَّاهَا) وفي (يَغْشَاهَا) راجع للأرض برغم عدم ذكر لفظها في الآية الكريمة لكن تعيينها بفضل القرينة فالنهار يجلي الأرض بمعنى ضوء الشمس نعمة إلهية كبرى منحها للبشرية وسائر الكائنات الحية, بينما الليل يغشى الأرض لتحل السكينة والهدوء بعد نهاية يوم مليء بالنشاط الإنساني والعمل الدءوب الذي يؤدي للتعب وبالتالي يحتاج الإنسان والحيوان لغشيان الليل فهي نعمة عظيمة أخرى تستحق الشكر فالسياق للحث على الطاعة ومدحها والزجر عن المعصية وذمها ولما كانت هذه الجهة هي المقصودة لا غرض للآيات القرانية في بيان حقيقة الليل والنهار فذلك متروك لملاحظة الإنسان وإدراكه.
الوجه الثاني: على تقدير أن الضمير في (جَلَّاهَا) وفي (يَغْشَاهَا) يعود للشمس فلا يعدو التعبير أسلوب المجاز لوضوح أن النهار ليس إلا عبارة عن ضوء الشمس ونورها وان الليل ليس سوى خفاء النور وانعدامه فوضوح هذه الحقيقة قرينة على الاستعمال المجازي فليست هذه الحقيقة بحاجة لأي ثورة علمية بل تدرك بالوضوح والبداهة حتى عند الإنسان البدائي فضلا عن مجتمع مثقف تحتل أساليب التعبير البلاغية عنده أهمية كبرى فينزل على هذا المجتمع كتاب سماوي يخاطبهم بلغة بلاغية عالية تتحدى مهاراتهم وتفوقهم علاوة على وصول كتب الفلك وترجمتها بعد فترة ليست بالبعيدة من وفاة رسول الله (ص) فلو كان الأمر كما جاء في الشبهة لكان طريقا سهلا للطعن في القرآن من قبل غير المؤمنين بهذا الدين ولو حصل ذلك لتم تناقله على نطاق واسع فهذه الشبهة لا تعدو كونها محاولة يائسة لاستغفال العقول والاستهزاء بوعي القارئ.

(اشراقة النطق)

اشراقات دينية للدفاع عن القران الكريم (اشراقة النطق)
الشبهة: أحجية النطق: ويقول كذلك (يوم نختم على أفواههم) .. ويقول أيضاً (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) .. ويقول (ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون) مما يدل على أن الكفار يوم القيامة ممنوعون من الكلام حتى للدفاع عن أنفسهم.. ولكنا نجد في آية أخرى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ - فصلت)، كما يقول أيضاً عن الكفار (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ - الأنعام) وفي آية لاحقة (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ - الأنعام).. فها نحن نرى آياتٍ صريحة في منع الكفار من النطق يوم القيامة وآيات أخرى صريحة في أنهم ينطقون فهل نصدق الآيات الأولى أم الثانية؟ والأمثلة الثلاثة السابقة تطرح سؤالاً بسيطاً: ان الله بعلمه للغيب يتحدث عن مشهد يوم القيامة كأنما يتحدث عن ماض، فهو في علم الله متحقق ومتيقن الحدوث، ولكن وصف الله لهذا المشهد غير متسق، فما الذي يدعو الله للتضارب في وصف هذا المشهد؟ هل لأنه لم يستقر على رأي فيما سيفعل يوم القيامة؟ وهل يصح ذلك في حق الله؟التفسير البسيط لهذه التناقضات هو أنها وصف بشري لمشهد متخيل، يتأثر هذا الوصف بما يعتمل في نفس هذا الشخص من مشاعر وانفعالات لحظة الكتابة والتأليف، لأنه لا يعقل أن يتضارب وصف الله لنفس المشهد.
الجواب:
حين يصطف الناس يوم المحشر للحساب يصيبهم ذهول عظيم كردة فعل طبيعية لمواجهة موقف عصيب كما أسلفنا كما أن ثبوت الجريمة لا يحتاج لفتح تحقيق ومسائلة ومن هنا لا مجال للكلام والحديث من اجل تمحيص صحة التهمة أو بطلانها أي أن إثبات الجريمة لا يفتقر لسماع المجرم لوضوح ذلك عند الله فالأيدي والأرجل تشهد على الفعلة )الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يّـس:65)
فليس لهم نطق يبرئ ساحتهم مما ارتكبوه بمعنى أن العقوبة واقعة لا محالة ما لم يعفو الله سبحانه لذلك (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) (النمل:85) (هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (المرسلات:35) (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (المرسلات:36)
فإذا كان للإنسان في الدنيا أن يدلس الحقائق ويخفي جريمته أمام المحكمة الدنيوية لتظهر براءة ذمته وإذا أتيح له أن يناور ويجادل ليقنع القاضي بنفي التهمة فان هذا التملص وهذه المراوغة غير متاحة في يوم الحساب العسير.
فليس المقصود تعطيل الألسن عن الكلام بشكل نهائي بل هناك مجال واسع للحديث بل وتقديم الاحتجاج في مرحلة ما, ليس من اجل التحقيق ومعرفة الحق من الباطل بل لان (لله الحجة البالغة) ولتبيان عدالة المحكمة ويأتي في هذا الإطار قوله تعالى: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {النحل/111})
ويفتح للمجرمين المجال للتعبير عن أسفهم وعظم ندامتهم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ {فصلت/29})
(وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {الأنعام/27})
(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا {الكهف/49})
والنطق ليس مفتوحا ولا مسموحا به إلا بإذن الله سبحانه وفي هذا زيادة هيبة وخشية من ذلك الموقف الرهيب فلا كلام لإثبات البراءة ولكن يسمح في مواطن للكلام للتعبير عن الندامة كما تقدم (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ {هود/103} وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ {هود/104} يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ {هود/105})
والملائكة أيضا لا يتكلمون بدون إذن (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا {النبأ/38})
وربما سمح بالنطق للمجرمين لمجرد إعطاء فرصة للكلام مما يفضح سوء سريرة المجرم وممارسته للكذب حتى في مثل يوم المحكمة العادلة (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ {الأنعام/22} ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ {الأنعام/23} انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {الأنعام/24})
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ {المجادلة/18})

(اشراقة الثبات والتبديل)

اشراقات دينية للدفاع عن القران الكريم
(اشراقة الثبات والتبديل)
الشبهة: أحجية التبديل: يقول القرآن (لا مبدل لكلمات الله) ويقول أيضاً (لا مبدل لكلماته – الأنعام والكهف) والآية تعني أحد أمرين: 1- إما أن الله لا يبدل كلامه وهذا شيء مفهوم بل وواجب في حق الإله، فكيف يليق بإله أن يبدل كلامه وهو كلي العلم وأزلي الوجود وعالم بالغيب، وحافظ لكلامه في اللوح المحفوظ؟ 2- وإما أن الله لا يسمح لبشر بأن يبدل كلامه وهذا أيضاً مفهوم فأنى لبشر ضعيف فانٍ أن يقدر على تبديل كلام الإله الأزلي؟ وكيف يسمح له الإله بتبديله؟ ولكن تواجهنا معضلتان. الأولى: ان الله نفسه يبدل كلماته التي أكد أن لا مبدل لها فيقول (وإذا بدلنا آيةً مكان آيةٍ والله أعلم بما يبدل قالوا إنما أنت مفتر - النحل).. فهذه الآية تقول أن الله يبدل الآيات بآيات أخرى، ويقر بأن الكفار والمشركين استنكروا أن يتراجع إله في كلامه ويبدله فاتهموا محمداً بالإفتراء، وكعادة القرآن في "الرد على الشبهات" لم يقدم أي تفسير مقنع لهذه الأحجية ومضى يكرر نفس القصة من أن القرآن نزله روح القدس بالحق إلى آخره.. كما يقول القرآن أيضاً (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أومثلها - البقرة) !! ونترك لكل من يملك ذرة عقل فما دونها أن يفهم ما الذي يضطر إلهاً إلى أن ينسخ بعض الآيات ليأتي بخير منها أو مثلها.. فإذا كانت الآية الناسخة خيراً من المنسوخة فلم لم يأتِ بها أولاً؟ وهل ثبت له بعد تجربة الآية المنسوخة أنها ليست صالحة؟ هل يستخدمنا الإله حقلاً لتجاربه؟ وإذا كان نسخ آية والإتيان بخير منها أمراً يطعن في حكمة الإله، ولكنه يظل مفهوماً في إطار التجربة والخطأ الإلهيين (Trial and Error)، ولكن ما الحكمة في نسخ آية والإتيان بآية "مثلها"؟ أليس هذا نوعاً من العبث؟ وإذا كانت الآيتان متماثلتين فلم لم يبق الآية الأولى؟ وفي خضم إتيان الإله بآية أفضل وآيات متشابهة سقط التفسير الأول بأن الله لا يبدل لكلماته..
المعضلة الثانية هي أن البشر يبدلون كلام الله بكل بساطة، بل أن البشر –حسب العقيدة الاسلامية- أفلحوا في تبديل جميع كلمات الله المتتالية بدون استثناء كالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وما لم نعلم من كتب وصحائف، ولم يسلم من ذلك إلا القرآن.. فكيف للبشر أن يفعلوا ذلك وقد تعهد الله منذ الأزل بأن لا مبدل لكلماته؟
نجد في ثلاجة الأجوبة المعلبة إجابة جاهزة يستخدمها المسلمون فيقولون ان الله لم يتعهد بحفظ كتبه الاولى ولكنه تعهد بحفظ القرآن، وسؤالي هو: هل يوجد إله يعجز عن حفظ رسالاته الى البشر من العبث؟ ثم وفي نهاية المطاف يقول لنفسه "سأكون منتبهاً تماماً هذه المرة وسأنزل رسالة لا يستطيع أحد أن يبدلها؟" .. هل يؤمن بإله كهذا شخص يحترم عقله؟ إله تستطيع مخلوقاته أن تعبث بكلماته وتبدلها؟ إله ينزل آيات يزعم انها في اللوح المحفوظ ثم يكتشف بعد قليل انها لم تعد صالحة فيبدلها زاعماً انه سيأتي بأحسن منها أو مثلها؟
ألم يخطر على بال الإله في أول مرة تم فيها تبديل كلماته، ولتكن التوراة مثلاً، أن يحاول حفظها في المرة التالية، ولتكن الإنجيل مثلاً؟ لماذا يكرر الإله أخطائه مرة بعد أخرى؟ هل فطن بعد ستمائة سنة من تعليق آخر نبي (أو ابن) أرسله إلى الأرض على الصليب بين عاهرة ولص، فطن الى أن شيئاً ما لا بد أن يفعل إزاء هذا العبث البشري المتكرر بكلماته فأرسل رسالة خاتمة وتعهد بحفظها؟ وحتى في هذه الرسالة لم يتعلم من أخطائه فقد زعم التعهد بحفظها ولكنه كان أول من غير وبدل فيها، فيكاد يجمع علماء المسلمين ان آية السيف (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - التوبة) نسخت مائة وأربع وعشرين آية!! ولعاقل أن يسأل: إذا اضطر الله نفسه أن يغير آياته مرات عديدة في ربع قرن فكيف يزعم هؤلاء أن القرآن صالح لكل زمان ومكان وهو لم يصلح لقرية بدوية صغيرة لمدة ربع قرن دون تبديل؟ وإذا قامت دولة بتبديل دستورها مرة في كل عشر سنوات لقلنا ان من خط هذا الدستور لا يفقه في القانون شيئاً، فعلى الرغم من أن الدساتير لا يطلب منها الخلود ولكن استقرارها لفترة زمنية يكسبها الاحترام.
وإذا كان تراجع الإله عن بعض ما قاله مفهوماً فكيف نفسر أن ينسخ الرسول كلام الله؟ كمثال على ذلك نورد حد رجم الزاني والذي ينص القرآن على أنه الجلد بينما يصر الرسول والعلماء على انه الرجم للزاني المحصن، وكأن الله حينما أنزل النص الأول لم يكن يعلم أن الزناة لا بد وأن يكونوا إما محصنين أو غير محصنين، ثم استدرك الرسول على الله بأن أضاف عقوبة مشددة لمن كان محصناً..
ولمواجهة هذا التضارب المحرج ظهرت أحاديث صحيحة تقول أن الله أنزل آية في الرجم ولكنها اختفت من المصحف، وفي تفسير ذلك يقول بعض العلماء الظرفاء أن هذه الآية نسخ لفظها وبقي حكمها، وروى الطبراني وابن ماجة والدارقطني وابن يعلى أن هذه الآيات كانت مكتوبة وموضوعة تحت سرير عائشة فلما مات الرسول وانشغلوا بدفنه دخل الداجن وأكلها!!
والتفسير الأول يفتح الباب للبشر أن يبدلوا كلام الله فلا نختلف عن اليهود والنصارى في شيء، أما التفسير الثاني فيفتح الباب للقول بأن "الدواب" تبدل كلام الله .. ويجد مسلم اليوم نفسه مضطراً للإيمان بأن الله أنزل آيات ثم نسخ لفظها وأراد لحكمها أن يبقى!! وأن الداجن له سلطان على كلام الله الذي تعهد بحفظه!
ولا يزال أنصار الدولة الدينية يرفعون شعار تطبيق الشريعة حتى يومنا هذا بحسبانها المحجة البيضاء ليلها كنهارها، هذه الشريعة التي لم يفهمها أقرب الصحابة إلى الرسول فتقاتلوا بينهم قتالاً شديداً أفنى فيه مبشرون بالجنة مبشرون آخرون، وها هم ينتظرون يوم القيامة عسى أن يصدق الله وعده في قوله (ونزعنا ما في صدورهم من غل)، هذا إذا لم يغير رأيه وينسخ هذه الآية أيضاً. وإذا كانت هذه المحجة البيضاء لم تكن واضحة لصحابة الرسول في أهم الأمور وهو انتقال السلطة حتى اضطروا إلى قتل بعضهم البعض ولما يمض على وفاة الرسول ثلاثة عقود، ففيم وضوح هذه الشريعة؟ وما الذي يدعوهم إلى الإعتقاد بأن الشريعة ستكون أوضح لنا بعد أربعة عشر قرناً مما كانت للصحابة وهم من تربوا على يدي الرسول وعاصروا "الوحي"؟

الجواب:-
لنبدء من حيث انتهت الشبهة اعني الشق الثاني منها
تصريح القرآن الكريم بتحريف الكتب السابقة مع تعهده بحفظ كلام الله وانه لا مبدل لكلماته يستنتج منه بوضوح أن المقصود خصوص القرآن الكريم فمن هذه الجهة لا تناقض ولا تنافي اما لماذا لم يتعهد الله سبحانه بحفظ الكتب السماوية السابقة؟
فلان تلك الشرائع الإلهية كانت محكومة بحقبة زمانية حيث لم تتعلق الإرادة الإلهية باستمرارها ودوامها فترك العوامل الطبيعية تأخذ مجراها في التبديل والتحريف من قبل البشر يفتح المجال واسعا لتقديم شريعة جديدة تناسب المرحلة وهكذا لان الشرائع السابقة لم يرد لها الاستمرار للنهاية لم تتدخل اليد الإلهية للحفظ حتى يتاح تقديم الشريعة التالية ويكون التحريف البشري للشريعة السابقة احد مبررات الشريعة القادمة عندما يحين استحقاقها أو قل أن التبديل من قبل الناس يكون احد عوامل نجاح الرسالة التالية والدعوة الجديدة فهذه حكمة الله تبارك وتعالى.
ولنعد للشق الأول من الشبهة متيمنين بالآيات الشريفة:-
(لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (يونس:64)
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ) (الأنعام:34)
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام:115)
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الكهف:27)
مفاد هذه الآيات الكريمة ثبات كلمات الله وعدم تغيير أحكامه ولكن كأطروحة يمكننا القول بان ثبات الأحكام وعدم تغيرها راجع لموضوعها وزمانها المقيدة به فهي لا تتغير مع لحاظ تلك الملابسات ولكنها تتغير وتتبدل بلحاظ تغير القيود المنوطة به أو بلحاظ تغير الموضوع وتبدله وهذا جمع لطيف بين هذه الآيات من جهة وبين قوله تعالى: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (النحل:101)
وقوله تعالى: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:106)
فقضية نسخ حكم ليحل محله حكم آخر مثله في القيمة إنما هو بلحاظ درجة الفائدة المتوخاة منه فالحكم الأول تتوخى منه الفائدة التامة في ظرفه والحكم الآخر أيضا تتوخى منه نفس الفائدة في الظرف الجديد وربما كان الحكم الأخير ينتج فائدة اكبر لتغير الموضوع وتبدل الظروف والمناسبات, وبهذا تكون تشريعات الإسلام متوائمة مع المتغيرات غير جامدة وتنحل الشبهة ببساطة.
فكلمة الله تعني –ولو كأحد المصاديق- حكمه سبحانه المحدود بظرف الموضوع والزمان وجملة الملابسات المحيطة به فحكمه تبارك وتعالى لا يمكن ان يطرأ عليه أي تغيير طالما حفظت ملابساته من الموضوع والزمان والمصلحة ونحو ذلك.
ولكن عدم التبديل هذا لا يعني ثبات الحكم في حالات تبدل الموضوع وتغير الظروف والملابسات والزمان الدخيل في ذلك فتغير الشريعة من داخلها هو احد أسباب قوتها واحد أسرار عظمتها لتكيفها مع المتغيرات.
ولتتضح الفكرة أكثر استميحك عزيزي القارئ بسرد مجموعة من الأمثلة كالتالي:
المثال الأول: حرمت الشريعة الغراء شرب الخمر طالما الموضوع ثابتا وهو نفس الخمر وطالما لم يرتفع الاختيار ففي حال تبدل الخمر إلى الخل يحل شربه لتغير الموضوع وفي حال الاضطرار ترتفع الحرمة لانتفاء شرطها فيصبح الحرام حلالا ومع ذلك حكم الله واحد لم يتبدل أي ان الثبات دائم مادمت الشروط متوفرة ومادام الموضوع ثابتا حاضرا ومع ذلك يحصل التغير والتبدل بتغير وتبدل الشروط أو الموضوع.
المثال الثاني: يرى جمهور الفقهاء بأن منع الإنسان غيره من فضل ما يملكه من ماء وكلاء ليس من المحرمات الأصيلة في الشريعة، كمنع الزوجة نفقتها وشرب الخمر. . ولكن جاء في النصوص: أن النبي نهى عن منع فضل الماء والكلأ. فعن الإمام الصادق أنه قال: ( قضى رسول الله بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع فضل ماء وكلاء ). وهذا النهي يظهر منه انه نهي تحريم أولي كما يقتضيه لفظ النهي عرفا ولكنه صدر من النبي (ص)، بلحاظ الحالة الثانوية حسب مقتضيات الظروف لأن مجتمع المدينة كان بحاجة شديدة إلى إنماء الثروة الزراعية والحيوانية ، فألزمت الدولة الأفراد ببذل ما يفضل من مائهم وكلأهم للآخرين ، تشجيعا للثروات الزراعية والحيوانية . وهكذا نرى أن بذل فضل الماء والكلاء فعل مباح بطبيعته وقد ألزمت به الدولة إلزاما تكليفيا, تحقيقا لمصلحة واجبة فقد تغير الحكم الشرعي تبعا لطرو ظرف خاص وهكذا يتجدد الحكم بتجدد الموضوع ولا يتجدد الحكم مع ثبات الموضوع والظروف والملابسات.
المثال الثالث: بيع الثمرة قبل بدو صلاحها عملية مباحة بطبيعتها وقد أباحتها الشريعة الإسلامية بصورة عامة ولكن النبي نهى عن هذا البيع بلحاظ العنوان الثانوي دفعا لما يسفر عنه من مفاسد وتناقضات فقد ورد عن النبي ( ص ) النهي عن بيع الثمرة قبل نضجها. ففي الحديث عن الصادق ( ع ): أنه سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض، فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها ؟ فقال:( قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله ( ص )، فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة، نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة، ولم يحرمه، ولكنه فعل ذلك من أجل خصومتهم ). وفي حديث آخر : (أن رسول الله أحل ذلك فاختلفوا). فقال : لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها.
المثال الرابع: اتفق الفقهاء على عدم حرمة كراء الأرض في الشريعة بصورة عامة طبقا لنصوص كثيرة، ومع ذلك نقل الترمذي عن رافع بن خديج أنه قال : نهانا رسول الله ( ص ) عن أمر كان لنا نافعا ، إذا كانت لأحدنا أرض أن يعطيها ببعض خراجها أو بدراهم ، وقال: إذا كانت لأحدكم أرض فليمنحها أخاه أو ليزرعها..)
فهذا المنع من النبي (ص) إذا صح فهو من اجل مراعاة مقتضيات الموقف فليس حكما أوليا بل هو حكم ثانوي ناظر للظرف الخاص الذي يتطلب هذا التغيير وبعبارة أخرى من صلاحيات الدولة أن تتدخل في مثل ذلك وهذا يعبر عن جانب المرونة في الشريعة الإسلامية فقصة ثبات الحكم إنما هي مع ثبات الموضوع الملابسات التي يتقيد بها الحكم الشرعي ولكن في الوقت نفسه نجد الحكم يتغير ويتكيف مع مقتضيات التجديد والتغيير التي تطرأ على الموضوع أو تمس الشروط التي يناط بها الحكم الشرعي.
المثال الخامس: كحكم أولي يباح للمالك البيع بأي سعر أحب، ولا تمنع الشريعة منعا عاما عن بيع المالك للسلعة بسعر مجحف. وهذا واضح من الناحية الفقهية ومع ذلك نجد في عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر أوامر مؤكدة بتحديد الأسعار، وفقا لمقتضيات العدالة . قد تحدث الإمام إلى واليه عن التجار، وأوصاه بهم، ثم عقب ذلك قائلا: ( واعلم - مع ذلك - أن في كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما في البياعات. وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة. فامنع من الاحتكار فان رسول الله ( ص ) منع منه . وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل، وأسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع ). فأمر الإمام بتحديد السعر ، ومنع التجار عن البيع بثمن أكبر . . فقد صدر منه باعتباره حكما ثانويا جاء وفقا لمقتضيات العدالة الاجتماعية التي يتبناها الإسلام.
المثال السادس: قال الشهيد الصدر (رحمه الله) حسب تقرير سيدنا الأستاذ مد ظله:
السيرة العقلائية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول - السيرة العقلائيّة التي تنقح موضوع الحكم الشرعي و لا تشرع الحكم و انَّما يثبت الحكم بمقتضى إطلاق دليله من كتاب أو سنّة أو غيرها.
و تنقيح موضوع الحكم الشرعي بالسيرة العقلائية يكون بأحد نحوين:
1 - أن تكون السيرة العقلائيّة بنفسها منقحة ثبوتاً لفرد حقيقي من الموضوع كما إِذا لاحظنا دليل وجوب إمساك الزوجة بمعروف أو تسريحها بإحسان، الّذي دلّ على وجوب النفقة تحت عنوان الإمساك بمعروف فانَّ المعروف من العرف و هو الشائع و المستساغ. فإذا اقتضت السيرة و التعارف على أن تكون نفقة الزوجة في هذا الوقت مثلاً بنحو أتمّ و أكمل ممّا كان معروفاً بالنسبة لها في غابر السنين بحيث خرج ذلك الحدّ عن كونه معروفاً و مستساغاً نتيجة الاختلاف في الظروف الفكريّة أو الاقتصاديّة أو الاجتماعية فسوف يتوسّع صدق عنوان النفقة بمعروف عمّا كان عليه سابقاً فتجب هذه المرتبة منها و لا تكفي المراتب التي كانت كافية فيما سبق، و هذا بحسب الحقيقة من تدخل السيرة في تكوين موضوع الحكم الشرعي ثبوتاً توسعة أو تضييقاً.(
[1])
فتغير الحكم الشريعي تابع لتغير الموضوع وتغير الموضوع في هذا المثال خاضع للتغيرات الاقتصادية والثقاقية العامة لدى المجتمع فبالنتيجة استطاعت الشريعة مواكبة التغيرات والتكيف مع المستجدات.
فهذه جملة من الأمثلة تقرب الصورة وبصورة أكثر دقة يمكن القول
ان لله سبحانه في كل واقعة حكما لا يتبدل ولا يتغير بتغير آراء الفقهاء والمجتهدين كما يعتقد المخطئة (الإمامية والمعتزلة) في مقابل الاشاعرة, وبالتالي بعض الفتاوى توافق الواقع وأخرى تخالفه, ولكن هذا لا يعني جمودا في طبيعة الحكم الشرعي, وإنما طابع الحكم الشرعي ينسجم مع طبيعة الدائرة التي يتحرك فيها فالحكم تارة يتحرك في دائرة ثابتة لا تتغير جوهريا كالطابع العام لدائرة علاقة الفرد بالفرد أو الجماعة وأخرى يتحرك في دائرة متحركة يحكمها التطور والتبدل كالطابع العام لدائرة علاقة الفرد بالطبيعة ووسائل الإنتاج والإسلام حينما وضع تشريعاته التفت إلى هذا الفارق بين الدائرتين فوضع للدائرة الأولى تشريعات ثابتة انسجاما مع ثبات الموضوع ووضع في المقابل تشريعات متحركة في الدائرة الثانية تبعا لتحرك الموضوع وترك هذا التحرك ضمن قواعد وقوانين لا يتقنها ويستطيع الاستنباط منها إلا ذو حظ عظيم من العلم والاختصاص الفقهي العالي.
وهذا الطرح يجيب على السؤال عن صلاحية تشريعات الإسلام لكل زمان ومكان باعتبارها الأفضل والأصلح لبني الإنسان فما قد يثار من انتهاء صلاحية تشريعات الإسلام لعدم إمكانية إعطاء حكم ثابت لطبيعة متغيرة, الأمر الذي يستدعي البحث عن البديل العلماني الذي يتوافق مع المتغيرات المستمرة ولمزيد شرح للفكرة استمع ما يتلى عليك هنا:
عناصر مرونة الإسلام
عنصر منطقة الفراغ:-
هل أحكام الإسلام وحلوله عامة ممتدة عبر الزمان والمكان باعتبار صلاحيتها بل اصلحيتها أم انها محدودة بحقبة تاريخية وظروف معينة انتهت بالفعل, والجواب يبتني على حقيقة دور النبوة وخاتمية الإسلام فالرسالات السماوية التي جاءت على أيدي الأنبياء والرسل (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) اشتركت في مبادئ وقيم أساسية تمثل الحق والعدل كما امتازت كل شريعة لاحقة بتشريعات مختلفة عن سابقاتها مراعاة لتطور البشرية اجتماعيا وفكريا وثقافيا وغيرها من التعقيدات فكل رسالة تقوم - بالإضافة إلى معالجة الخطوط العامة العريضة- بمعالجة الكثير من الخطوط التفصيلية والتي قد تكون مرحلية ولو جزئيا مما يستدعي تغيير الرسالة إلى أخرى تناسب المرحلة الجديدة, وهكذا تدرجت الرسالات السماوية في متابعة مسيرة التكامل حتى بلغت الذروة برسالة الرسول الأعظم محمد (ص) فشاءت الحكمة الإلهية ختم الرسالات السماوية برسالة الإسلام ولما كان مبدأ الخاتمية يستدعي مناغاة كل الحاجات الثابتة والمتحركة لمواكبة حركة التطور جاء منهاج الإسلام وتشريعاته متناسبة مع هذه الحقيقة, فهو منهاج تشريع يستوعب الزمان الممتد والمكان المتغير ولكي يضع الإسلام منهاجا يسير عبر الزمان والمكان كان لا بد من التمييز بين العناصر الثابتة والعناصر المتحركة فيضع أحكاما ثابتة للعناصر الثابتة ويضع أحكاما متحركة للعناصر المتحركة وهذا ما صنعه الإسلام, ولو وضع أحكاما ثابتة وتفصيلية لكل حقل وباب لما كان قادرا على التكيف مع المتغيرات, فالأحكام الشرعية باعتبار طبيعة العلاقة التي تربط الإنسان لها عدة حقول:-
الحقل الأول علاقات الإنسان الفرد بربه والتي لا يكون للناس طرف فيها بصورة مباشرة غالبا, وهي العبادات الخاصة كالصلاة والحج والصيام ونحوهما, ونلاحظ في هذا القسم ان التشريع غطى تفاصيل دقيقة بحيث تضيق منطقة الفراغ إلى حدودها الدنيا وفي حدود الأحكام الثانوية كمسألة التزاحم.
الحقل الثاني علاقات الفرد بالفرد كالبيع وسائر المعاملات, وفي هذا الحقل نجد التشريعات لا تستوعب كثيرا من التفاصيل باستثناء علاقة الزواج وانما تهتم بالتركيز على الأسس والمبادئ العامة لتفتح لولي الأمر مساحة معقولة من الفراغ التشريعي يملؤها بما يتوافق مع المتغيرات.
ومن هذه الأسس العامة قوله تعالى: ) وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ( البقرة 274.
وقوله سبحانه:
) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( البقرة 188.
الحقل الثالث علاقات الفرد بالجماعة كعلاقة الفرد إزاء الدولة والحقوق العامة الثابتة على الفرد إزاء الأمة, وعلاقة الجماعة بالفرد, كعلاقة الدولة بالفرد وما لها من حقوق وواجبات على الفرد, وعلاقات الجماعة بالجماعة كالعلاقات التي تربط بين الأمم والدول, وهذا حقل واسع جدا يتناول العلاقات الاقتصادية بين الدولة والمجتمع وبين الدولة والدول الأخرى ويتناول العلاقات السياسية التي تحكم قضايا كثيرة متشعبة ومتغيرة جدا ولما كان هذا الحقل يتمتع بهذا المستوى من الحركية والتغير نجد مساحة الفراغ فيه واسعة فلولي الأمر سواء فرضناه الفقيه أو مجلس الشورى مثلا ان يشرع ضرائب زائدة على الخمس والزكاة لتزيد وتنقص أو تلغى حسب المصلحة المتحركة.
كما لا نجد تشريعات إسلامية تحدد طبيعة العلاقة بين الأمم وما يربط الدول من اتفاقيات ومعاهدات, مما يعني سعة منطقة الفراغ تتيح للسلطة التشريعية حسب –وتحديدها يختلف حسب وجهة النظر الفقهية- ملئها وتكييفها بما يتلائم مع مبدأ العدل والمصلحة العامة.
الحقل الرابع علاقة الإنسان بالطبيعة ونلاحظ في هذا الحقل أيضا مستوى التغير الكبير الذي جعل من حكمة التشريع قلة التشريعات الثابتة لتتحرك التشريعات التي بيد السلطة التشريعية ملئها حسب المصلحة المتغيرة.
ففي هذا الحقل نجد الجانب المتحرك الذي يتطور من زمان إلى آخر فبينما كان الإنسان يصطاد الأسماك بالوسائل البسيطة وإذا به يصطادها اليوم بوسائل مبتكرة متطورة تستولي على كميات هائلة من الطبيعة. وبينما كان الإنسان يستخرج المعادن من الأرض بآلات لا تتيح له الاستيلاء إلا على كمية محدودة تشبع حاجة المستخرج ولا تؤثر على الآخرين فإذا بقانون التطور يقلب الموازين فصار بإمكان أفراد معدودين السيطرة على ثروات ضخمة من المعادن والنفط والأرض وسائر الثروات الطبيعة في مقابل حرمان الآخرين ليحدث إخلال بالتوازن والعدالة الاجتماعية.
وهكذا لما كان الإنسان متطورا في قدرته وسيطرته على الثروات الطبيعية ناسب ان يضع الإسلام أحكاما متحركة تتناسب مع تحرك وتغير علاقة الإنسان بالطبيعة وهذا ما حدث بالفعل فلم يغفل الإسلام حقيقة التطور والتبدل لذلك وضع لهذا القسم أحكاما غير ثابتة تتبدل بما يتوافق مع التطور ويتناسب مع مبدأ العدالة, وهذا ما يسميه الشهيد الصدر (ره) بمنطقة الفراغ التي يمارس الإسلام فيها من خلال السلطة التشريعية تطبيق مبدأ العدالة في حدود ما وضعته الشريعة لها من قواعد عامة, فهي صلاحية خاصة بالفقيه الذي يمثل السلطة التشريعية حسب نظره (قدس) حفاظا على مبدأ العدالة وعرفانا لأهل الاختصاص بحق تخصصهم, وحتى لا تصدر أحكام من غيرهم تغفل مبادئ الشريعة وقوانينها بسبب فقدان التخصص الفقهي.
وان كنا نفضل ان يسمى ذلك ( المنطقة المرنة ) لئلا يحدث إيحاء كاذب بنقص الشريعة من خلال إقرار هذا المبدأ وهذا الإيحاء كان السيد الشهيد (ره) ملتفتا لاحتمال تخيله من قبل بعض القراء فأوضح مقصده ببيان جزل نافيا بضرس قاطع ان يكون المقصود من التسمية نقص الشريعة قائلا: ) ولا تدل منطقة الفراغ على نقص في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع ‏والأحداث، بل تعبر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة، لان الشريعة لم تترك ‏منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصا أو إهمالا، وإنما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل حادثة صفتها التشريعية ‏الأصيلة مع إعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف. فإحياء الفرد للأرض مثلا عملية مباحة تشريعيا بطبيعتها، ولولي الأمر حق المنع عن ممارستها وفقا لمقتضيات‏الظروف‏).
(اقتصادنا ص784, ط 20, نشر دار التعارف)
ورغم ذلك ينبرى له بالاعتراض من لا يقرأ المطلب إلا كما يقرأ خبرا عابرا مكتوبا بالخط العريض دون ان يكلف نفسه قليلا في قراءة ما تحت (المانشستر).
فقد قال:
( يستحدث باقر الصدر مقولة وجود الفراغ في التشريع الإسلامي إلى ان قال: ونحن لا نقدر أبدا على التسليم بوجود فراغ في التشريع، لان الأمور المستحدثة التي لا نص فيها قد بلغنا أمر المشرع بالاجتهاد في معرفة أحكامها)"
[2] “لذلك ربما كان اسم (المنطقة المرنة) أو (المساحة المتحركة) أفضل.
فالمبدأ الحاكم بتملك العامل للمعدن الذي يستخرجه يعتبر مبدأ عادلا مكافئة لعمله وتشجيعا على العمل ليساهم العامل في التنمية والبناء.
والمبدأ القائل بان من أصلح بجهده أرضا وأحياها فهو أحق بها من غيره هو الآخر مبدأ عادل حتى لا يتساوى العامل الباني مع غيره, ولكن مثل هذين المبدأين حيث يرتبطان بعلاقة الإنسان بالطبيعة يجعل منها مبدأين متحركين غير ثابتين فتطور علاقة الإنسان بالطبيعة يسمح بالاستغلال فقد تتوفر الفرصة لفرد أو مجموعة قليلة تمتلك آلات ضخمة فتستولي بها على كميات كبيرة من الثروات الطبيعية ليحرم الآخرون منها ولتختل العدالة الاجتماعية, فثبات المبدأ يتصادم مع العدالة كما ان عدم تشريعه في زمن الآلات اليدوية البسيطة ظلم واختلال في العدالة الاجتماعية, فالخيار الصحيح الوحيد هو جعل المبدأ متحركا بحيث لا يستغل ويحدد امتداده ويقيد عمومه وإطلاقه حتى لا يتناول الحالة التي تمزق العدالة الاجتماعية بفعل رقي الآلة وتطور علاقة الإنسان بالطبيعة.
وهذا ما فعله الإسلام بالتحديد انسجاما مع مبدأ العدل الذي هو الركيزة الأساسية في تشريعاته.
اما ما يعبر عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان فهو الجانب الثابت جوهريا وغير المحكوم للتطور فهو يحدد الحقوق والواجبات عبر ارتباط الفرد بالفرد او بالجماعة وواضح ان هذا الارتباط لا يخضع للتبدل والتطور في الخط العريض مهما اختلف المكان الذي يحضن بني الإنسان ومهما مرت القرون والأزمان ومن هذا المنطلق اقتضت حكمة التشريع الإسلامي وضع قوانين ثابتة لهذا النوع من العلاقة الثابتة. نعم هناك مساحة ضيقة خاضعة للتغير والتبدل تحكم من خلال السلطة التشريعية.
فالرجل والمرأة حين يقرران الارتباط عاطفيا وجنسيا ببعضهما يخضعان جوهريا لنفس الغرائز والحاجات ويستمتعان بوتيرة ثابتة من العطاء والأخذ المتبادل, لذلك نجد طبيعة هذه العلاقة لم يطرأ عليها التغيير ولم تنلها يد التطور والتبديل, بمرور القرون والأزمان وبتبدل المواقع الجغرافية وأماكن الكرة الأرضية فالرجل هو الرجل والمرأة هي المرأة وما يربطهما من علاقة وعاطفة وحب بقت من حيث الجوهر من زمن الطاحونة والمحراث إلى زمن الآلة البخارية والانترنت, ومثلها علاقة الولد بابيه أو الأب بولده, أو الأخ بأخته أو الأخت بأختها وهكذا العلاقات المختلفة التي تربط بين بني الإنسان تظل ثابتة لا يطرأ عليها تغير أساسي لذلك وضع الإسلام أحكاما وتشريعات ثابتة بمقدار ثبات هذه العلاقات.
عنصر التموج
كما يمكننا إضافة تقسيم آخر للأحكام الشرعية بلحاظ مستوى وضوحها فإذا كانت كاملة الوضوح لم يقع فيها خلاف عادة وإذا كانت ناقصة الوضوح وقع الاختلاف فيها بل مستوى الاختلاف يتناسب عكسا مع مستوى الوضوح فكلما كانت المسألة أوضح كانت دائرة الاختلاف فيها أضيق وكلما كانت المسألة اقل وضوحا كانت دائرة الاختلاف فيها أوسع وسعة الاختلاف هذه تأخذ أحد لونين أو كليهما:-
اللون الأول: كثرة الجدل وتعدد الحجج والوجوه إزاء المسألة وانقسام عدد المختلفين رغم ان الرأي فيها لا يتجاوز القولين.
اللون الثاني: كثرة الأقوال والآراء في المسألة بحيث تزداد الآراء والأقوال كلما زاد الغموض في القضية.
وهنا نقدم أطروحة محتملة للتقسيم الجديد لتنقسم مواضع الأحكام الشرعية على أساس مستوى الوضوح إلى قسمين:-
القسم الأول منطقة الهدوء ونعني بذلك الأحكام الشرعية التي تتوفر على درجة كبيرة من الوضوح فهي تشريعات هادئة بدرجة كبيرة فلا يحدث فيها صعود وهبوط بالاختلاف فيها باستثناء الندرة التي قد تقع.
القسم الثاني منطقة التموج ونعني بها المسائل التي يقع فيها الاختلاف كثيرا.
والسؤال الجدير بالاهتمام هو السؤال عن حكمة المشرع بما هو قادر على كل شيء في إيجاد منطقتي الهدوء والتموج فلماذا جعل قسما من الأحكام متموجا وقسما آخر منها هادئا وهنا يأتي دور أطروحتنا التي تقول بان منطقة التموج تقوم على أساس اختلاف الناس في القابليات والقدرات فرب أمر ميسور على شخص معسور على آخر, ورب تكليف يصب في مصلحة فرد ويعالج ما به من خلل ولكنه عديم الجدوى بالنسبة لفرد آخر بل ربما كان ضارا به, لذلك جعل الإسلام منطقة التموج هذه لتعالج من يتناسب معه هذا العلاج اما على أساس تخيير المكلفين في اختيار مرجع تقليدهم كما هو احد الآراء في المسألة أو على أساس إتاحة خيار التبعيض المبنايان على عدم وجوب تقليد الأعلم أو على تردد الأعلم بين أكثر من واحد مع عدم لزوم وحدة المرجع.
أو على أساس ان تعدد الفقهاء وتوزيع الفتاوى في هذه المنطقة سيخلق الحالة الأقرب للوصول لما يناسب قدرات وصلاح العباد فإذا كانت فتاوى الفقيه تتأثر بالبيئة والزمان الذين يعيش فيهما كحالة تكوينية أمكن تصوير ربط حكمة (المنطقة المتموجة) بالمصالح المتحركة التي تتغير وفق الظروف المختلفة لتؤثر هذه الظروف في فهم الفقيه وفتاواه وبالتالي تتناسب مع الحاجات المستجدة ولو بحسب علم الغيب عند الله سبحانه وتعالى.
وهكذا يتلخص ان الحكم الشرعي تارة يكون في المنطقة الثابتة وأخرى في المنطقة المرنة على أساس إعطاء ولي الأمر صلاحية تغيير الحكم طبق القواعد أو عدم إعطائه ذلك.
ومن جهة أخرى الحكم الشرعي تارة يكون في (المنطقة الهادئة) وأخرى في (المنطقة المتموجة) على أساس عمومية المصلحة التي يستند عليها الحكم الشرعي أو اختصاصها ببعض الفئات ولو من حيث الدرجة.
فالنتيجة ان ديمومة صلاحية التشريعات الإسلامية تستند على مدى ما تتمتع به من القدرة على التكيف ومجاراة المصلحة الثابتة والمتغيرة, نظير الكثير من دساتير الدول وقانونها الأساسي, فرغم ثبوتها النسبي ومحدودية إمكانية تغيير موادها إلا انها تتمتع بالديناميكية فتتماشى مع المصالح المتغيرة منها والثابتة وعلى ضوئها تصدر التشريعات الفرعية وهكذا الإسلام يتمتع بالديناميكية والتزاوج مع المصلحة المختلفة المتغير منها والثابت.
عنصر التدرج والجهل بالأحكام الشرعية
تلاحظ ظاهرة التدرج في البيان وتعليم الأحكام من قبل المعصومين عليهم السلام وغالبا ما يقتصر دورهم عليهم السلام على الجواب على أسئلة المؤمنين مقلصين بذلك دائرة مبادرة تلقين الأحكام وهذا ما قد يكون مؤشرا على المرونة التي نتحدث عنها مضافا إلى معذورية الجاهل القاصر في كل الحالات أو اغلبها ومعذورية المقصر في عدد من الحالات مثل الجهر في محل الاخفات والاخفات محل الجهر ومثل القصر والتمام.
بل ربما يستفاد عمومية العفو من بعض الروايات مثل ما رواه في الوسائل عن محمد بن الحسن بإسناده عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي حَدِيثٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْجَمِيّاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يُلَبِّي وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ فَقَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع): إِنِّي كُنْتُ رَجُلًا أَعْمَلُ بِيَدِي وَاجْتَمَعَتْ لِي نَفَقَةٌ فَجِئْتُ أَحُجُّ لَمْ أَسْأَلْ أَحَداً عَنْ شَيْ‏ءٍ وَأَفْتَوْنِي هَؤُلَاءِ أَنْ أَشُقَّ قَمِيصِي وَ أَنْزِعَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيَّ وَ أَنَّ حَجِّي فَاسِدٌ وَ أَنَّ عَلَيَّ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ مَتَى لَبِسْتَ قَمِيصَكَ أَ بَعْدَ مَا لَبَّيْتَ أَمْ قَبْلَ قَالَ قَبْلَ أَنْ أُلَبِّيَ قَالَ فَأَخْرِجْهُ مِنْ رَأْسِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ بَدَنَةٌ وَ لَيْسَ عَلَيْكَ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ أَيُّ رَجُلٍ رَكِبَ أَمْراً بِجَهَالَةٍ فَلَا شَيْ‏ءَ عَلَيْهِ طُفْ بِالْبَيْتِ سَبْعاً وَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ع وَ اسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ وَ قَصِّرْ مِنْ شَعْرِكَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَاغْتَسِلْ وَ أَهِلَّ بِالْحَجِّ وَ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ."
[3]"
ومحل الشاهد قوله عليه السلام: (أَيُّ رَجُلٍ رَكِبَ أَمْراً بِجَهَالَةٍ فَلَا شَيْ‏ء)
عنصر العفو
القانون له جانب صياغي اعتباري وله جانب عملي على الأرض يتمثل في قوة تطبيقه وإجراء العقوبات على من يخالفه.
وتجميد عقوبات مخالفة التشريع يعتبر نحوا من المرونة في التشريع بل لا قيمة للتشريع والقانون المجرد عن العقوبات إزاء كسره, فالملاحظ ان القوانين التي لا تعاقب السلطات التنفيذية على مخالفتها لا تحترم ولا يتقيد بها الناس, فتجميد العقوبات تجميد لروح القانون وجوهره وان لم يمس صياغته الاعتبارية, ومن هذا المنطلق يدخل مبدأ العفو في مرونة التشريع وهذا المبدأ يدخل تحته عدة عناوين:-
العنوان الأول اجتناب الكبائر يمسح السيئات
ويدل عليه عدة آيات
1- قوله تعالى:-
إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا {النساء/31}
فليس اجتناب الكبائر موجبا لمحو السيئات فحسب بل الوعد الإلهي قطع لهم بإدخالهم مدخلا كريما, وهذا يعني إلغاء روح التكاليف المعفو عنها وتنزيلها منزلة العدم, مما يؤكد المدى الواسع لمرونة التشريع.
2- قوله تعالى:-
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {النجم/32}
3- قوله تعالى:-
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ {الشورى/36} وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {الشورى/37} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {الشورى/38}
العنوان الثاني التوبة
فمتى تراجع العاصي عن عصيانه وندم على ما فات وعزم على ان لا يعود للماضي غسلت ذنوبه وتم العفو عنه وكأن شيا لم يكن.
ويدل عليه الكثير من النصوص كتبا وسنة نكتفي بذكر نموذجين:-
1- ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً {النساء/17}
2- رواية جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) وسائل الشيعة ج 16, ص74, ب76 من أبواب جهاد النفس, ح8.
وهذا يجعل تلك التكاليف بعد التوبة ساقطة شكلا ومضمونا جوهرا ومظهرا, وهذا أمر غير معهود من أنظمة الحكم المختلفة, فمهما تاب المجرم ومهما بلغ ندمه وتصميمه على الإقلاع عن الجريمة لا تسقط عقوبته ولا تمسح جريمته نعم قد يكون الندم والتوبة سببا لتخفيف العقوبة لا لإلغائها.
العنوان الثالث المغفرة بلا توبة.
1- } إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء/48}
فالغفران لغير التائب فالشرك يعفى عنه بالتوبة
2- وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ {الرعد/6}
فتشملهم المغفرة مع كونهم ظالمين.
3- قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر/53}
4- وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى/25}
وهذه الآية واضحة جدا في مغايرة العفو للتوبة وان العفو يشمل غير التائبين بقرينة عطف العفو على التوبة.
5- وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى/30}
وغني عن البيان وضوح ان الآية بصدد بيان العفو عن غير التائبين حيث ان التائب تغفر جميع ذنوبه لا كثيرها.
العنوان الرابع الشفاعة
نقتصر على ذكر بعض النماذج:-
1- مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا {النساء/85}
2- ( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {البقرة/255}
3- يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا {طه/109}
4- يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ {الأنبياء/28}
5- الحديث عن رَسُولِ اللَّهِ (ص) إِنَّمَا شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي.
وسائل الشيعة ج15, ص334, ح4 من ب47 من أبواب جهاد النفس.
6- " إن شفاعتي يوم القيامة لأهل الكبائر من أمتى " .
( سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني ج 2 ص 1441)
7- وعن الإمام الصَّادِقُ (ع): شَفَاعَتُنَا لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ شِيعَتِنَا فَأَمَّا التَّائِبُونَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (التوبة - 91).
وسائل الشيعة ج15, ص334, ح5 من ب47 من أبواب جهاد النفس.
العنوان الخامس
هذا مضافا إلى ان الحسنة بعشر في مقابل ان السيئة بواحدة.
وان نية الحسنة تكتب ونية السيئة لا تكتب.
وان الحسنات يذهبن السيئات.
[1]- بحوث‏ في ‏علم ‏الأصول/ج4/ 235
1ـ الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه أهل السنة: 65.

[3] - وسائل‏الشيعة ج : 12 ص : 489 باب 45 من أبواب تروك الإحرام

(اشراقة ظلم الولاة يدمر القرى)

اشراقات دينية للدفاع عن القران الكريم
(اشراقة ظلم الولاة يدمر القرى)
الشبة: أحجية الأمر بالفسق يقول القرآن في سورة الاسراء (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً).. وهذه إحدى الآيات التي تبارى الحواة في تأويلها وصرفها عن معناها الواضح النازل بلسان عربي مبين.. فمعناها المباشر أن الله في سياق تدخلاته غير المفهومة في حياة البشر يغضب أحياناً على بعض القرى فيقرر إهلاكها.. ورغم أنه يستطيع ذلك بدون أن يقدم تفسيراً لأحد فهو يأمر مترفي هذه القرية بالفسق!! (لاحظ أنه قال سابقاً "إن الله لا يأمر بالفحشاء").. فإذا فسق هؤلاء فان الله يعتبر أنه أبرأ ذمته ويصب جام غضبه على هذه القرية التعيسة فيدمرها. ودع عنك أن الإله لا ينبغي له أن يأمر بالفسق، فإن قوله –فحق عليها القول- دليل على أن القرية لم يحق عليها العذاب إلا بعد فسق المترفين، فكيف جاز له أن يقرر هلاكها قبل أن تستحق القرية ذلك؟ وإذا كان المترفون في كل قرية قلة وأغلب الناس فقراء فلماذا يهلك الكثرة بفسق القلة المترفة؟ خاصة إذا كان هو المحرض على هذا الفسق؟ ولشد ما أكره أن أظهر بمظهر السفسطائي ولكني لا أملك إلا أن أطرح هذا السؤال: إذا كان الله قد أمر المترفين بالفسق فهل يجب عليهم طاعته أم عصيانه؟ فإذا أطاعوه فقد ارتكبوا فسقاً وجب به هلاكهم، وإن عصوه فلم يفسقوا غضب عليهم لعصيانهم إياه فكيف المخرج؟ وبعد تفكير خلصت إلى أن من أراد اتهامي بالسفسطائية فليوجه الإتهام إلى الله نفسه فهو الذي وضعهم في هذا الموقف أما دوري فيه فلا يتعدى الصياغة وإلقاء الضوء. وكمثال على الدور الفهلوي الذي يمارسه الفقهاء، هاك طرفاً مما قالوه في تفسير أمر الله بالفسق منقولاً من تفسير ابن كثير (علامات التعجب من عندي): واختلف المفسرون في معناها فقيل معناه أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمراً قدرياً كقوله تعالى "أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا" -- وقالوا: معناه أنه سخرهم إلى فعل الفواحش!! فاستحقوا العذاب -- وقيل معناه أمرناهم بالطاعات!! ففعلوا الفواحش فاستحقوا العقوبة. رواه ابن جريج عن ابن عباس وقاله سعيد بن جبير أيضاً -- وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء -- قَالَ عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس يَقُول سَلَّطْنَا أَشْرَارهَا فَعَصَوْا فِيهَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَهْلَكَهُمْ اللَّه بِالْعَذَابِ وَهُوَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا " الْآيَة وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَمُجَاهِد وَالرَّبِيع بْن أَنَس -- وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس يَقُول أَكْثَرْنَا عَدَدهمْ وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَعَنْ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ وسواء أمرهم بالفسق أو سخرهم لفعل الفواحش أو جعل مترفيهم أمراء أو سلط أشرارهم أو أكثر أعداد المترفين في هذه القرية فيبقى الله مسئولاً عما حدث فيها من الفسق بتحريكه لخيوط اللعبة من وراء ستار الغيب، ويبقى المسلم حائراً في فهم دوافع هذا الإله الذي يفقد صبره ولا ينتظر يوم الحساب ليعاقب المسيء ويكافيء المحسن بل يخبط خبط عشواء مهلكاً المحسن والمسيء معاً.
الجواب
حقا تبلغ السذاجة ذروتها حين يسمح احد لخياله أن يحلق باتجاه تصور أن الله سبحانه يأمر بالفسق مستهدفا إهلاك قرية ما إذ لا يوصف هذا الفعل بالعبثي بل يوصف بحق بالظلم والعمل الإجرامي الذي لا يليق بساحة حكيم من الدرجة العادية فضلا عن احكم الحكماء تبارك وتعالى.
(إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(لأعراف: من الآية28)
نعم فالله سبحانه وتعالى يأمر بالطاعة لصلاح الناس ولكنهم يعصون باختيارهم فيستحقون العقوبة نتيجة عصيانهم وتمردهم على مولاهم.
نظير (أمرته فعصاني) أي أمرته بالطاعة فعصاني ولم يطعني.
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الاسراء:16)
ومعنى (أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) نظير قول القائل لما أراد زيد أن يموت اشتدت علته أي عندما حان اجله اشتدت علته وفي الآية يكون المعنى حين تنتهي أسباب بقاء القرية ويسود الظلم والفساد والاستبداد وحين يأمر الله سبحانه بالطاعة تتوفر أسباب الإهلاك بالعصيان.
اما لماذا يعاقب أهل القرية جميعا مع ان العصاة هم مترفوها؟ فربما لان هذه سنة الله تبارك وتعالى في خلقه فالظلم الذي يمارسه الملوك والحكام المستبدون لا يسلم منه عامة الناس فيصيب البلاء والهلاك عامة السكان وفي هذا تحذير الهي من السماح للمترفين بالظلم والاستبداد لان طريق هلاك الأمة سيطرة الاستبداد والظلم وسلب الحقوق فالمسالة مرتبطة بقانون وسنة طبيعة فلا يمكن ان تنحصر آثار الظلم والاضطهاد على فئة محدودة دون ان تطال جميع شرائح المجتمع.