الخميس، 20 مارس 2008
هل أباح الائمة (ع) الخمس لشيعتهم؟
هل أباح الائمة (ع) الخمس لشيعتهم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وأله الطاهرين.
ارسلت لي رسالة الكترونية تنبهني الى طرح موضوع يرتبط بموضوع أحد المشاركين في أحد المنتديات يدعي فيه ان الائمة عليهم السلام اباحوا الخمس لشيعتهم ولا يجب عليهم ان يخرجوا الخمس بل يأكلوه هنيئا مريئا وكتعليق سريع على ذلك اقول:
انتابني شعور منذ البداية بان الطرح آت من جهة معادية للشيعة يغيضها قوة المذهب وتنامي اتباعه واتساع رقعته فتنشط الجهات المعادية لهذا المذهب بوسائل عديدة منها قتل الشيعة في العراق وافغانستان وباكستان وغيرها ومن تلك الوسائل السب والقذف واتهام الشيعة بأنهم خارجون عن الاسلام وانهم مشركون او يهود الخ تلك الترهات.
ومن تلك الوسائل محاولة اضعاف الرافد المالي للحوزات العلمية التي تمثل الحصن الاكبر للحفاظ على المذهب من الضياع وحمايته من الانحراف ولكن مع ذلك اجبت على الشبهة حتى لا تنطلي على بعض الناس حيث لاحظت ذلك من خلال بعض الرسائل المرسلة لي كما لم انفِ احتمال ان يكون صاحب الموضوع شيعيا مشتبها فرأيت من المناسب بيان الجواب لدفع الشبهة ولكن تبين من خلال الرد ونوع المواضيع التي يطرحها ذلك العضو تستهدف الاثارة والجر لمستنقع يستهدف منه زعزعة عقائد الشيعة واحداث الفتنة لإضعافهم خدمة لأهداف جهات معادية للشيعة منها بعض الحكومات ومنها تيارت دينية طائفية متشددة همها ايقاع الفتن بين المسلمين.
ومع ذلك اجيب علميا على هذه الإثارة بما يلي:
1- هذه المسألة لا يمكن الجزم بها لغير الفقيه المتخصص بالدراسات الفقهية العالية لان ذلك يتطلب معرفة السند والظهور وعدم المعارضة مع نص قرآني او مع معلومة ثابتة في الشريعة او مع روايات اخرى فالنتيجة ان غير الفقيه لا يمكنه ان يتفوه بإثبات او نفي في امر لا يدخل نطاق تخصصه.
2- ويترتب على ذلك ان من يزعم التحليل وهو من غير ذوي الاختصاص في الفقه يقول على الله بغير علم ويكذب على الله ورسوله والائمة الائمة الاطهار عليهم السلام فهو مرتكب لذنب عظيم خطير، لقوله تعالى:
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ ۖ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ- سورة يونس 59.
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ - 33 الأعراف.
3- ويترب على ذلك انه يجب عليه ان يتوب وان يتراجع ويخبر من أبلغهم بنفي ما زعمه.
4- انقل لكم ايها الاعزة كلام سيد اساتذتنا المرحوم اية الله العظمى سيد الفقهاء والمجتهدين بحق السيد الخوئي قدس سره حول هذه المسألة لإزالة اللبس فيها قال رحمه الله تعالى:
يظهر من جملة من الاخبار اباحة الخمس للشيعة اباحة مطلقة بلا قيد ولا شرط، وانهم في حل منه لا يجب عليهم اداؤه بتاتا. فكأن التشريع بالإضافة إليهم لم يتجاوز مرحلة الاقتضاء ولم يبلغ مقام الفعلية لاقترانه بتحليلهم واباحتهم صلوات الله عليهم.
وبإزائها ما دل على عدم الاباحة مطلقا.
وهناك ما تضمن التحليل بالنسبة إلى من انتقل إليه الخمس فيثبت حينئذ في ذمة من انتقل عنه وليس على من انتقل إليه شئ - بخلاف الزكاة حيث لم تسقط عمن انتقلت إليه كما تقدم - فهذه طوائف ثلاث من الاخبار.
اما الطائفة الاولى فالعمدة منها صحيحة الفضلاء عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام
هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا ألا وان شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل.
هكذا في التهذيب ورواها في الفقيه بلفظ (وابناءهم) بدل (وآباءهم) ولعله الاصح كما لا يخفى.
ونحوها صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السلام انه قال: ان امير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم ومعتبرة الحارث بن المغيرة النصرى قال: دخلت على ابي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له فدخل فجثا على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إني اريد أن اسألك عن مسألة والله ما اريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له فاستوى جالسا إلى ان قال: اللهم انا قد احللنا ذلك لشيعتنا.. الخ
وقد عبر عنها في الحدائق بالموثقة، ولم يظهر وجهه بعد جهالة جعفر بن محمد بن حكيم الواقع في سلسلة السند. ...
وأما روايته الاخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له ان لنا اموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت ان لك فيها حقا قال: فلم احللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهو في حل مما في ايديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب. فهي ضعيفة السند بأبي عمارة فانه مجهول... وهذه الروايات مضافا إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين غير قابلة للتصديق في نفسها ولا يمكن التعويل عليها.
اولا- من اجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسد حاجات السادة والفقراء من آل محمد صلى الله عليه وآله، إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة والمفروض امتناع اهل السنة وانكارهم لهذا الحق فمن اين يعيش فقراء السادة، والمفروض حرمة الزكاة عليهم، فلا يمكن الاخذ بإطلاق هذه النصوص جزما.
وثانيا- انها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرقة والاجناس المتعددة كقوله عليه السلام: خذ من اموال الناصب ما شئت وادفع الينا خمسه، أو من اخذ ركازا فعليه الخمس، وما ورد في ارباح التجارات من صحيحة علي بن مهزيار الطويلة وغيرها. فلو كان مباحا للشيعة وساقطا عنهم فلماذا يجب عليهم الخمس، وما معنى الامر بالدفع في هذه النصوص المتكاثرة، وهل ترى ان ذلك لمجرد بيان الحكم الاقتضائي غير البالغ مرحلة الفعلية بقرينة نصوص التحليل.
هذا مضافا إلى معارضتها ب الطائفة الثانية الظاهرة في نفي التحليل مطلقا مثل ما رواه علي بن ابراهيم عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذا دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى الوقف بقم فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة الاف درهم في حل فاني قد انفقتها، فقال له: انت في حل، فلما خرج صالح، فقال أبو جعفر عليه السلام: احدهم يثب على اموال (حق) آل محمد وايتامهم ومساكينهم وابناء سبيلهم فيأخذه ثم يجئ فيقول اجعلني في حل، أتراه ظن أني اقول لا افعل والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا.
فان الظاهر بمقتضى القرائن الموجودة فيها ان المراد من الاموال هو الخمس كما لا يخفى.
ومعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له.
والظاهر أنها معتبرة فان المراد بالحسين - الواقع في السند - هو ابن سعيد الذي يروي عنه احمد بن محمد، كما ان المراد بالقاسم هو ابن محمد الجوهري فتصبح الرواية معتبرة، وقد فات صاحب الوسائل هنا روايتها بسند آخر قد تعرض له في باب بيع السرقة حيث يرويها هناك عن الحسين بن سعيد عن ابان، ومعه لا اشكال في السند بوجه. نعم الرواية السابقة المتضمنة لقصة صالح اقوى دلالة لاختصاص موردها بالشيعة وأما هذه فمطلقة تعم الشيعة وغيرهم فمن الجائز ان يراد الثاني خاصة كما لا يخفى هذا. وقد اختار صاحب الحدائق في مقام الجمع بين هاتين الطائفتين المتعارضتين أن الساقط انما هو حصة الامام عليه السلام، اعني نصف الخمس، وأما النصف الآخر اعني حق السادة فلا بد من دفعه إليهم. وهذا كما ترى مجرد اقتراح من غير ان يعرف له أي وجه، بل ان مقتضى التعليل بطيب الولادة الوارد في بعض نصوص التحليل تعلق الحلية بتمام الخمس لعدم تحقق الطيب بدون ذلك كما لا يخفى. نعم قد خص التحليل في بعض النصوص بحصته عليه السلام كما في صحيح ابن مهزيار: " من أعوزه شئ من حقي فهو في حل " ولكنه خاص بالمحتاجين والمعوزين لا مطلق الشيعة الذي هو محل الكلام فهو اجازة لصنف خاص في صرف سهم الامام، وأجنبي عما نحن فيه من التحليل العام لمطلق الشيعة. نعم تضمنت رواية أبي حمزة تحليل ثلاثة أسهم: أي نصف الخمس لمطلق الشيعة لكنها لا تدل على الحصر وان التحليل يختص بذلك لينافي ما دل على التحليل في تمام الخمس، فمفادها ليس إلا تحليل هذه الاسهم، لا عدم تعلق التحليل ببقية السهام، فالدلالة قاصرة. مضافا إلى ان السند ضعيف أيضا بعلي بن العباس الذي ضعفه النجاشي صريحا، فلا يمكن التعويل عليها.
والاقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس - اولا يخمس وان اعتقد كما ستعرف - وأما ما وجب على المكلف نفسه فلا موجب لسقوطه، ولم يتعلق به التحليل فتكون نصوص التحليل ناظرة إلى الاول، ونصوص العدم إلى الثاني. وتدلنا على هذا التفصيل. طائفة ثالثة من الاخبار تعد وجها للجمع بين الطائفتين المتقدمتين وشاهدا عليه، والعمدة منها روايتان. احداهما ما رواه الشيخ والصدوق بإسنادهما عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في ايدينا الاموال والارباح وتجارات نعلم ان حقك فيها ثابت وانا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله عليه السلام ما انصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم .
وهي وان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ من اجل محمد بن سنان ولكنها معتبرة بطريق الصدوق لخلوه عنه، وان اشتمل على الحكم بن مسكين فانه ثقة على الاظهر، وقد دلت على التحليل بالإضافة إلى الاموال التي تقع في الايدي، أي تنتقل من الغير بشراء ونحوه وأنه لا يجب على الآخذ ومن انتقل إليه اعطاء الخمس، وأنهم عليهم السلام حللوا ذلك لشيعتهم. ثانيتهما ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي سلمة سالم بن مكرم وهو أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل: ليس يسألك ان يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما والله لا يحل الا لمن احللنا له... الخ وهي صريحة في المدعى اعني التحليل في المال المنتقل إليه بشراء ونحوه. كما انها صحيحة السند على الاظهر، فان سالم بن مكرم المكنى بابي خديجة تارة وبأبي سلمة اخرى كناه بها الصادق عليه السلام على ما رواه الكشي، ثقة جدا على ما نص عليه النجاشي بقوله: ثقة ثقة أي ليست فيه أية شبهة. ولكن الشيخ الطوسي قدس سره ضعفه بعد ان عنونه بقوله: (سالم بن مكرم يكنى أبا خديجة ومكرم يكنى أبا سلمة) فجعل أبا سلمة كنية لأبيه لا لنفسه، بل صرح في الفهرست في آخر الترجمة بقوله: ".. عن سالم بن أبي سلمة وهو أبو خديجة ". ولكن هذا سهو منه جزما، فان سالم بن مكرم هو سالم أبو سلمة على ما صرح به النجاشي والبرقي وابن قولويه في غير مورد، وقد سمعت عن الكشي عن العياشي عن ابن فضال ان الصادق عليه السلام كناه بأبي سلمة بعد ان كان يكنى بأبي خديجة، فهو سالم أبو سلمة لا ابن أبي سلمة. والذي هو محكوم بالضعف هو سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني الذي وصفه النجاشي بقوله: " حديثه ليس بالنقي وان كان لا نعرف منه إلا خيرا له كتاب ". وهذا شخص آخر غير ابن مكرم، ولم يتعرض له الشيخ لا في الفهرست مع ان له كتابا، ولا في رجاله، فيعلم من ذلك ان الشيخ تخيل انهما شخص واحد وان سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة، وليس كذلك قطعا حسبما عرفت. والمتحصل من جميع ما ذكرناه لحد الان ان المستفاد من نصوص الباب بعد ضم البعض إلى البعض والجمع بينهما انما هو التفصيل بين الخمس الواجب على المكلف بنفسه ابتداء فلا تحليل، وبين ما انتقل إليه من الغير فلا خمس عليه وإنما هو في عاتق من انتقل عنه، فيتعلق ببدله ان كان له بدل وإلا ففي ذمته كما في الهبة.
مستند العروة الوثقى كتاب الخمس تقرير بحث سيد الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي الجزء الاول صفحة 341 وما بعدها.
علوي الموسوي البلاد ي
الخميس، 20 مارس 2008 م
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق