الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

نشرت مجلة (فقه الحياة) في عددها الاول الموضوع التالي:

الممارسات الجنسية المحظورة والمباحة في آية الحفظ

بقلم سماحة السيد ماجد البوري

بحث فقهي قرآني تقريرا لابحاث سماحة سيدنا الاستاذ آية الله السيد علوي الموسوي البلادي


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.

وبعد:-

حضرت بحمد الله دروس أستاذنا المحقق سماحة آية الله السيد علوي الموسوي البلادي الفقهية وكان لي شرف تقريرها وكتابتها وهذا البحث الماثل بين يديك عبارة عن جزء من تلك التقريرات التي ألقاها في مسائل الحج أحببت نشره تعميما للفائدة.


قوله تعالى في تعداد صفات المؤمنين ومدحهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)().

هذه الآيات تشرح الخطوط الحمراء في الممارسة الجنسية فهي تبين حرمة الزنا واللواط والسحاق وفي نفس الوقت توضح جواز الممارسة الجنسية ضمن إطار الزوجية.

ولكن وقع الكلام بين الاعلام في ان هذه الآيات الكريمة هل تضع النقاط على الحروف بشأن عملية الإرضاء الذاتي في الممارسة الجنسية (الاستمناء) أو (العادة السرية)؟ سلبا او ايجابا أو لا دلالة لها على ذلك؟

فقد ادعى تمامية دلالتها على المنع شيخ الطائفة الطوسي (ره ) وفي المقابل نفى ذلك عدد من الاعلام منهم سيد الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي ره والشهيد الصدر الثاني فيما وافق سماحة مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد السيستاني مد ظله في المحكي عنه على نفي دلالة مطلوبية حفظ الفرج على حرمة الاستمناء.

وبرغم ان نفي دلالتها لا يعني القول بجواز الاستمناء فالبحث في دلالة الآية وحدودها يشكل شوطا مهما في بحث هذه المسألة فقهيا وهنا سنتناول دلالة الآية دون البحث في بقية أدلة المسألة.


فقد استدل بهذه الآيات على حرمة الاستمناء، وممن استدل بها الشيخ الطوسي والعلامة الحلي وصاحب الجواهر والشافعي في كتاب الأم () وغيرهم، إلا أنهم لم يبينوا تقريب دلالة الآية ووجه الاستدلال بها على حرمة الاستمناء، وكأنهم رأوا وضوح دلالة الآية على حرمته بحيث لا تحتاج إلى بيان وشرح، فيدخلون الاستمناء ضمن نطاق (ما وراء ذلك) أي يصدق عليه ما وراء الزوجة أو المملوكة فيكون حراما بمقتضى توصيفه بأنه عاد.

وعلى تقدير تمامية دلالة الآيات الكريمة على حرمة الاستمناء لا تختص بصورة نزول المني بل مطلق الممارسة الجنسية سواء أدت لنزول المني أو لم تؤد إلى ذلك بناء على ان متعلق حفظ الفرج هو الممارسة الجنسية ونحوه من المباني، وعلى تقدير شمول الآيات للرجال والنساء فدلالتها على تحريم هذا الفعل شاملة للنساء والرجال لعموم طلب الحفظ من الجنسين وحتى ندرس الآيات الكريمة ودلالتها، نطرح أسئلة تكون بمثابة المفاتيح لفهم الآية الكريمة.

  1. ما هو المتعلق الثاني للحفظ؟
  2. ما هو متعلق الابتغاء وهل هو متحد مع المتعلق الثاني للحفظ؟
  3. الحفظ يتعدى بحرف (على) للمتعدي الاول ولا يتعدى للثاني بحرف (على) فيجب ان يكون متعلق الحفظ المحذوف صالحا للتعدي بحرف (على) فما هو المتعلق المحذوف الصالح لذلك؟
  4. هل الآية خاصة بالرجال، أو أنها تعمّ النساء أيضاً؟

وسنحاول الإجابة على هذه الأسئلة إنشاء الله تعالى.

والاستدلال بالآية الكريمة تارة يكون على أساس الاكتفاء بتحديد المتعلق الثاني للحفظ بما يظهر منه حرمة الاستمناء وعدمه بلا حاجة للبحث في متعلق الابتغاء باعتبار وحدتهما، وأخرى على أساس تحديد متعلق الابتغاء ودعوى مغايرته للمتعلق الثاني للحفظ فهنا مقامان:-

1- المقام الاول في تحديد ما هو المتعلق الثاني للحفظ.

معنى الحفظ واضح لا يحتاج لبيان كما ان متعلقه الاول واضح وهو الفروج، ولكن فهم المراد منه يتوقف على معرفة متعلقه الثاني وبعبارة اخرى مادة (الحفظ) تتعدى للمفعول الاول بدون حرف جر أو بحرف (على) ومثال الاول (احفظ مالك) ومثال الثاني قوله تعالى:(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) (البقرة:238).

ولكن مادة الحفظ لا تتعدى للمفعول به الثاني بدون حرف جر كما لا تتعدى له بحرف (على) بل التعدي مقصور على حرفي (من) و (عن) مثلا احفظ مالك عن الضياع.

فقد برزت عدة اتجاهات لتفسير المتعلق:-

الاتجاه الأول: المتعلق الثاني للحفظ هو الحرام.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) من الحرام (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) أي حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة ليس لازما.

ويلاحظ عليه بالاضافة لخلوه من بيان الوجه والقرينة المحددة للمتعلق:-

اولا:- لزوم كون القضية بشرط المحمول أي (الحرام حرام) وليس في ذلك معنى مفيدا فلا يمكن نسبته لكتاب اعجز الجن والانس ان يأتوا بمثله.

وثانيا:- لزوم كون الاستثناء في الآية الكريمة منقطعاً، حيث أن حفظ الفرج عن الزوجة والمملوكة ليس من جنس الحرام، والاستثناء المنقطع مخالف للظاهر جداً، فلا يمكن المصير إليه مع فقد القرينة عليه.

وعلى تقدير تمامية هذا التفسير لا تدل الآية على حرمة الاستمناء ولا ربط لها به، فأقصى ما تدل عليه تأكيد حرمة الحرام فالحفظ من الحرام لا يستلزم حرمة الاستمناء إذ كون الاستمناء حراماً أول الكلام، فهي لا تثبت حرمة الاستمناء، لأن القضية لا تثبت موضوعها، والحاصل: أن الآية الكريمة لا تفيد معنى تشريعياً جديداً لأنها قضية بشرط المحمول، فكأنها تقول (الحرامُ حرامٌ) وحينئذٍ الآية ليست في مقام إنشاء حكم شرعي بل في مقام الإخبار عن المؤمنين ومدحهم بأنهم لا يرتكبون المحرمات، وقد يعزز ذلك سياق الآيات الكريمة، مثل (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)() (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)() فهي ليست في مقام التشريع للزكاة بل تمدح المؤمنين بأنهم معرضون عن اللغو وأنهم يؤدون الزكاة.

لكن هذا يمكن ان يتم لو اقتصر النظر على الآيتين الأولى والثانية أما مع ملاحظة الآية الثالثة وهي قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فلا يتم هذا الوجه اذ يفهم بضميمة الآية الاخيرة معنى تشريعيا، للتعبير بأنه عادي وظالم ومعتدي، وصدوره من المشرع ظاهر في بيان الحكم الشرعي وليس مجرد الاخبار فلا يصح ادعاء ان الآية في مقام المدح والإخبار فقط، اللهم إلا أن يقال بأن وصفه بالعادي ذم له لارتكابه حراماً تم تشريعه سابقاً بغير هذه الآية الكريمة فهي في مقام الإخبار وليست في مقام التشريع، ولكنه كما ترى.

الاتجاه الثاني: المتعلق الثاني للحفظ هو الزنا.

فيكون المعنى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) من الزنا (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)

ويلاحظ عليه:-

1- استلزامه انقطاع الاستثناء في الآية مع فقد القرينة على ذلك.

2- عدم توفر قرينة لتحديد المتعلق بالزنا.

وعلى تقدير تماميته لا دلالة في الآية على حرمة الاستمناء لوضوح عدم انطباق عنوان الزنا عليه.

الاتجاه الثالث: المتعلق الثاني للحفظ هو الفرج أي حفظ الفرج عن الفرج.

ذكر في (التبيان في تفسير القرآن) وغيره من المصادر التفسيرية أن (الحفظ من الفرج)() وفي تفسير الطبري: (حفظها من إعمالها في شيء من الفروج)().

وهذا التفسير لا يرد عليه إشكال الاستثناء المنقطع، فحفظ الفرج عن الفروج أو حفظ الفرج عن إعمالها في شيء من الفروج إلا عن فرج الزوجة والمملوكة، واضح أن المستثنى من جنس المستثنى منه فهو استثناء متصل.

ويلاحظ عليه انتفاء الوجه المعين للفرج متعلقا للحفظ مضافا للإشكال العام الآتي الوارد على كل الاتجاهات سوى الاتجاه الصحيح وستعرف ذلك مفصلا عند بيان الاتجاه العاشر ولا تدل الآية - بناء على الاتجاه الثالث- على حرمة الاستمناء لوضوح عدم تضمنه مس الفرج بالفرج وعدم منافاته لحفظ الفرج عن الفرج، إذ الكلام عن طلب خروج المني من الفرج بغير ملامسته لفرج آخر.

الاتجاه الرابع: المتعلق الثاني للحفظ المواقعة.

أفاده العلامة السيد الطباطبائي(ره) في الميزان إذ قال:(حفظ الفروج كناية عن الاجتناب عن المواقعة سواء كانت زناً أو لواطاً أو بإتيان البهائم وغير ذلك)().

وفيه: ما ستعرفه مفصلا في الاتجاه الصحيح، وهذا التفسير لو تم فهو كسابقه لا دلالة للآية فيه على حرمة الاستمناء، فالاستمناء لا يتنافى مع حفظ الفرج عن المواقعة.

الاتجاه الخامس: المتعلق الثاني للحفظ الممارسة الجنسية غير اللائقة().

حفظ الفرج (كناية عن عدم استخدام الفرج فيما يشين صاحبه ولا يليق به، فهو بمفهومه لا يقتضي ان يكون الاستخدام مع الغير ويظهر ذلك بمقايسته مع حفظ غير الفرج من أعضاء الجسم كاللسان واليد، فكما أن معنى حفظ اللسان هو عدم التكلم به بما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كالتفوه بكلمة الكفر، وكذلك معنى حفظ اليد هو أن لا يرتكب بها ما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كقتل النفس، كذلك معنى حفظ الفرج هو عدم استخدامه فيما لا ينبغي)().

وقد يدعى ان الاستمناء داخل ضمن الممارسة الجنسية غير اللائقة ومما يشين صاحب الفرج فيكون حراماً.

أقول: هذا الاتجاه على تقدير تماميته لا تدل الآيات على الحرمة، لأن دخول الاستمناء في الممارسة الجنسية غير اللائقة والمشينة بحسب العرف السائد وقت نزول الآية الكريمة أول الكلام إذ نحتاج في إثبات ذلك إلى دليل وهو مفقود.

بل يستفاد من بعض الأخبار أنه كان أمراً متعارفاً بينهم كالرواية الآتية التي نقلها الراوندي().

إن قلت: إنها ضعيفة السند ولا يثبت بها المطلوب قلنا: لا حاجة لصحة السند يكفي الاحتمال لأن من يدعي ثبوت الموضوع أي دخول الاستمناء في الممارسات الأخلاقية غير اللائقة يحتاج إلى إثبات ذلك بدليل تام.

اما النفي فيكفيه الشك في تحقق الموضوع أي في دخول الاستمناء تحت عنوان الممارسة الجنسية غير اللائقة ويعزز هذا الشك مثل هذه الرواية أو الرواية الأخرى الموجودة في مصادر العامة، من أن أصحاب النبي (ص) كانوا يستخدمون الاستمناء في الغزوات، إذن لم يثبت أن هذا غير لائق بحسب الأعراف والتقاليد الاجتماعية حينذاك.

وقد سلم صاحب هذا الوجه ورود هذا الاشكال، وأن الآيتين الكريمتين: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)() لا تثبتان كون الاستمناء ضمن الممارسة الجنسية غير اللائقة، فصدر الآية يفسر بحفظ الفرج من الممارسة الجنسية غير اللائقة ولا يدل ذلك على حرمة الاستمناء، ولكنه استدل على حرمته بذيل الآية (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)() أي من طلب غير الأزواج وملك اليمين - المستثنى من وجوب الحفظ - يعد عادياً وظالماً، ويدخل في غيرهما الاستمناء بلا ريب فتكون الآية دالة على حرمة الاستمناء بهذا التقريب().

وسيأتي الكلام عن ذلك وبيان عدم تمامية الدلالة في المقام الثاني عند الكلام عن متعلق الابتغاء.

الاتجاه السادس: المتعلق الثاني للحفظ هو خلاف ما ينتظر من الفرج.

هذا الرأي لسيد أساتذتنا(ره) في تقريرات بحثه في كتاب النكاح: (الحفظ لما كان بمعنى الاهتمام بالشيء كي لا يقع في خلاف ما ينتظره، كان مدلول الآية الكريمة أنه لا بد من التحفظ على الفرج من الزنا وحيث أن النظر إليهن مع الريبة يجعل العورة في معرض الزنا كان مشمولا للنهي)().

وحاصله ان الحفظ كناية عن الاهتمام بالفرج وان المتعلق الثاني للحفظ ما يكون مخالفا لوظيفة الفرج فيكون الاستمناء مصداقا لمخالفة وظيفة الفرج.

وهذا الاتجاه لو تم، لا دلالة للآية فيه على حرمة الاستمناء، لأن مخالفة ما ينتظر من الفرج انما تكون في طول تحديد نفس وظيفة الفرج وما ينتظر منه، فإذا لم يخرج الاستمناء عن تلك الوظيفة فلا دلالة في الآية على حرمته.

فما هو الذي ينتظر من الفرج او ما هي وظيفة الفرج؟ حتى نعرف ما يخالف ذلك وان الاستمناء منه أم لا؟ وهل المقصود بما ينتظر من الفرج أو وظيفة الفرج ما يباح كما يظهر من خلال التمثيل بالزنا أو المقصود الوظيفة الطبيعية للفرج.

فاذا كان المقصود المباح لم يثبت ان الاستمناء حرام لان كونه غير مباح وخلاف ما ينتظر من الفرج أول الكلام، واذا كان المقصود الوظيفة الطبيعية فما هي وظيفة الفرج الطبيعية؟ هل هي انجاب الاولاد فحسب؟ أم ممارسة الجنس مع طرف غير مماثل فقط؟ أم مطلق الاستمتاع الجنسي ولو بشرط ان لا يكون مع المماثل فحسب؟ ام الجميع؟

فاذا كانت وظيفة الفرج الطبيعية انجاب الاولاد فحسب نتج حرمة الاستمناء بل حرمة العزل الذي لا شك في جوازه فقهيا في الجملة، واذا كانت وظيفته ممارسة الجنس مع طرف مخالف دل هذا الوجه على حرمة الاستمناء، لكن لا معين لوظيفة الفرج في ذلك بل وظيفة الفرج مزدوجة من الانجاب ومن مطلق الاستمتاع الجنسي، نعم الممارسة الجنسية مع المماثل خلاف الوظيفة الطبيعية للفرج وعلى أي تقدير لا يكون الاستمناء مخالفا لوظيفة الفرج ولا يتنافى مع حفظه لكونه طريقا للحصول على المتعة الجنسية بدرجة ما، كما انه ليس ممارسة مع المماثل.

الاتجاه السابع: المتعلق الثاني للحفظ مطلق الاستمتاع الجنسي.

هذا الرأي لسيد أساتذتنا(قده) أيضاً، جاء في تقريرات بحوثه: (حيث تقدم أن مقتضى هذه الآية " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ " () وقوله تعالى: " وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ " (المؤمنون:5) هو حرمة جميع الاستمتاعات الجنسية على الرجل على الإطلاق بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة على تفصيل قد مر)().

وهذا الاتجاه ينتج دلالة الآية على حرمة الاستمناء، إذ يجب الحفظ عن جميع الاستمتاعات الجنسية إلا ما يكون مع الزوجة أو المملوكة فيدخل في عقد المستثنى الاستمناء بلا ريب فيكون حراماً بل يحرم مطلق العبث بالآلة التناسلية الموجب للذة الجنسية ويشمل ذلك الرجل والمرأة بناء على عموم الآية لهما لكنه (ره) يخصص الحرمة المستفادة من الآية بالرجل وسنبحث ذلك لاحقا.

ثم أنه نوقش: (أن المقصود بحفظ الفرج وإن كان هو عدم استخدامه في ممارسة الجنس إلا أنه ليس ظاهراً في ترك استخدامه فيها مطلقاً ليكون استثناء ممارسته مع الزوجة والمملوكة استثناءاً حقيقياً وتخصيصاً في دليل لزوم حفظ الفرج، بل المنساق إليه عرفاً كما أشير إليه آنفاً- هو أنه كناية عن استخدام الفرج في الممارسة الجنسية التي لا تليق بصاحبه وتعد أمراً مشيناً بالنسبة إليه، ولذلك ورد الأمر بحفظ الفرج ومدح المؤمنون والمؤمنات في آيات قرآنية أخرى من دون استثناء كقوله تعالى (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ)() مما يؤكد اختصاص هذا العنوان - حفظ الفرج - بترك الممارسة الجنسية غير اللائقة، وعلى ذلك فاستثناء الزوجة والمملوكة في الآية الثانية لا يعدو كونه استثناءاً صورياً أي من قبيل الاستثناء المنقطع على خلاف ما هو الأصل في الاستثناء من أن يكون متصلاً لا منقطعاً)().

وفي تقريرات بحوث سيد أساتذتنا(ره) في كتاب الطهارة جاءت العبارة كالتالي: (حيث دلت على وجوب حفظ الفرج عن كلما يترقب منه من الاستلذاذات، إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوة الشهوية والطبع البشري وذلك لأن حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيد بجهة دون جهة)().

وهنا بين وجه الاستدلال بالآية ولماذا اختار هذا الوجه من التفسير، فالمراد من حفظ الفرج، الحفظ من جميع الاستمتاعات لعدم تقييده بجهة دون جهة، وبعبارة أخرى قل: أن المتعلق الثاني للحفظ غير مذكور وحذفه كما شاع بين الفقهاء دليل على الإطلاق، فيكون المتعلق الثاني للحفظ جميع الاستمتاعات.

اقول: لا شك انه إذا تعين المتعلق بقرينة ما فلا سبيل للاطلاق الا في حدود ذلك المتعلق.

ومن هنا ربما
قرب تحديد المتعلق بجميع الاستمتاعات الجنسية بما يلي: (أن الفرج لما كان آلة لممارسة الجنس، فالمنساق من توصيف المؤمن والمصلي بأنه يحافظ على فرجه إلا على حليلته هو أنه لا يستخدم فرجه في ممارسة الجنس إلا معها، فكل ممارسة جنسية أخرى من الزنا واللواط والاستمناء ونكاح البهيمة والتفخيذ ولو من وراء الثوب تندرج من عقد المستثنى منه وهي الآية الكريمة الأولى فتكون محرمة، للزوم الحفظ المستفاد من سياقها والذي أكدته الآية الثالثة أي قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) لأن المشار إليه فيها بلفظ "ذلك" هو المذكور في عقد المستثنى في الآية الثانية، فيكون مفادها حرمة ممارسة الجنس بالفرج إذا لم تكن مع الحليلة، ويندرج في ذلك الاستمناء فيكون محرماً وهذا هو المطلوب)().

وستأتي مناقشة هذا التقريب في الاتجاه العاشر: وأن المتعلق الثاني للحفظ ليس مطلق الممارسة الجنسية.

وهذا الاتجاه لو تم لدلت الآية فيه على حرمة الاستمناء، إلا انه غير تام عندنا وستعرف ما يرد عليه في بيان الاتجاه العاشر.

الاتجاه الثامن: المتعلق الثاني للحفظ ينحصر في الغير ولا يكون عن النفس.

جاء في " بحث حول جنابة المرأة " :

(حكي عن السيد الاستاذ قدس سره في اخريات حياته المباركة من ان الاية الكريمة إنما تدل على وجوب حفظ الفرج، والحفظ إنما يكون عن الغير لا عن النفس فأنه لا يسمى حفظاً في العرف، فيقال بناءاً على ذلك ان الاستمناء بدلك العضو التناسلي باليد ونحوها الذي هو ممارسة جنسية مع النفس ليس مندرجاً في عقد المستثنى منه من الآية الكريمة فلا يثبت تحريمة بها فينحصر الدليل على تحريمه في الروايات الآتية)().

أقول: لعل هذا الاتجاه عبارة عن توضيح للاتجاه السادس وان المتعلق الثاني للحفظ هو خلاف ما ينتظر من الفرج وذلك لا يكون إلا مع الغير باعتبار أن ما يكون مع النفس (الاستمناء) لا يدخل في اطار (خلاف ما ينتظر من الفرج).

أو أنه عدول وتقييد للاتجاه السابع في المتعلق الثاني للحفظ فيكون المتعلق الثاني للحفظ في هذا الاتجاه عبارة عن جميع الاستمتاعات الجنسية المرتبطة بالغير خاصة.

ونوقش بالتالي: (ما افاده قدس سره محل نظر إذ ليس المقصود بالحفظ هنا الصون عن الاعتداء ونحوه ليقال أنه لا معنى للصون عن النفس، بل هو كناية عن عدم استخدام الفرج فيما يشين صاحبه ولا يليق به، فهو بمفهومه لا يقتضي أن يكون الاستخدام مع الغير، ويظهر ذلك بمقايسته مع حفظ غير الفرج من أعضاء الجسم كاللسان واليد، فكما أن معنى حفظ اللسان هو عدم التكلم به بما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كالتفوه بكلمة الكفر، وكذلك معنى حفظ اليد هو أن لا يرتكب بها ما لا ينبغي وإن لم يكن مع الغير كقتل النفس، كذلك معنى حفظ الفرج هو عدم استخدامه فيما لا ينبغي، وليس مقتضى هذا المعنى في حد ذاته اختصاصه بما إذا كان الاستخدام مع الغير من انسان أو بهيمة)().

وحاصل المناقشة أن المتعلق الثاني للحفظ ليس الاعتداء بل كل مشين، وهو يتصور عن الغير وعن النفس، نظير حفظ اللسان عن كل ما يشينه وإن لم يكن مع الغير، ككلمة الكفر، وحفظ اليد عن كل ما يشين وإن كان مع النفس كقتلها باليد، إذن الحفظ ليس لازماً أن يكون عن الغير، ممكن أن يكون عن النفس.

يلاحظ على هذه المناقشة:-

أولا:- ان المتعلق الثاني للحفظ هو الاعتداء كما سيأتي البرهان عليه في الاتجاه العاشر.

وثانيا:- أن ما ذكر وهو (حفظ اللسان من قول الكفر وكل ما يشين) ويدخل في ضمن ذلك الكذب وغيره، أليس هذا من الظلم للغير؟ ظلم لذات الباري سبحانه وتعالى؟ أليس الشرك ظلماً عظيماً؟ الشرك من الظلم، ظلم للنفس ولله سبحانه تعالى، كذلك (قتل النفس باليد ظلم للمولى سبحانه بلحاظ العصيان، فلا يبقى فارق كبير بين فرض كون المتعلق ما يشين أو الظلم فيتصور في كليهما ان يكون مع النفس كما يتصور ان يكون مع الغير.

ويمكن للسيد الخوئي (قده) ان يجيب بجوابين بعد الاختلاف في تحديد المتعلق:-

الجواب الاول: ان الحفظ عن العدوان وان كان يشمل النفس والغير على حد سواء ولكن المتعلق الثاني للحفظ لما كان هو الاعتداء الجنسي لم يتصور بشأنه ان يكون مع النفس إذ الممارسة الجنسية التي قد تتصف بالعدوان هي خصوص ما يكون مع طرف آخر لا ما يكون مع النفس.

الجواب الثاني: أن المنصرف من الحفظ عرفاً هو ما كان عن طرف مقابل لا ما كان عن النفس، فإذا قيل أحفظ لسانك، المفهوم والمنساق من هذا التعبير لا تعتدي بلسانك على الآخرين، أحفظ يدك عن الآخرين أيضاً هكذا، وقتل النفس باليد وإن كان من المحرمات الكبيرة، إلا أنه مع ذلك لا يفهم من (حفظ اليد) حفظها عن النفس وذلك لا يستلزم جواز قتل النفس إذ لا مفهوم للجملة في ذلك.

الاتجاه التاسع: إجمال المتعلق الثاني للحفظ لتردده بين عدة معاني.

وهو لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (رحمة الله عليه) لما رأى تعدد الوجوه والاحتمالات في المتعلق الثاني لحفظ الفرج، الحفظ من الحرام، من الزنا، من المواقعة، من الممارسة الجنسية غير اللائقة،........الـخ ، أفاد في مجلس درسه الشريف ما يلي: حيث ان المتعلق مردد بين معاني عديدة وأمور متكثرة فلا يمكننا أن نأخذ بالإطلاق، لأن الأخذ به يتوقف على تحديد المتعلق في المرحلة الأولى، فلابد أن نحدد متعلق الآية أولاً فإذا عرفناه حينئذٍ نأخذ بإطلاقه، وحذف المتعلق ليس دليلاً على الإطلاق.

قال إن: (حذف المتعلق لا يدل على الإطلاق) بشكل عام وكقاعدة عامة على خلاف المعروف بين الفقهاء، وقد سبقه أستاذه في كتاب الطهارة إلى بيان هذه الفكرة إذ قال: (أن حذف المتعلق لا يدل على الإطلاق، وإنما الإطلاق نأخذه في طول تحديد المتعلق)()

على هذا الأساس وصل إلى هذه النتيجة: بما أن المتعلق مردد بين أكثر من معنى، فالآية مجملة من ناحية ارتباطها بالاستمناء وعدم ارتباطها به، فليست ظاهرة في إثبات حرمة الاستمناء، وانتهى إلى انه لا يمكن بها اثبات حرمة الاستمناء لا للرجل ولا للمرأة.

الاتجاه العاشر وهو التفسير الصحيح: المتعلق الثاني للحفظ هو العدوان العرفي.

لنرجع إلى السؤال الذي طرحناه سابقا والذي يعد مفتاحاً لفهم الآية ليتضح ارتباط أو عدم ارتباط الآية بالاستمناء.

ما هو المتعلق الثاني للحفظ؟

تمهيد

مادة (ح ف ظ) في الغالب يكون لها متعديان او متعلقان الاول عادة ما يذكر في الكلام والثاني يقدر في اغلب الاستعمالات ولكنه قد يصرح به.

اما التصريح بالمتعلقين معا فله نظائر:-

  1. (وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:17) المتعلق الاول هو الضمير (ها) العائد للسماء والمتعلق الثاني المحفوظ منه هو (كل شيطان).
  2. (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)(الرعد: من الآية11) فالمتعلق الاول هو الضمير العائد للموصول (من) المذكور في الاية السابقة والمقصود به الانسان، والمتعلق الثاني هو قوله تعالى: (أَمْرِ اللَّهِ) أي ان الملائكة يحفظون الانسان من الهلاك والضياع ونحو ذلك من البلايا التي هي (امر الله).
  3. (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (الصافات:6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) (الصافات:7) أي حفظا للسماء من كل شيطان مارد فالمتعلق الاول بقوة المذكور لسبق ذكره والمتعلق الثاني كل شيطان مارد.

ويلاحظ ان الحفظ تارة يتعدى للمتعلق الاول بدون حرف جر كما في الآيتين الأولى والثانية وتارة أخرى يتعدى بحرف (اللام) كما في الآية الثالثة إذ التقدير حفظا للسماء، وهنا نذكر بعض الامثلة الاضافية غير انه صرح فيها بالمتعلق الاول وقدر الثاني كما يلي:-

  1. (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ)(النساء: من الآية34).
  2. ( وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)(التوبة: من الآية112).
  3. (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(يوسف: من الآية12).

وتارة ثالثة يتعدى بحرف (على) وله نظائر:-

1- (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) (البقرة:238)
2-(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون:9).

3- (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(سـبأ: من الآية21).

4- (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) (الشورى:6).

5- (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )(الأنعام: من الآية107).
6- (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)
(سـبأ: من الآية21).

بعدما عرفت من التمهيد يتبين ان المتعلق الاول للحفظ في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) (المؤمنون:5) واضح للتصريح به وهو(فُرُوجِهِمْ)، والمتعلق الثاني للحفظ اعني الجهة التي يطلب الحفظ عنها مقدرة غير مصرح بها في الكلام وهي بنظرنا الظلم والعدوان الجنسي بحسب الميزان العرفي وقت نزول الآيات الداعية للحفظ، وذلك لعدة قرائن:-

القرينة الأولى: أن نفس الحفظ في مثل هذا السياق المرتبط بالجوارح كاللسان أو اليد أو الفرج يفهم منه عرفاً هذا المعنى أو ينصرف إليه.

فمقولة (احفظ لسانك) أو (احفظ يدك) أو (احفظ فرجك) يفهم منها طلب الحفظ من
الظلم وصونه من العدوان على الآخرين بميزان العرف العقلائي، أي لا تكذب بلسانك على الآخرين، لا تسبهم، لا تضربهم ونحو ذلك بل ربما شمل حفظ مثل اللسان واليد عن ظلم النفس كقتلها، لكن ما أفاده سيد أساتذتنا (قده) من أن المراد من حفظ الفرج هو ما يكون عن الغير خاصة صحيح لأن الحفظ من الاعتداء وان كان يتصور في الاعتداء على النفس كما هو على الغير، لكن في الموضوع الجنسي لا يتصور فيه الاعتداء على النفس بدون طرف آخر.

القرينة الثانية:

تتكفل الجواب على سؤال ما هو المتعلق النحوي لشبه الجملة (الجار والمجرور) في قوله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ)؟ وفي ذلك نكتة لطيفة وفائدة دقيقة لم أجد أحدا تنبه لها.

فقد عرفت ان مادة (ح ف ظ) بكل اشتقاقاتها تتعدى للمفعول به الاول بدون حرف جر كقولك (احفظ مالك وعرضك) أو بحرف (على) كقولك (حافظ على نظافة بيتك) أو (على مالك) ونحو ذلك ومن القرآن قوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المعارج:34).

او بحرف (اللام) كقوله تعالى: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(يوسف: من الآية12). وقد تقدم نقل عدة شواهد من القران الكريم.

لكن مادة (ح ف ظ) لا تتعدى للمفعول الثاني بدون حرف جر كما لا تتعدى بحرف (على) بل تتعدى بحرف (من) أو حرف (عن) فتقول (احفظ مالك عن الضياع) أو (حافظ على نظافة بيتك من الاوساخ)، فلفظ (الحفظ) يتعدى للمتعلق الثاني بخصوص حرفي (من) و(عن) فلا يقال: (احفظ زوجتك على الاجانب) بل (عن الاجانب).

وقد ورد في القرآن الكريم تعدي الحفظ للثاني بحرف (من) كقوله تعالى:(وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:17).

فلفظ (الحفظ) ليس المتعلق النحوي للجار والجرور لانه لا يتعدى للمتعلق الثاني بحرف (على) فيتعين أن يكون المتعلق الثاني للحفظ محذوفا مقدرا وصالحا للتعدي بحرف (على) ليكون متعلقا لحرف الجر (على) مع مجروره ، مضافا لوجوب مناسبة معناه لتعلق حفظ الفرج به.

فما هو المتعلق الحائز على تينك الميزتين؟

المعنى المناسب هو العدوان أو الاعتداء ونحوهما من الاشتقاقات فهو مناسب لتعلق حفظ الفرج به ويتعدى بحرف الجر (على) فيكون معنى الاية الكريمة والله العالم هو(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ -عن العدوان أو الاعتداء- إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ).

اذ كل ما عدا (الاعتداء، أو العدوان او نحو ذلك من الاشتقاقات المناسبة) من المتعلقات التي ذكرت لا تتعدى بحرف الجر (على) فالزنا لايتعدى بحرف (على) اذ يقال: الزنا بالمرأة، وليس على المرأة، وكذلك الاستمتاع الجنسي لا يتعدى بحرف (على) يقال: الاستمتاع بالمرأة وليس عليها، نعم الحرام يتعدى بحرف (على) ولكن متعداه هو المكلف وليس موضوع التكليف فيقال (يحرم على الانسان الزنا مثلا) ولا يقال (يحرم على الزنا مثلا) فعلى تقدير ان المتعلق الثاني للحفظ هو الحرام يكون معنى الاية الكريمة (يجب حفظ الفرج من الحرام الا حراما على الازواج) وهذا التركيب اللغوي واضح البطلان.

مضافا للاشكال الخاص الذي مر ذكره في الايراد على الاتجاه الأول.

الوقع أو الوقاع أو المواقعة واشتقاقاتها المناسبة تتعدى بحرف الجر (على) لكن المواقعة لا تسند للعضو التناسلي (الفرج) فلا يقال وقع فرج الرجل على المرأة وانما يسند الوقاع لنفس الرجل فيقال وقع الرجل على المرأة في حين ان المسند اليه في الآية الكريمة هو الفرج فلا يصلح ان يكون الوقع متعلقا للحفظ مضافا لاختصاصه بالرجل حينئذٍ، لأنه يقال وقع الرجل على المرأة كتعبير كنائي عن الوطء، ولا يقال وقعت المرأة على الرجل، مع أن الآية عامة للرجل والمرأة كما سيأتي بيانه وعلى تقدير تماميته تنسلخ الآية على هذا التقدير عن الدلالة على حرمة الاستمناء.

اما سائر المتعلقات الأخرى فهي أيضاً لا تصلح لتعلق حرف الجر (على) فالصحيح أن المتعلق هو الاعتداء.

فيكون المعنى والله العالم (والذين هم لفروجهم حافظون عن الاعتداء على الغير الا على ازواجهم).

والاعتداء حقيقي بحسب عقد المستثنى منه ومجازي تنزيلي بحسب عقد المستثنى نظير قوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)() فهذا تعبير مجازي، لأن ردك على من ظلمك لا يكون اعتداءاً، وما نحن فيه أيضاً كذلك، فجملة ( أحفظ فرجك عن الاعتداء إلا اعتداءاً وعدواناً على الزوجة أو ما ملكت يمينك) فيها نحو من التجوز بالنسبة للزوجة وملك اليمين فيكون الاستثناء منقطعا.

لا يقال: يلزم ان تكون القضية بشرط المحمول لأنها في قوة قولك (العدوان عدوان أو الحرام حرام)، فلا تكون الجملة مفيدة لمعنى جديد وفيها من الركاكة ما لا يخفى.

لأنا نقول: الموضوع هو الاعتداء بنظر العقلاء، والمحمول هو الاعتداء بنظر الشرع أو قل: المقدم هو العدوان العرفي العقلائي والتالي هو العدوان الشرعي فليست القضية بشرط المحمول.

والقول بأن المتعلق الثاني للحفظ الاعتداء لا ربط له باشكال القضية بشرط المحمول، إذ ليس المقصود (الاعتداء الشرعي اعتداء شرعي) (او الاعتداء العرفي اعتداء عرفي) بل المقصود ما كان اعتداء بحسب الفهم العام فهو اعتداء وحرام شرعا، والاعتداء بميزان الفهم العام قد يكون متغذيا بمنبع الشريعة التي تؤثر في صياغة الثقافة والتوجه العام والذوق عند ابناء الشريعة بل عموم من يعيش معهم وان لم يكن منهم.

فيكون المعنى هذا الذي تجدونه بذوقكم ظلما وعدوانا مرفوض وممنوع شرعا حتى وان كان بعض مصاديق الاعتداء العرفي تم بيان حكمها سابقا ببيانات اخرى، فليكن التحريم بالنسبة للمصاديق العدوانية المتغذية تاكيدا لحكم الحرمة وبالنسبة لغيرها تأسيسا، فلا لغوية في التعبير كما في مقولة الحرام حرام.

وقد تسأل على هذا لا تدل الآية على حرمة بذل المرأة نفسها للرجل لانتفاء عنوان الاعتداء؟

والجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن ممارسة الجنس مع الطرف الآخر يعد اعتداءاً سواء صدر من الرجل للمرأة أو العكس، فكلاهما يعد معتدياً مع رضا الطرف المقابل أو مع عدمه، وإن كان أوضح المصاديق ما يحدث بدون رضا الطرف المقابل، أو مع مماثلة الطرف الثاني، فالفاعل معتدي وإن كان أقل وضوحاً مع رضا الطرف الاخر، وآخر درجة من درجات وضوح الاعتداء هو بذل المرأة نفسها للرجل، لكنه يبقى اعتداءاً بلحاظ القيم الأخلاقية والثقافة الاجتماعية السائدة وقت نزول الايات، إذن هنا ثلاث درجات من الوضوح الأولى الاغتصاب، الثانية مع مماثلة الشريك وان كان برضاه، الثالثة ممارسة الرجل الجنس مع المرأة برضاهما، واخفاها اخيرها لكنها جميعاً داخلة في دائرة الاعتداء.

هذا كله مع فرض ارادة خصوص الاعتداء الصدوري اما مع الشمول للصدوري والاستقبالي فالامر اوضح كما ستلاحظ في الوجه الثاني.

إذن: (الذين هم لفروجهم حافظون) حافظون من الاعتداء بممارسة الجنس مع طرف آخر وميزان الاعتداء القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة آنذاك.

فممارسة الجنس مع طرف آخر غير راض به يعد اعتداء بوضوح فيكون الاعتداء حقيقيا في جانب عقد المستثنى بهذا اللحاظ، لكنه مع طرف راض به لا يعد اعتداء عليه عرفا من ناحية شخصية بحتة، أجل يعد اعتداء على القيم والأخلاق الاجتماعية بل ربما صدق الاعتداء على نفس الشخص من ناحية انتهاك شأنه وشخصيته الاجتماعية فالآية الكريمة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) أي حافظون من العدوان أو الاعتداء الجنسي بحسب الميزان العرفي والعقلائي القائم وقت نزول الآية.

الوجه الثاني: ان المتعلق الثاني للحفظ مطلق الاعتداء سواء الصدوري أو الاستقبالي، فكما يجب حفظ الفرج عن الاعتداء به على الغير كذلك يجب حفظ الفرج عن اعتداء الغير عليه، فان لم يصدق على ممارسة زنا المرأة برضاها اعتداء منها على الرجل فهو سماح باعتداء الرجل عليها.

الا ان يدعى ان معنى (الاعتداء على طرف آخر) مغاير لمعنى (اعتداء الطرف الاخر على النفس) فيلزم منه استعمال اللفظ في معنيين وهو غير صحيح أو خلاف الظاهر جدا على تقدير صحته.

الوجه الثالث: أن نبدي تنازلاً عن الجواب بالوجه الأول ونسلم بأن صدق الاعتداء في حالة التراضي واختلاف الجنسين غير واضح، ونفترض أن القيم العربية قبل الإسلام وقبل نزول الشريعة لا تراه اعتداء ولم يكن يُعدُّ عندهم اعتداء.

أقول: وإن سلمنا بذلك فإن الاعتداء مطعم بذوق الشريعة إذ أن الآية الكريمة لم تكن أول تشريع يرتبط بالحالة الجنسية، فقبلها نزلت آيات تشريع حرمة الزنا واللواط وأمثال ذلك فهي لم تأت ضمن بداية الشريعة وإنما جاءت بعد نزول تشريعات كثيرة، والذي يشهد بذلك أن هذه الآيات وردت ضمن بيان صفات المؤمنين إذ أنهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة... وأمثال ذلك من التشريعات، هذا السياق واضح في أنها إنما جاءت بعد وجود جو من تشريعات عديدة. إذن لتكن ممارسة الجنس مع طرف آخر راض مخالف في الجنس ليست أمراً عدائيا في الزمن الجاهليوحسب الثقافة التي كانت قبل نزول الشريعة إلا أنه يكفينا كونه اعتداءاً بإضافة حس الشريعة وذوقها، أي أن التشريعات التي نزلت قبل نزول هذه الآيات حول تحريم الزنا واللواط وأمثال ذلك هذه تجعل فهم الاعتداء والعدوان واضحاً من عملية الزنا واللواط وإن كان برضا الطرفين فيندفع هذا الإشكال.

والخلاصة ان مصاديق الاعتداء تختلف درجاتها فالاغتصاب اعتداء على القيم الخلقية وعلى الشخص والممارسة الجنسية مع رضا الشخص قد لا تدخل تحت اطار الاعتداء الشخصي بغض النظر عن عواقب ارتكاب الحرام الاخروية لكن هذه الممارسة الجنسية تعتبر اعتداء خلقيا قيميا.

ولعل هذا هو الفارق في مستوى البشاعة بين زنا الاغتصاب والزنا المجرد منه.

الوجه الرابع: هب ان الآية لا تدل على حرمة مثل بذل المرأة للرجل لكنها لا تدل على الجواز، إذ لا مفهوم لها فيكفي لاثبات حرمة ذلك مثل قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)().

القرينة الثالثة: يمكن أن نؤيد هذا المعنى إضافة إلى ما سبق، بما ورد من حفظ الفرج في آيات أخرى بلا استثناء الأزواج وملك اليمين كقوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)() وقوله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...)() وقوله تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ)().

نلاحظ في هذه الآيات إطلاق الأمر بالحفظ، وذلك يناسب فكرة كون العدوان والاعتداء متعلقاً للحفظ، فلو كان المتعلق الثاني للحفظ مثل الوطء لكان عدم الاستثناء في الآيات الأخرى فيه مستوى من الغرابة، فحاصل طلب حفظ الفرج على هذا التقدير طلب ترك الممارسة الجنسية مطلقا فلو طلب من شخص الامتناع عن الممارسة الجنسية لفهم ضمنا ترك الزواج أو الزوجة فالأنسب حينئذٍ التصريح باستثناء الأزواج وملك اليمين كلما ذكر حفظ الفرج فإطلاق الحفظ بلا استثناء إنما يكون مبرراً في الآيات الأخرى على تقدير كون المتعلق الثاني للحفظ الاعتداء والعدوان، إذ ممارسة الجنس مع الزوجة ليس اعتداءاً فاستثناؤه ليس ضرورياً ويكفي للتوضيح بالاستثناء المنقطع آية واحدة أو آيتان وعلى هذا فالآيتان (6،5) من سورة المؤمنون لا دلالة فيها على حرمة الاستمناء.()

القرينة الرابعة: وربما يؤكد أن المقصود من حفظ الفرج هو صونه من الاعتداء – ولو بنحو التأييد - ما ورد في سورة التحريم: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ)() لاحظ كلمة (أَحْصَنَتْ) الإحصان من ماذا؟ من الاعتداء الجنسي عليها أي لم يمسها أحد.

القرينة الخامسة: قوله تعالى: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)() فيها إشعار بالمتعلق، فكلمة (الْعَادُونَ) يعد قرينة لتحديد المتعلق من الحفظ، غاية ما في الأمر أن الاعتداء العرفي اعتداء شرعي، فيكون من جملة الاعراف أو التشريعات السائدة التي اقرها الإسلام.

إن قلتَ: يلزم من هذا الاتجاه انقطاع الاستثناء؟ قلتُ: لا بأس بذلك ما دامت القرائن متوفرة ومعينة لهذا المعنى وإنما الضير في المصير لانقطاع الاستثناء مع فقد القرينة عليه.

مصاديق الاعتداء الجنسي وحدوده

على أساس هذه القرائن -ولو بحسب مجموعها أو التام منها- تدل الآية الكريمة على حرمة الاغتصاب بالزنا أو اللواط أو السحاق أو التفخيذ ونحو ذلك لوضوح دخوله تحت عنوان الاعتداء على الغير من الناحيتين الشخصية والقيمية، كما تدل على حرمة غير الاغتصابي منه لانه اعتداء على القيم الخلقية السائدة وقت نزول الآيات وأوضحه الممارسة مع المماثل، كل هذه العناوين نستطيع أن نفهم حرمتها لأنها تتضمن معنى الاعتداء، إلا أن الآية الكريمة لا تدل على حرمة الاستمناء، لأنه لا يحمل معنى الاعتداء، فالاستمناء ليس عدواناً لا على الغير وهذا واضح، ولا على النفس بحسب الميزان العرفي.

السبت، 30 أغسطس 2008

سؤال وتعليق

سماحة العلامة السيد علوي الموسوي البلادي دامت إفاضاته

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أثار موضوعكم المنشور في مدونتكم حول تعدد بداية شهر رمضان جدلا في بعض المنتديات ومنها ملتقى البحرين وسأنقل لكم بعض تلك المداخلات راجيا من سماحتكم التعليق عليها مع الشكر الجزيل لكم

(أنا أقترح بأن يتفق العلماء على الإجتماع بشكل موحد لرصد الهلال على أن لا يبدي المخالفون لرأي الأغلبية رأيهم بل يحتفظون به لأنفسهم و يعملون به كتكليف شرعي لهم و لا يعلنونه من أجل وحدة الهلال ووحدة الطائفةو هذا برأيي هو الحل العملي.
لأن بصراحة صرنا مسخرة للي يسوى و اللي ما يسوى و شفوا تعليقات منتدى مملكة البحرين الطائفي على تعدد الهلال عندنا.)

الداعي لكم بكل خير................

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حقا لقد تحول المنكر معروفا والمعروف منكرا

أخي الكريم توحيد الناس في أول الصيام والفطر وباقي المناسبات نابعة من الأهواء السياسية للحكام المستبدين الذين يخططون لتأميم المؤسسة الدينية وإلغاء استقلالها واستقلال الناس في عباداتهم فما فتئت أبواق السلطات العربية والاستبدادية في النعيق بضرورة ذلك التوحيد في الصوم والعيد اما اصل توحيد الله وعبادته باستقلال العبد فهذا لا يهم ولا بأس بضربه لصالح السياسة فقد أثرت وسائل الإعلام في قلب المعروف منكرا والمنكر معروفا مع الأسف الشديد ولا ينقضي عجبي من تخيل الناس ضرورة الاتفاق على بداية الصوم والفطر في حين تسعى بعض السلطات لتكريس التفرقة والتمييز الطائفي من أوسع أبوابه لماذا لا يوحدوا معاملتهم مع المواطنين ولا يميزوا بينهم على أساس المذهب والعقيدة السياسية؟

ولكن يهمهم جدا توحد المواطنين في طاعة السلطان حتى في بداية الصوم والفطر.

ان حكام زماننا أسوء من حكام بني أمية حيث لم يلزموا الناس برأي السياسة في إثبات الهلال كما يتضح من خلال القصة التي نقلناها في المقال اما في زماننا السيئ فعلينا ان نوافق على كل ما تطلبه السياسة وان كانت ضد الدين والقيم.

قراءة سريعة في تاريخ المسلمين تكشف كما أوضحنا في مقالنا كيف كان المسلمون على اختلاف مذاهبهم يتعاملون بالتعدد كحالة طبيعية دون نكير.

والاتجاهات الفقهية عند مذاهب أهل السنة واضحة جدا في اختلاف وسائل إثبات الهلال ولكن تم تغييب كل تلك الآراء وإذابتها في مؤسسة رسمية تزيح آراء المذاهب وتفرض رأي الحنابلة على غيرهم والآن يراد للشيعة ان يلتحقوا بالركب وحينها لن تسمع باختلاف مع إطلالة مصادرة حرية الناس الدينية وتأميم المؤسسة الدينية.

ولأعلق بشكل سريع على الاقتراح الذي نقلته بما يلي:-

إذا اجتمع العلماء واختلفوا في ثبوت الهلال فما هو اقتراحك هل يعلن ثبوت الهلال عند المجتمعين؟ أم عند الاكثرية؟ كيف سيتم الإعلان؟

ثم إذا انقسموا بالتساوي ما هو العمل؟

وإذا ثبت الهلال عند الأكثرية مثلا وكان رأي السيد الوداعي حفظه الله أو الشيخ عيسى قاسم رعاه الله مثلا عدم ثبوت الهلال فما هو العمل هل يرفض إقامة صلاة العيد؟ وكيف يتكتم على رأيه وما هو العمل؟

وإذا خرج احد العلماء برأي مخالف وسأله بعض الناس عن رأيه ماذا يقول لهم؟

لنفرض اجتمع العلماء وتمت رؤية الهلال بالعين المسلحة (بالمنظار) دون المجردة والمراجع مختلفون في كفاية ذلك في الإثبات وعدمه فهل يصح شرعا ان يورطوا الناس أو ان يبينوا لهم ثبوت الهلال حسب مقلدي القائلين بكفاية الرؤية بالمنظار وعدم ثبوتها حسب مقلدي غيرهم؟

حالة أخرى:

رؤي الهلال مطوقا فهو دليل على انه لليلة الثانية عند بعض الفقهاء كالسيد الخوئي رحمه الله تعالى ولكنه ليس دليلا على ذلك عند آخرين كالسيد السيستاني حفظه الله فما هو اقتراحك في هذه الحالة؟

اما قولك (صرنا مسخرة للي يسوى و اللي ما يسوى و شفوا تعليقات منتدى مملكة البحرين الطائفي على تعدد الهلال عندنا)

فهذا سببه أنهم سلموا للحكومة فهم يسخرون من كل من لا يتابعها وإلا فمذاهبهم الفقهية مختلفة جدا في وسائل الإثبات كما اوضحناه والمطلوب هو انصهار المؤسسة الدينية في هوى السياسة لتحكم الدين وتطويع قرارات الدين لتكون رسمية على مقاس هوى السياسيين يقرون ما يشاؤن ويتركون ما يشاؤن وقد نجحوا في صهر المؤسسة الدينية وبقي أتباع مدرسة أهل البيت.

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

التعددية في بداية شهر رمضان

فكرة قيام لجنة شيعية أو سنية أو مشتركة بينهما لتوحيد الهلال والمناسبات لا تروق لي ولي عليها تحفظ فلست أغالي إذا ما قلت:

فكرة توحيد المسلمين بداية شهر رمضان وعيد الفطر والأضحى ربما تنطلق من الفكر الشمولي الذي ابتليت به هذه الأمة ففي السياسة ترى اعتماد آلية الإجماع في المؤسسات العربية والإقليمية لاتخاذ القرار على مستوى الدول المشاركة في تلك المؤسسات.

وفي داخل الدول المتأخرة لا ترى سوى دعاوى الإجماع أو إذا حصل تواضع فنسبة الذين صوتوا للرئيس معروفة (تسعة وتسعين فاصلة تسعة).

وهكذا معارضة سياسات الحكومة (الرشيدة) شق لعصا الطاعة وخروج عن الجماعة فلله الحمد والمنة لا معارضة لحكومات دول العالم الثالث فالكل متفق مع وجهة
النظر الرسمية وكل شيء على ما يرام وعلى كل مواطن ان يقدم فروض الطاعة والولاء للحكومة وان يصبح شاكرا لها ويمسي حامدا على جزيل النعم التي تسديها له.

اجل هذه هي الوحدة وهكذا يراد لها ان تكون.

ومن ضمن افرازات مثل هذه الثقافة فكرة توحيد تحديد بداية شهر رمضان أو العيد فيجب ان تكون رسمية وعلى الجميع ان يسير في الركب ولا يغرد خارج السرب.

ولكن هل هذه الثقافة نابعة من الإسلام وتعاليمه وسيرة السلف الصالح؟

لا أجدني مجافيا للحقيقة إذا قلت بأنها غريبة على الإسلام وعلى منطق العقل وان ثقافة الإسلام تؤسس للتعددية في هذا المجال كأحد أوجه التعدد الفكري الذي نشاهد دلائله وشواهده في تعاليم الإسلام.

وفي هذا الصدد أود ان أؤصل التعددية إسلاميا في فكرة الهلال وبدايات الأشهر الهلالية ونهاياتها من خلال الشواهد التالية:-

1- أوكل النبي الأكرم (ص) تحديد الصوم والإفطار بآلية رؤية الهلال بحسب الشخص المكلف بالصوم وليس بحسب هيئة دينية أو حكومة سياسية وهذه الآلية تنتج اختلاف المكلفين في إثبات وتحديد الهلال وبالتالي بداية الشهر والعيد في حين تتوفر آلية أخرى يعلم بها المشرع تبارك وتعالى ولكنه تركها ولم يعمل بها فلم يسن آلية تنتج يوما محددا عند جميع المسلمين بداية الشهر ونهايته بحيث لا تكون قابلة للاختلاف كما هو الحال في تحديد الشهور الشمسية بداية ونهاية فهي دقيقة لا مجال فيها للاختلاف نهائيا كما يترائى.

والشهور الهلالية يمكن ان تأخذ نفس منحى الدقة فيما لو وضعت آلية غير قابلة للاختلاف على سبيل المثال ان يكون كل شهر فردي ثلاثين يوما وكل شهر زوجي تسعة وعشرين يوما أو العكس هذه الآلية لو اقرها المشرع تبارك وتعالى لما كانت تنتج سوى اتفاق جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الشهور ومناسباتها.

ومن المؤكد الذي لا ريب فيه ولا شك يعتريه أن تأسيس قاعدة موحدة للاتفاق لم يكن خافيا على المشرع تبارك وتعالى فهو علام الغيوب وعالم السر والنجوى.

فلماذا شرع بدلا عن ذلك قاعدة الرؤية البصرية (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) مع العلم بان هذه الآلية واضحة في إنتاج الاختلاف إذ لا يتفق الناس على الرؤية إثباتا ونفيا مضافا إلى الاختلاف الفقهي المتشعب في وسائل إثبات بدايات الشهور القمرية هذا الاختلاف ناشئ هو الآخر من الآلية التي وضعها الإسلام في رسم طرق الاجتهاد وخلق عوامل الاختلاف في نتائج الاستنباط وبالتالي لا يمكن إرجاع الاختلاف إلا لمن أسس أسبابه وخلق أرضيته وليس ذلك إلا المشرع تبارك وتعالى.

فعلى سبيل المثال هناك اختلاف بين المسلمين في وسائل إثبات رؤية الهلال فالفقيه المعتمد والقاضي لدى الدولة العباسية أبو يوسف ابرز تلامذة أبي حنيفة لا يقبل الشهادة برؤية الهلال في حال صفاء الجو إلا من جماعة يحصل للقاضي العلم بشهادتهم وقدر عددهم بعدد القسامة خمسين رجلا.

وفي المقابل يرى ابن حنبل وأتباعه ثبوت هلال شهر رمضان بشاهد واحد وهلال سائر الشهور بشاهدين حتى في حال صفاء السماء وعدم ادعاء رؤية الهلال إلا من شاهد واحد بالنسبة لهلال شهر رمضان أو شاهدين لهلال غيره من الشهور.

فإذا كانت السماء صافية وشهد شاهد برؤية الهلال فان ابن حنبل وأتباعه يثبتون الرؤية وبداية الشهر بينما لو شهد أربعون رجلا في نفس الظروف فان قاضي الدولة العباسية أبا يوسف لا يأخذ بهذه الشهادات ولا يثبت عنده الهلال.

وعند الشيعة الإمامية اختلاف فقهي في آلية حكم الحاكم الشرعي لإثبات الهلال وبداية الشهر هل يثبت بها الهلال أم لا مما يعكس اختلافا في النتائج حسب اختلاف النظرة الفقهية لهذه الآلية اجتهادا وتقليدا.

وهناك اختلاف آخر في آلية التطويق هل هي دليل على انه لليلة الثانية أم لا؟

مضافا إلى الاختلاف في إثبات واقع الرؤية نفسها كتطبيق بغض النظر عن النظرية وما يحف بها من اختلاف بشأن قيود الرؤية فمسؤولية الاختلاف هي مسؤولية الآلية ومسؤولية الآلية مسؤولية مشرعها تبارك وتعالى.

2- عاش كثير من المسلمين على فكرة التعددية بحيث يعمل كل إنسان حسب قناعته بإثبات رؤية الهلال دون حساسية أو حزازة فقد روى ابن حزم في المحلى قصة طريفة وجعلها شاهدا على فتواه بتعددية الوقوف بعرفات حسب القناعة بإثبات رؤية الهلال فقد قال:

فان صح عنده بعلم أو بخبر صادق ان هذا هو اليوم التاسع إلا أن الناس لم يروه رؤية توجب أنها اليوم الثامن ففرض عليه الوقوف في اليوم الذي صح عنده أنه اليوم التاسع وإلا فحجه باطل لما ذكرنا.

روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عمر بن محمد قال: شهد نفر أنهم رأوا هلال ذي الحجة فذهب بهم سالم (وهو بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ويعد من كبار فقهاء المدينة) إلى ابن هشام (وهو إبراهيم بن هشام المخزومي) وهو أمير الحج (في عام 105هـ) فلم يقبلهم فوقف سالم بعرفة لوقت شهادتهم، ثم دفع فلما كان في يوم الثاني وقف مع الناس. المصدر المحلى لابن حزم الجزء 7، ص192.

فهذه القصة في العصر الأموي تدلل بوضوح على التعددية وقبول الاختلاف فلا تفرض وجهة نظر احد على آخر.

فالحاكم السياسي الأموي لم يقبل بالشهادة فوقف فقيه المدينة مع جماعته بحكم ثبوت الرؤية عنده بحسب الشهود بينما سائر الناس وقوفهم كان باليوم التالي ووقف معهم مجددا لمجرد الاجتماع مع الناس وليس للتعبد بالوقوف بعرفة.

3- لا يمكن لسكان الأرض ان يوحدوا احتفالاتهم في يوم مشترك بالحساب الشمسي رغم دقته فضلا عن الهلالي فرأس السنة مثلا يكون متقدما وسابقا في المناطق الشرقية كنيوزيلندا واستراليا واليابان.

بينما يتأخر في المناطق الغربية كالقارة الأمريكية والفارق بين استراليا مثلا والولايات المتحدة الأمريكية نحو ثمانية عشر ساعة فبينما يكون يوم السبت في استراليا مثلا يكون الجمعة في أمريكا فوحدة يوم رأس السنة بالاسم فقط إذ واقع الحال تعدد اليوم إذ لا يحتفلون في نفس الوقت ففي الحقيقة يتعدد رأس السنة بتعدد مشارق الأرض المختلفة من حيث الزمان فهذا التعدد الطبيعي آية جدير بالناس ان يقرؤها جيدا فليست هناك آلية عملية لتوحيد الناس في مناسباتهم واحتفالاتهم ربما حتى نتذوق الاختلاف ونستمرء التعدد ولا نستوحشه فالاختلاف والتعدد سنة الحياة.

4- إذا اتضح رجوع المسألة لآلية تحديد بدايات ونهايات الشهور القمرية والتي هي آلية شرعها الإسلام وبعد الفراغ عن أن الفقهاء ليس لهم صلاحية التشريع أو تغيير التشريع أو تبديله فالسؤال الحقيق بالطرح هو لماذا سنت آلية تنتج الاختلاف ولماذا قننت قاعدة تؤدي كمقدمة إلى نتائج معلومة سلفا؟

ولهذا السؤال بنظري جوابان احدهما يقيني والآخر مجرد أطروحة لا تحمل صفية اليقين:-

اما الجواب الاول فهو ان تشريع هذه الآلية ينطلق حتما من حكمة واقعية نشأ عنها هذا التشريع لوضوح انه تعالى حكيم لا يشرع شيئا يخالف موازين الحكمة قيد شعرة.

ولكن السؤال ما هي هذه الحكمة؟

فالجواب عليه هو الأطروحة الموعودة وباختصار أقول:

بما أن غالب الناس تفكر بطريقة العقل الجمعي كما يسميها علماء النفس بما أن لهذه الطريقة آثارا سلبية على التفكير الموضوعي وبالتالي الوقوع في الخطأ نتيجة إتباع الآخرين خصوصا مثل الآباء والشخصيات المؤثرة (الكارزمية).

لذلك يؤسس الإسلام لتشريعات كثيرة تهدف لكسر طريقة التفكير الأحادي وتحرره من التبعية وتجعله يقبل الاختلاف بروح متسامحة فهو يريد منا أن نقبل من يختلف مع قناعاتنا مهما كانت واضحة عندنا حتى لا نصاب بهوس الكراهية للآخر فهو أسلوب عملي لترويض النفوس وتعليمها على التكيف مع سنة الاختلاف.

قال تعالى:

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) هود – 118.

فخلق الاختلاف في المشارق والمغارب فلا يتحد الناس في أوقات المناسبات كما صمم العقول بطريقة لا تتفق رؤاها ولا تتحد أفكارها.

فما أحرى بنا ان نقبل الاختلاف بروح منفتحة ولا تغلبنا العصبية ونار (الوحدة) على غرار نظام الحزب الواحد في مقابل نعيم التعدد الذي يرفل فيه سكان الدول المتقدمة.

الخميس، 19 يونيو 2008

بيان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى وصلاته على نبيه المصطفى وآله النجبا

وبعد فان التمييز الفاضح والظلم المنتشر لطائفة واسعة من المواطنين في دينها ودنياها آخذ في التوسع بما لا نعرف له حدا.

وما زيادة نعيق الغربان وارتفاع سلاطة اللسان على سماحة العلامة الشيخ عيسى احمد قاسم إلا مظهرا من مظاهر خطط الخلية البندرية التي تستهدف سلامة الوطن والزج به في معارك تضر بمصالح أبنائه.

لقد بلغت الراوائح النتنة للخلية السرية البندرية أوجها ولا زال المسئولون لا ينزعجون من هذه الروائح الكريهة.

فالهجوم الشرس والتعدي الوقح على سماحته بما يمثله من تاريخ طويل من العمل المخلص للدين والوطن وبما يمثله من رمزية واحترام وبما يمثله من معارضة سلمية للسياسات الخاطئة ليس تعديا على شخص سماحة الشيخ وحسب بل هو تعدي على كافة المواطنين وجرح عام لمشاعرهم.

أضم صوتي للأصوات الصادقة وأؤكد على الدعوات المخلصة بالتلاحم الوطني لجميع المواطنين باختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم الفكرية والوحدة ضد الخلايا البندرية التي ستخرجنا من نار التمييز والإقصاء الذي لا يطال لهبها المبعدين فحسب بل تهدد بلهبها جميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة.

14 جمادى الثانية 1429 هـ الموافق 18-6-2008

علوي بن سعيد الموسوي البلادي

الاثنين، 9 يونيو 2008

المزيد قادم فانتظرو

تحدثنا في المقال السابق (انتظار السراب) عن تمسك الظالم والمستبد بالامتيازات والصلاحيات على حساب الأمة وان منطق المعادلات يقضي ببقاء ما كان على ما كان حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.


وحين تتعالى الأصوات المنادية بالحقوق وحين تتواصل الاحتجاجات على السياسات الجائرة فليس من السهولة حصول تنازل سريع لينال الناس حقوقهم على طبق من ذهب فلا تكتسب الحقوق إلا بعد جهاد طويل وإصرار على الممانعة ومواصلة طريق ذات الشوكة.


فأول ما ربما يفكر فيه الطغاة أسلوب القبضة الحديدية وزيادة إقصاء الجماهير عن حقوقها، حتى يرتدع الناس عن جريمة المطالبة بالحقوق ويفكر ألف مرة كل من تسول له نفسه الاعتراض على ولاة الأمر.


ثم بعد طول المواجهة يفكر الطغاة بأسلوب دفع الرشوة للمعارضين كتأمين للحفاظ على ملك رقاب العباد والبلاد فإذا لم ينفع هذا ولم يجد ذاك يتم اللجوء إلى أسلوب الكر والفر والمراوغة تماما كما يفعل المحارب المحترف في الميدان فتتم المناورة بصور شتى لخداع الرأي العام.


انه أدهى أسلوب يمارسه الطغاة المستبدون للقفز على المطالب ونهب الحقوق والتمادي في سفك الدماء وهتك الأعراض وإحكام القبضة على مفاصل الدولة وممتلكات الشعب وحقوقه.


كمواطن مراقب للتاريخ الموثق لماضي الحكم وممارساته الحاضرة التي شهدنا كثيرا من فصولها أرى ان التاريخ يعيد نفسه وان كل ما شهده أسلافنا وما عانى منه الجيل بل الأجيال السابقة والمتلخص في مناورات مارسها الحكم لم يتحصل الوطن منها على ما يستحقه من أدنى مقومات العدل وابسط درجات الحقوق.


هذا المشهد يعاد استنساخ جيناته على جسد امتنا مع تغيير في الإخراج يتناسب مع المرحلة مستفيدا من تجارب السلف.


فالمشروع اللقيط سنة (2002) المسمى زورا بالدستور مع مسعفاته من تركيب فاقع التمييز للدوائر وتصميم محكم للائحة الداخلية وممارسة لا تلتزم السلطة حتى بنفس المبدأ الذي تسنه فغني عن البيان ان هذا المشروع ليس سوى مناورة ذكية وذرا للرماد في العيون فهو أكبر خادم للنظام وأعظم تصميم لا يحافظ على سلب الحقوق فحسب بل يرسم خارطة لتعزيز صلاحيات النظام وزيادتها وإعطائها الصبغة القانونية.


لن أسرد أمثلة يعرفها الجميع مكتفيا بمصيبة المصائب سرطان التجنيس السياسي لتغيير التركيبة الديموغرافية الذي يفتك بجسد الوطن حصل على غطاء قانوني دستوري أعلى من الغطاء القانوني العادي.


لا أجدني بحاجة لشرح فكرة غاية في الوضوح تتمثل في استحالة تغيير بمقدار ذرة في المشروع اللقيط لمنحه أعلى الضمانات للمحافظة على استمرارية خدمة نظام الحكم بامتياز ومع ذلك لا يمل النظام و (عرابوه) من الدعوة إلى (إياك إياك أن تبتل بالماء) مع (إلقائنا في اليم) فلا يفتئون يكررون إمكانية التغيير من الداخل الذي أثبتت بعض الضمانات قدرتها الفائقة على المنعة من أي تغيير طفيف وبقيت سائر الضمانات لم تستعمل بعد وتم ادخارها لليوم الأسود.


وبالنسبة للمراقبة والمحاسبة التي طبلوا لها حتى صمت آذاننا وأصبنا بالغثيان فلم يملوا من الزعم أنها سلطة يمكن من خلالها تحقيق شيء ما فقد ثبت خواؤها تماما


حتى بات الأمر أجلى من الشمس وأبين من أمس.


النتيجة التي آل لها وضعنا بعد تحقيق سمعة دولية جيدة للنظام وانه نظام يضارع أعرق نظم المملكات الدستورية وبعد زيادة جرعة الكذب الفاخر بان هذا النظام يتفوق في الفضل على دول العالم كافة.


النتيجة هي تمكين الطائفيين الظلاميين من مفاصل الدولة.


واشغال المواطنين بمماحكات طائفية.


ونفي الولاء للوطن عن طائفة كبرى من المواطنين واعتبارها دخيلة ومرضا سرطانيا.


نهب كامل لثروات الوطن من الأراضي والبحار والنفط ومال عام.


تجنيس مخيف يتم به إذابة السكان الأصليين.


عودة لأساليب الاعتقال السياسي والتعذيب المنهجي المنظم للنشطاء السياسيين.


وغير ذلك الكثير مما يشيب له الولدان.


كل ذلك حصل في فترة قياسية والآتي أعظم.


لتروا المزيد انتظروا إني معكم من المنتظرين.


الخميس، 5 يونيو 2008

انتظار السراب

إدراك أن الحكم الظالم لن يتخلى عن الكثير من ظلمه بدون ضغط أو مقابل لا يحتاج لذكاء فالظلم والفساد المستشريان في مفاصل النظام يغذيهما أطماع جحافل الجشعين المستفيدين من الاستئثار بالمال والقوة والسلطة والنفوذ والامتيازات.

فمادام كل شيء على ما يرام فلماذا يتكرم بإشراك الآخرين في الحكم؟

ومادامت مجريات الأمور تسير وفق سيناريوهات مريحة للمتسلطين فما الذي يدفعهم للتبرع بالتنازل عن بعض صلاحياتهم وامتيازاتهم؟

اما عدم رضى أغلبية المواطنين على الحكام فلا يهم بعد ما يعوض عنه بقصائد مديح الشعراء وبالخطب الرنانة لأئمة المساجد الذين يحصلون على الحبوة الخاصة من المال العام وليرض من يرض ويغضب من يغضب فرضى الناس غاية لا تدرك.

رضا الجماهير الذي يسلب صلاحية سرقة الأراضي ونهب الثروات لا خير فيه من زاوية المصلحة الشخصية لأصحاب الدماء الزرقاء.

أتذكر مقولة فيلب رادوك وزير الهجرة في حكومة جون هاورد اليمينية المحافظة في استراليا أواخر تسعينيات القرن الماضي أبان ارتفاع نسبة هجرة العراقيين وسواهم لاستراليا عن طريق البحر قال ما معناه:

(نريد لاستراليا سمعة سيئة) وذلك عقب طرح مشروع قانون جديد للهجرة يشدد على المهاجرين ويحد من قدوم المزيد منهم في خطوة جعلت توقيع استراليا على معاهدة اللجوء على المحك.

حزب الأحرار الحاكم آنذاك سعى بكل جد لخلق سمعة سيئة لاستراليا لا لشيء إلا للحد من الهجرة حتى لا يشارك الآخرون من المهاجرين الاستراليين العيش في استراليا رغم كونها قارة مترامية الأطراف.

ولم تثن الحكومةَ كلُ الصيحات والانتقادات الداخلية والخارجية بما فيها نداءات الأمم المتحدة، فمضت في خططها وتغيرت قوانين الهجرة بجرة قلم.

وهكذا سوء السمعة يصبح كبريتا احمر يحرص الحكام على اقتنائه طالما حافظ على الامتيازات.

لست في وارد انتقاد نظام الحكم في استراليا كما لا يعنيني تغيير قوانين الهجرة بتلك البلد فالنقطة المستهدفة هي لا أبالية (سوء السمعة) في مقابل الحصول على الامتيازات.

فهناك فارق جذري بين الوضع في استراليا وبين الوضع في مثل بلدنا فالأولى تدار بالآلية الديمقراطية بينما الأخرى تفقد أبسط حقوق المواطنة وتدار بأسلوب قبلي بالي.

فكأني بنظام الحكم في البحرين يسعى لإسخاط المواطنين وتسجيل سوء السمعة له من اجل ان لا يشارك المواطنون في الحكم والقرارات حتى لا ينالوا حقوقهم و لا يحصلوا على نصيبهم من الثروة وهكذا.

وفي الوقت نفسه يتم تسخير وسائل الإعلام لخداع العالم على خلاف ما يدور في البلد فيتخيل المتابع ان البحرين ليست سوى المدينة الفاضلة.

لست اكشف سرا في شيء مما مضى فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.

فإذا كان ما مضى واضحا جليا يوافقني القارئ العزيز عليه فان ما لا يحتاج لتأمل هو ان قبولنا بلعبة النظام دون أدنى مقاومة ستصيبنا بالعمى والانتظار لسراب معلقين آمالنا على أوهام تخدرنا.

وللحديث تتمة.

الخميس، 22 مايو 2008

العيش المشترك

الحكم الصالح في بلد ما يعم خيره جميع المواطنين دون تمييز مذهبي أو طائفي أو قبلي أو نحو ذلك.

واذا تحقق ذلك يقدر المواطنون قيمة مواقف القوى السياسية بمدى ما تفرزه من نتائج ومصالح او مضار للجميع بغض النظر عن الانتماء الطائفي والقبلي وغيرهما.

وفي هذه الحالة يسلم الدين والمذهب من التجاذب والاساءة الذين لا يرتبطان به، فيتحالف أصحاب الديانات المختلفة والمذاهب المتنوعة على أساس من التوافق في رؤية معينة تشكل مصالح مشتركة مع احتفاظ كل صاحب دين ومذهب بخصائصه.

فالقضايا السياسية التي يختلف الناس فيها أغلبها لا ترتبط مباشرة بمبادئ الاديان والمذاهب، بل لها علاقة بتوزيع الثروة والعدالة الاجتماعية وتحقيق المصلحة العامة ونحو ذلك من عناوين تتوافق عليها الاديان والمذاهب غير ان الاختلاف في الطريق والتقدير والقراءة وهي أمور في غالبيتها لا صلة لها بالاديان والطوائف بشكل مباشر.

اما حين ينتهج الحكم تمييزا صارخا على أساس المذهب والطائفة بين المواطنين كما هو حال الحكم في البحرين فان الفرد يتبرمج ولائه السياسي للطائفة وزعمائها الدينيين والسياسيين بصورة تلقائية.

ببساطة لانه يرى في الطائفة مدافعا عن وجوده ومصالحه ويغيب عن ناظره أي خطأ قد يقع فيه بعض زعماء الطائفة المشتغلين بالسياسة لان الخطأ يساوي فقدان السند والمدافع عن حقوقه فيستميت في الدفاع عنه وتبرير كافة مواقفه.

وفي نفس الوقت لا يرى في مواقف الزعيم من الطائفة الاخرى أي مقاربة للصواب فتصرفات الحكم التمييزية تشكل هاجسا ووقودا لحرب باردة بين الطائفتين أو الطوائف.

هذا الوقود قد يتحول لحرب فعلية مدمرة للجميع كما حدث ويحدث في العراق ودول أخرى.

وهكذا تسود الاجواء المحلية والاقليمة تبعية صنمية للزعيم السياسي المنتمي لهذه الطائفة أو تلك، بدرجة يعتبر فيها هذا الزعيم ممثلا للدين والطائفة في قراءة موقف أو تقدير وضع سياسي معين في حين ان الموقف السياسي او التقدير لحالة معينة لا ترتبط مباشرة بالدين او المذهب فما يحصل عند الشارع العام من أبناء هذه الطائفة أو تلك هو أقرب ما يكون لتوكيل الزعيم في التفكير نيابة عنهم وأن هذه التبعية في الموقف والفكرة تمثل الدين فهو ليس قارئا سياسيا ومقدرا للوضع بما يملكه من تجارب ومخزون فحسب بل هو الناطق الرسمي باسم السنة أو الشيعة أو الدروز أو أي طائفة أخرى ينتمي لها هذا الزعيم.

فالاختلاف معه خروج على المذهب وعدم الاتفاق معه في هذا الرأي أو ذاك طعن للطائفة في خاصرتها.

وهنا تلتبس السياسة بالدين فاذا ما أصاب الزعيم ونجح دل ذلك على صوابية هذا المذهب وحقانيته.

وفي المقابل الويل كل الويل لهذا المذهب اذا ما أخفق الزعيم السياسي الذي ينتمي اليه او أخطأ.

فقد قيل: (الوكيل كالاصيل) ولا تعجب اذا ما شاهدت متحولا هنا أو هناك لطائفة أو متحولا عنها بسبب موقف سياسي.

الاداء السياسي والفكري لهذا التيار أو ذاك ولهذه الشخصية أو تلك يعتمد على قراءة لمعطيات متشابكة ترتبط بالتاريخ ودروسه والحاضر وعبره بالثقافة وروافدها بالحضارة ومنتجاتها الخ ما هنالك.

كما ان العملين السياسي والفكري متشعبان بتشعب المواضيع والاحداث وتنوع القضايا والمواضيع.

ووفق هذين البعدين بعد التشابك المعقد وبعد التنوع الواسع، ما من أحد يخوض غمار السياسة أو الفكر الا ويتعثر هنا أو هناك فما منكم الا واردها حكما مقضيا من ضعف البشر ونقصه.

وعلى هذا الاساس يجب ان لا نجعل من خطأ هنا أو اشتباه هناك مسبة وداعيا للقطيعة والتسقيط الاجتماعي أو التوهين.

ولا من صواب ما دليلا على صوابية المذهب.

ويجب أن يسود الاحترام والمحبة بين الاخوة بدلا من النفرة والقطيعة.

كما يجب من جهة أخرى تقبل النقد من أجل البناء لا بمعنى الموافقة على صحة وجهة نظر المنتقد، بل بمعنى عدم الانزعاج من النقد ومحاولة دراسة النقد لتبين الرأي الصائب، والاعتراف بالخطأ حين انكشافه.

فداء الطائفية اذا ما سمح له بالتسلل يشطر المجتمع ليس الى طوائف متصارعة في الوجود والمصالح فحسب بل الى فئات متفتتة ومتناحرة داخل الطائفة الواحدة فالسنة والشيعة وغيرهم ينقسمون الى تيارات متعددة داخل المذهب نفسه وتتزايد التقسيمات يوما بعد يوم مما يزيد في الضعف والخور ليطال الشرر جميع الطوائف ويحترق الجميع في أتون الفتنة.

وصدق الامام علي بن أبي طالب (ع) حيث قال فيما روي عنه في نهج البلاغة:

(ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور الا عليَ خاصة)

لذا تنبه العلماء والفقهاء للخطر الداهم فسدوا أبوابه وأغلقوا منافذه.

فنرى فقهاء الشيعة رغم أنهم يعتقدون تبعا لائمتهم عليهم السلام ان من أنكر أحد الائمة الاثني عشر فهو كمن أنكرهم جميعا عليهم السلام.

الا ان نظرتهم العملية واقعية فهي تنتقد ولكنها تحترم تخالف وتجل من تخالفه تجادل وتعظم من لا تتفق معه.

برغم ان الاختلاف يمس جانبا عقائديا حساسا جدا.

وبرغم ان المسائل لا ترتبط بالسياسة والشأن العام ولكنهم ادركوا بثاقب نظرتهم ان النزاع يضر بالجميع فهذا شيخ الطائفة رحمه الله تعالى يؤلف كتاب الاختلاف كدراسة مقارنة للآراء الفقهية على المذاهب المختلفة في سعة صدر كبيرة وعدم نفي للآخر مما يؤكد الاعتراف به.

وهذا السيد المرتضى علم الهدى يقارن بين رؤى الشيعة وغيرهم في المسائل المختلفة والمتعددة.

وقد اعتبر الشيخ المفيد قدس سره (متوفى 413هـ) جماعة من الفقهاء الذين لا يتفقون مع العقيدة الامامية الاثني عشرية اعتبرهم من ( الفقهاء الاعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والاحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذم واحد منهم)

[جوابات أهل الموصل ص 25 للشيخ المفيد]

منهم سماعة بن مهران واسحاق بن جرير وهما من الواقفة الذين وقفوا على إمامة الامام موسى الكاظم عليه السلام وانكروا إمامة الامام علي الرضا عليه السلام.

وعبر النجاشي – زميل الشيخ الطوسي عند الشيخ المفيد- عن فقهاء ليسوا على عقيدتنا الامامية الاثني عشرية عبر عنهم بانهم من أصحابنا ووثقهم وترحم عليهم ونحا هذا المنحى زميله الشيخ الطوسي أيضا وغيره من فقهائنا الكرام، مع ان عبارة (أصحابنا) لمن لا يعلم تطلق على المتفق عقائديا دون المختلف.

  1. فقد قال النجاشي (متوفى450 هـ) في ترجمة داود بن فرقد:

    وقد روى عنه هذا الكتاب جماعات من أصحابنا - رحمهم الله - كثيرة، منهم أيضا إبراهيم بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن النجاشي المعروف بابن أبي السمال. [رجال النجاشي- النجاشي ص 159.]

فقد عد إبراهيم بن أبي بكر من أصحابنا مع أنه من الواقفة، قال النجاشي في ترجمته:

ثقة هو وأخوه إسماعيل بن أبي السمال، رويا عن أبي الحسن موسى عليه السلام وكانا من الواقفة، وذكر الكشي عنهما في كتاب الرجال حديثا شكا ووقفا عن القول بالوقف. [رجال النجاشي ص21]

2- قال الكشي (متوفى 430 هـ 951م) في كتاب اختيار معرفة الرجال:

وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير. [اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي ج 1 ص 355.]

فان ابن بكير (عبد الله بن بكير) من الفطحية ومع ذلك عده من جملة أصحابنا.

3- وقال في كتاب اختيار معرفة الرجال أيضا:

قال محمد بن مسعود: عبد الله بن بكير وجماعة من الفطحية هم فقهاء أصحابنا. [اختيار معرفة الرجال - الشيخ الطوسي ج 2 ص 635.]

4- قال الشيخ الطوسي (متوفى 460هـ) في الفهرست:

ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الأصول فلابد من ان أشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا، وأبين عن اعتقاده وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له، لان كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وان كانت كتبهم معتمدة. [الفهرست- الشيخ الطوسي ص 32.]

5- جاء في فهرست الشيخ أيضا:

الحسن بن فضال، فطحي المذهب، ثقة، كوفي، كثير العلم، واسع الرواية والأخبار، جيد التصانيف، غير معاند، وكان قريب الأمر إلى أصحابنا الإمامية القائلين بالاثني عشر.[
الفهرست- الشيخ الطوسي ص 156.]

بل نجد فقهائنا لا يجدون حرجا في الاعتماد على رواة السنة فقد قال الشيخ الطوسي (متوفى 460هـ) رحمه الله تعالى:

عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم السلام. [عدة الاصول ج1، ص 149]

واليوم تتربع فتاوى كثيرة لفقهائنا المعاصرين في رسائلهم العملية مستندة لرواة مختلفين عقائديا مع الامامية الاثني عشرية.

فالاختلاف في مسألة سياسية أو دينة ما لا يوجب القطيعة ولا يصحح البينونة والتشاحن والتباغض.

فهل يضع الكل خلافاته الدينية والسياسية جانبا فلا تتوزع المساجد والمواقع بين التيارات والتوجهات المختلفة؟.

وهل نحلم بأن يضع السنة والشيعة وجميع التيارات الوطنية يدهم بيد بعض لتنتصر مصالح الوطن على المصالح الفئوية الضيقة؟.

الأحد، 18 مايو 2008

سؤال عن مصحف هل هو وقف؟

سؤال
منذ سنه تقريبا ذهبنا للعمرة وحصلنا على مصحفين كهديه من الحرم ولكن كتب على المصحف الاول" وقف لله تعالى "وعلى المصحف الثاني "وقف لله تعالى للمسجد الحرام"
ولم نعلم بهما الا فى البحرين ... فما حكم استعمالهما حيث انى استخدم كثيرا المصحف الاول في دراسه التجويد وادون عليها ملاحظاتى
علما ان مقلدى السيد السيستاني
------------------------
بسمه تعالى
في نظري يجوز استعمال كلا المصحفين لامارية اليد التي لا اعتبار معها للمكتوب علما ان عبارة (وقف لله تعالى) يقصد منها الوقف في سبيل الله تعالى فلا اشكال في الاول من حيث الاستعمال لانه من ضمن سبيل الله تعالى وانما الاشكال في الثاني والذي أراه حجية امارية اليد بحيث لا عبرة بالمكتوب.
ولكن هذا لا يعبر عن فتوى السيد السيستاني مد ظله وقد ارسلنا الاستفتاء بانتظار الجواب والله العالم.
--------------
بسمه تعالى
جاء الجواب من مكتب سماحة السيد السيستاني بهذا النص:
يجوز الاستفادة منهما.
بتاريخ 7-2-2008

الأربعاء، 7 مايو 2008

متى يكون النقد ذا مردود؟

التكاليف الشرعية الاسلامية تارة تكون شخصية واخرى اجتماعية فالتكليف الشخصي ينطلق من مصلحة تتعلق بالشخص حين امتثاله للتكليف وتفوت هذه المصلحة حين يتخلى عن الامتثال ولكن لا تفوت مصلحة ترتبط بالجسم الاجتماعي بصورة مباشرة فيكون الخاسر بشكل مباشر هو الشخص دون المجتمع ولعل اكثر التكاليف تاخذ هذا الطابع وتتميز بهذه الصبغة.

ولهذا نجد موضوعات الاحكام الشرعية الصرفة يترك تحديدها الى المكلف نفسه بصورة شخصية فعدالة زيد أو عدمها يحددها المكلف نفسه الذي يريد ان يقبل شهادته في رؤية الهلال او يريد ان يصلي خلفه على سبيل المثال.

التكاليف الاجتماعية

اما التكاليف الاجتماعية فمرجعها يعود لمصلحة تعود في الاساس للمجتمع بغض النظر عن الفرد فقد لا تكون هناك مصلحة مباشرة للفرد في امتثال التكليف الاجتماعي بل ربما تكون مصلحة الفرد في عصيان ذلك التكليف ذا البعد الاجتماعي فمن تلك التكاليف الاجتماعية ضريبة الخمس والزكاة ونحوهما فالمصلحة الشخصية البحتة والمباشرة للشخص تقتضي الاحتفاظ بماله الخاص والامتناع عن تسليمه لمستحقيه غير ان دفع هذه الضريبة وامتثالها يعود بالنفع على المجتمع بشكل عام وينعكس خيره على الفرد بصورة غير مباشرة.

والتكاليف الاجتماعية تنبع طرا من مصلحة عامة تدر بخيرها على المجتمع بشكل عام غير ان هذه التكاليف الاخيرة بدورها تنقسم الى قسمين:-

احدهما- تكاليف لها مردود على الاخر مهما تقلص امتثالها فاستيفاء المصلحة يتناسب طرديا مع حجم امتثالها ومثاله الضرائب الشرعية من الخمس والزكاة فلو فرضنا ان امتثالها اقتصر على شخص واحد دفع زكاته لفقير فان هذا الامتثال لا يستفرغ من تحصيل المصلحة فالنفع هنا يستفيد منه الفقير المتلقي للزكاة.

فهذه تكاليف اجتماعية اسميها جماعية وتسميتها بالاجتماعية بلحاظ ان مردودها المباشر يعود على الآخر وليس بلحاظ اشتراط تأثيرها بالتزام المجتمع بها وان كان الالتزام بها يتناسب طرديا مع المنفعة المترتبة على الامتثال.

التكاليف الاجتماعية المجموعية

والقسم الاخر- تكاليف ربما لا يكون لها مردود ما لم تلتزم بها الامة وتشكل ظاهرة على الاقل فالتزام فرد هنا وفرد هناك بها لا يعطيها أي مردود مباشر على المجتمع ومن هنا نستطيع ان نسميها التكاليف الاجتماعية المجموعية.

فتكون الاقسام ثلاثة:- 1- تكليف شخصي 2- وتكليف اجتماعي جماعي 3- وتكليف اجتماعي مجموعي.

ولا نعني بالتكاليف الاجتماعية المجموعية اشتراط ترتب الفائدة عليها بالتزام مجموع افراد الامة بها.

بل يكفي فيها التزام الاغلبية او أدنى منها بمقدار ما يسمى ظاهرة اجتماعية حتى تؤتي ثمارها وتؤثر في المصلحة العامة بشكل فعلي ومباشر.

وليس بعيدا دخول مثل (تواصوا بالحق) و (لا تنازعوا) في ما سميناه بالتكاليف الاجتماعية المجموعية.

فالتواصي بالحق لا يتحقق في حالة وصية المؤمن لغير المؤمن وقبول هذا المؤمن لوصية غير المؤمن.

فبالرغم من تحقق ارسال النصيحة واستقبالها من احد المؤمنين الا ان ذلك لا يحقق مفهوم تواصي المؤمنين بالحق.

ومثل هذا الموقف ليس له مردود على المجتمع نعم له مردود على هذا الشخص وعلى الغير ولكن الغرض الاساس من هذا النحو من التكليف هو تحصيل منفعة تعود للمجتمع بشكل عام.

فحتى يكون لمبدأ التواصي بالحق مفعولا ايجابيا يتحتم التزامه من الجميع بدرجة لا تقل عن الظاهرة حتى يمكن اقتطاف الثمرة.

ولعل احدى مميزات التكليف الاجتماعي المجموعي الخطاب القرآني حيث يظهر منه توجه الخطاب للامة بما تحمله من صفة اجتماعية وفي موضوع التواصي حيث لم يكن المطلوب والمصلحة الاساسية شخصية.

وليس المستهدف التزام زيد وامتثال عمرو ومن هنا جاء الخطاب بصيغة (تواصوا) فلو كان الغرض يتم استيفائه من الشخص مهما قل العدد لاكتفى القرآن الكريم بمخاطبة المؤمن ان ينصح غيره ويقبل نصيحة الاخر فالعدول عن هذا الاسلوب لاسلوب مخاطبة المجموع وتوصيف المؤمنين بانهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر ونحو ذلك يستنتج منه ان هذا التوصيف يشير الى ان المصلحة اجتماعية وتستوفى حينما تشكل ظاهرة اجتماعية عامة.

على ان هذا الامر لا نعتبره القرينة الوحيدة لتصنيف هذا التكليف بالتكليف الاجتماعي المجموعي لان ذلك يتطلب دراسة مستفيضة وشرحا لا يتناسب وحجم هذا المقال.

فثقافة النقد الايجابي وقبوله لا تعود ذات جدوى اذا كان السائد ثقافد التقليد والتقديس وهكذا تجد الهروب للامام حاضرا بقوة بتقديس الشخص الذي يتم توجيه الانتقاد له فكأن الحقائق توزن بالاشخاص وكأن العدل يتبع الافراد وقيمتهم العلمية او التاريخية.

فلا ينقضي عجبي من مواجهة كل نقد بما يتمتع به فلان وفلان من خصائص أو بتكرار استلزام التوهين الذي لا أفقه له أي انتساب بالنقد البناء.

الأحد، 4 مايو 2008

تواصوا بالحق ولا تنازعوا


 

قال تبارك وتعالى:

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَصْرِ {العصر/1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {العصر/2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر/3}

وقال سبحانه:

ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ {البلد/17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ {البلد/18}

التواصي من باب (التفاعل) صرفيا وهذا الباب لا يصح بدون صدور (المادة) من اثنين او اكثر فلا يقال للفرد انه تواصى بالحق لمجرد انه أوصى به فالتواصي عبارة عن ان يُوصِي المؤمن غيره كما انه يُوصَي ومعنى تبادل الوصية ليس اقتصار دائرتها على المؤمنين ليكون المفاد؛ (ليوصِ المؤمن أخاه المؤمن).

بل المطلوب من المؤمن:-

1- ان يوصي بالحق من جهة وهنا متعلق الوصية بالحق غير محدد بالمؤمن أي المطلوب من المؤمن ان يوصي المؤمن وغير المؤمن أيضا،

لوضوح ان الوصية بالحق لغير المؤمن مطلوبة ومحبوبة اما على نحو الوجوب أو على نحو الاستحباب حسب موضوع الوصية بالحق.

2- وان يكون موصى بالحق من جهة أخرى وليس معنى مطلوبية ان يكون المؤمن موصى بالحق هو ان يدعوا الناس لان يوصوه بالحق كلا،

كما ان الوصية بالحق من زيد لعمرو لا يمكن ان يكلف بها عمرو.

وهكذا تعمد الخطأ لا يمكن ان يكون مطلوبا لهدف وصية الاخرين للمخطئ بالحق.

اذن ما هو معنى ان يكون المؤمن موصى بالحق؟

أقول: معناه ان يقبل الوصية بالحق التي لم يحدد مصدرها فحتى لو صدرت من غير المؤمن عليه ان يقبلها طالما كانت حقا،

بعد الفراغ من ان معنى التواصي هو ان يوصي (بكسر الصاد) المؤمن وان يوصى (بفتح الصاد).

وبكلمة أخرى يرسل الوصية ويستقبلها وهكذا ليس في آيات التواصي شرط صدور الوصية من مؤمن لقبولها

ولا شرط الايمان في مستقبلها فالآية تقول بوضوح ان المؤمنين يوصون غيرهم كما يقبلون وصية الغير.

ولا غرابة في ان يدعو القرآن لقبول الوصية من الآخر وان لم يكن مؤمنا فالحق أحق أن يتبع وكما قيل: (خذ الحكمة ولو من رؤس المجانين).

فمن الضروري ترسيخ مبدأ النقد المتبادل ان ينتقد وان يقبل النقد وبتعبير القرآن الكريم (التواصي بالحق) (والتواصي بالصبر) (والتواصي بالمرحمة).

وهذا المبدأ عام لا يستثنى منه أحد لا يتمتع بالعصمة.

أجل يجب ان يكون النقد نظيفا من الشتم وخاليا من السباب وفارغا من التوهين والتسقيط الاجتماعي.

وكما يوضح القرآن الكريم:

(وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) {الأنفال/46}

فالتنازع والصراع سلوك سيء ذو نتائج سلبية مدمرة وخطيرة تؤدي الى الخسارة العامة ليطال الفشل جميع أطراف النزاع.

والتزاوج بين هذين المبدأين مبدأ التواصي بالحق ومبدأ عدم التنازع يكشف عن زيف مفهوم مغلوط لدى البعض وهو ان النقد لأداء يطال الشأن العام لشخصية ما يساوي هتك حرمتها او اسقاطها او التعدي عليها او محاربتها او التطاول عليها ونحو ذلك من توصيفات تنحرف عن مفهوم النقد البناء او (التواصي بالحق) فالتواصي بالحق مبدأ قرآني لم يستثن أحدا (ارسالا واستقبالا) اذا جاز مثل هذا التعبير.

والهدف منه البناء وليس الهدم فمن الخطأ جدا تفسير النقد والتواصي بالحق بانه استهداف شخصي وهذا النحو من التفسير نتيجة خلطه بين المبدئين

يطالب اما بالغاء مبدأ التواصي بالحق او باستثناء بعض الاشخاص منه ليقتصر دوره على تقديم الوصية بالحق دون قبولها لنفسه فهو يرسل ولا يستقبل.

في حين انه مبدأ قرآني عام لا يستثنى منه أحد.

وهناك من يتبرع بشرط آخر يقيد به اطلاق القرآن الكريم ويخصص عمومه،

فترى من ينبري لمن ينتقد او ينصح طالبا منه التوفر على شرط يسبق تقديم أي انتقاد.

الا وهو تقديم البديل اذا انتقدت الاداء السياسي لفلان من الناس فيجب ان يكون لك برنامج متكامل وخال من العيب والنقص،

قبل ان يحق لك ممارسة النقد.

تماما كمن يحاول ان يستثني بعض الشخصيات ببعض الذرائع من مبدأ النقد والتواصي بالحق.

أقول لمثل هؤلاء:-

اولا- مثل هذه الشروط لم يشرط منها رب العزة والجلال شيئا فالتواصي بالحق والنقد لا يتطلب تقديم برنامج بديل ولا يستثني أحدا

وقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) قوله: وليس امرؤ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يُعَاوَن على ما حمَّله الله من حقه"

أجل قد يستثنى المعصوم (ع) فهو يوصي بالحق ولا يوصى به لعصمته رغم ورود عدة روايات تدعو لذلك مثل ما روي عن الامام علي (ع):

(فلا تكفوا عن مقاله بحق أو مشورة بعدل فانى لست في نفسي بفوق أن اخطئ)

فلعل التواصي بالحق لا يستثنى منه حتى المعصوم سلام الله عليه لغرض تعليم الآخرين وتدريبهم على النقد وحتى يبين الامام (ع) الحق ويصحر به،

فلا يبقى سؤال في نفس أحد بدون جواب وذلك لا ينافي العصمة وأيا كان الحال هذه النقطة ليست محل بحث وتحليل في هذا المقال.

وثانيا- النقد في جزئية معينة يعني محاولة اكتشاف ثغرة ليس بالضرورة يملأ فراغها نفس المنتقد فربما يملأها شخص آخر.

فهذا النقد او ذاك يمثل لبنة في عملية البناء الطويلة الشامخة والتي لا تقوم على عاتق بناء شخص أوحدي.

وثالثا- مبدأ النقد والتواصي بالحق يستبطن الاعتراف بالمشاركة في البناء المشترك وانه لا أحد يملك حصرية البناء والوصاية.

ورابعا- الناقد الذي ينتقد ثم يقدم لك حلولا بديلة معلبة وجاهزة على أنها وحدها سبيل الخلاص يخرجك من دائرة وصاية ليدخلك في أخرى

فهو يستثني نفسه من قبول مبدأ التواصي بالحق أي انه ينتقد ولكن لا ينتقده أحد.

فهذا ينافر مبدأ التواصي بالحق الذي يعني فيما يعني الشراكة المجتمعية في البناء على أصعدة مختلفة منها الصعيد السياسي.

فالمطلوب قدر كبير يساهم في وضع محتوياته وطبخها كل من له يد وكل من له وجهة نظر حق يوصي بها.

هذا ويعضد مبدأ التواصي بالحق بمبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وبمبدأ الشورى الوارد في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة فقد طفحت بالحث على الشورى والمشاورة حتى بلغت حد التواتر.

قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى/ 38. وقال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) {آل عمران/159}

وروي عن الامام أمير المؤمنين علي (ع) انه قال في وصيته لمحمد بن الحنفية: (اضْمُمْ آرَاءَ الرِّجَالِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ) وسائل الشيعة ج12، ص 46.

فما احلى النقد وتقبل النقد بصدر رحب مع الابقاء على أواصر الاخوة والمحبة الايمانية فاختلاف الرأي لا يفسد في الود قضية.

الثلاثاء، 29 أبريل 2008

حوار حول حكم استلام راتب التعطل

دار الحوار أواخر العام المنصرم

وانقله هنا مع تعديل طفيف عليه لتعم الفائدة

سؤال بخصوص قانون التعطل

السلام عليكم

تحت عنوان قانون التعطل وبما أن هذا الاستقطاع تم بدون رضا الطرف الآخر، فهل يحل للعاطل الذي لم يستطع الحصول على عمل أن يقبل المال الذي سيصرف له على أساس هذا القانون؟؟
مع العلم أن المقلد هو سماحة السيد السيستاني
مع جزيل الشكر

الجواب

بسمه تعالى
اجاز سماحة السيد السيستاني مد ظله استلام العاطل للراتب وفقا للقانون وليس في هذا اخذا لمال الغير بدون اذنه لاندراج هذا المال تحت عنوان آخر يجوز على أساسه الاستلام بالاذن من سماحة السيد حفظه الله تعالى
والله العالم.

س

سماحة السيد ما هو العنوان الآخر هل من تفصيل؟؟

ج

بسمه تعالى
اموال الحكومة تعتبر مجهولة المالك بنظر سماحة السيد السيستاني دام ظله وكذلك سماحة السيد الخوئي (ره) بالاضافة لفقهاء آخرين يرون نفس الرأي.
والمال المجهول مالكه يجوز أخذه باذن الحاكم الشرعي (الفقيه) الذي لا يجيز اعتباطا وانما ضمن بعض الضوابط التي تراعي المصلحة العامة والاشتراطات الشرعية وعلى هذا الاساس أجاز سماحة السيد السيستاني حفظه الله استلام راتب الضمان ضد التعطل فالحكومة لا تعطي العاطل نفس المبلغ المقتطع بعينه فالاقتطاع تحويل أرقام والتسليم يكون من ميزانية الدولة (صندوق التعطل) مثلا ولكن هذا الصندوق لا يحوي أخذا لعين الدينار الورقي الذي نتداوله لا يؤخذ بهذا الشكل من زيد ليعطى عمرو أكرر لا تاخذ الحكومة دينارا مثلا من يد شخص لتسلم نفس الدينار لشخص آخر وعلى هذا الاساس لا إشكال في جواز استلام راتب الضمان ضد التعطل استنادا لاجازة سماحة السيد السيستاني حفظه الله تعالى.

س

و هل رأي السيد الخامنئي مثل السيد السيستاني و ذلك لأني محتاط بينهما؟؟؟

ج

بسمه تعالى
اطلعت على استفتاء من السيد الخامنائي حفظه الله تعالى اتذكر كان متداولا عند بعض المشايخ يفتي فيه بجواز الاستلام بداية قد يستغرب من فتوى الجواز باعتبار انه يرى الحكومة مالكة وسرعان ما يزول هذا الاستغراب بملاحظة وجه الجواز والذي يحمل احتمالين:-
1- ان المال الذي يستلمه العاطل لا يعلم انه حرام بعينه ويجوز استلامه على اساس ان الشبهة غير محصورة فتجري البراءة تماما كما نعلم بان الحكومة تاخذ امولا بغير وجه شرعي ومع ذلك لا يحرم على الموظفين والعمال اخذ الرواتب منها فتشابه هذه المسألة مسألة الشخص الذي يكسب من الحرام إذ يجوز التعامل معه وأخذ الاموال منه لان ما تأخذه منه لا تعلم بانه حرام بعينه.
2- ان القانون جرى تنفيذه شرعيا (دينيا) من قبل الفقيه وبالتالي يكون الاقتطاع جائزا ويتبعه الاستلام غير انه يستبعد الوجه الاخير كليا فيكون أقرب للفرضية البحتة والله العالم.

س

سيدنا

احيانا تكون صيغة السؤال تجيز بعض الاشياء و عندما تعيد صيغة

السؤال بتوضيح اكثر يتغير رد الفقيه و يحرمه ، مثلا انا ارسلت هذه

الرسالة و هذا السؤال لموقع مكتب استفتائات السيد القائد

في موضوع الاستقطاع.


س:مال تقوم الحكومة بإجبار الشعب على دفعه ، و هذا المال مأخوذ من عند الشعب من غير رضاه و من راتبه و بعد ذلك تقوم بإعطائه لبعض ابناء الشعب تحت شعار تأمين ضد التعطل و البلد غنية جدا غير محتاجه لهذا المبلغ من الشعب،و الشعب مسروق و الحكومة لا تريد اعطائه من اموال الدولة و سلبت المواطنين لكي تهدأ ثورة بعض المواطنين من العاطلين و هذا المال الذي يدفعه الشعب يوضع في صندوق و اسم الصندوق صندوق التعطل .
هل يجوز اخذ هذا المال؟


و كان الجواب التالي من موقع السيد القائد


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باسمه تعالى

الموقع خاص بالمسائل الشرعية العامة فقط ونعتذر عن إجابة هكذا أسئلة.‏
مدير الموقع‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏


فما تعليقك؟؟؟

ج

بسمه تعالى
اخي الفاضل الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقلت لكم فتوى سماحة السيد بالجواز ولكن حين يكون الطرح سياسيا ويريد السؤال اعطاء موقف سياسي تجاه قضية تخص الوضع الداخلي لبلد ما فلن تجد جوابا وهذا ما حدث بالفعل اعتذار عن اتخاذ موقف.
اخي الفاضل استفتِ دون خطاب سياسي واسئل هل يجوز الاستلام ام لا وحينها سترى الجواب.
الحيثيات التي اشرت لها في سؤالك لم يكن سماحة السيد غافلا عنها حين أجاب بالجواز فلو كان يرى عدم الجواز ولو في بعض الصور لقال لا يجوز اذا كان كذا بذكر بعض الحيثيات.
اتذكر بحضرت المرحوم استاذي الكبير اية الله العظمى الشيخ التبريزي رحمة الله تعالى عليه كثيرا ما يطلب تغيير صيغة السؤال وذلك لتفطنه للموضوع والملابسات انا شخصيا كتبت له عدة استفتاءات بحضرته وطلب مني تغيير صيغة السؤال في عدة موارد هو يقترح الصيغة ثم يجيب ويرفض الاجابة على بعض الصيغ اذا لم يتم تغييرها.
وربما فهم محتوى سؤالك انه هل يجوز للحكومة فعل ذلك ام لا؟
هل يجوز للحكومة اخذ المال ام لا؟
والجواب على مثل هذا السؤال غير مفيد سوى تضمنه لموقف سياسي ببساطة لان الحكومة لاتهتم بفتاوى فقهاء الشيعة فتكون الفتوى تسجيل موقف سياسي ولعل هذا هو السبب في رفض الجواب.
اقترح ان تسال بهذه الصيغة مثلا:-
تقوم الحكومة باقتطاع نسبة 1% من رواتب الموظفين وتضعه في صندوق التأمين ضد التعطل ثم تعطيه على شكل رواتب للعاطلين هل يجوز للعاطل استلامه علما ان المبلغ المقتطع لا نعلم رضا اصحابه باقتطاعه؟ او لا يرضى اصحابه بدفعه؟
ولك مني كل التحية والتقدير.

السلام عليكم
س
سيدنا ارسلت رسالة بسؤال هذا صيغته

س:هل يجوز لي اخذ مبلغ تأمين ضد التعطل من الحكومة و انا عاطل حسب مواصفات و قوانين الحكومة . حيث تقوم الحكومة بإستقطاع 1% من رواتب العاملين في الدولة سواء كانو في القطاع الخاص او العام دون التأكد و الحصول على رضاهم و تضعه في صندوق اسمته صندوق التعطل لتصرفه على العاطلين.
و جاء الجواب مثل السابق

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باسمه تعالى
الموقع خاص بالمسائل الشرعية العامة فقط ونعتذر عن إجابة هكذا أسئلة.‏
مدير الموقع‏‏‏‏‏‏

و سوف ارسل السؤال الذي وضعه سماحتكم لأرى الرد....

ج

بسمه تعالى
الظاهر ان المسألة ترتبط بموضوع حساس سياسيا واجتماعيا لذلك جاء الحذر خصوصا مع وضوح ارتباط السؤال بالبحرين وعليه ربما تستمر سياسة الامتناع عن الجواب لكن سبق الجواب بالجواز وهو موافق للقاعدة اذ ما لم تعلم اشتمال الراتب على الحرام يجوز لك الاستلام.
الموارد المالية المحرمة للحكومة كثيرة جدا فهل يجوز استلام الرواتب الحكومية لان كثيرا من مصادرها حرام.
اخي الفاضل لم تكن الحكومة تحصل على الاموال عن طريق الحلال فقط بحيث يجوز استلام رواتبها لجميع الموظفين والان لتوها اخذت اموالا محرمة عن طريق الاقتطاع فحصل الاشكال فاذا كان من اشكال وحرمة فذلك حاصل قبل الاقتطاع وبعده وان لم يكن من اشكال فذلك قبل الاقتطاع وبعده.
ويمكن لك ان تجرب بان تسأل سؤالا عاما عن جواز استلام راتب العاطلين دون ذكر لاقتطاع 1% لوضوح ارتباط هذه الفقرة بالبحرين يبدو ان هناك حذرا واضحا جدا ربما يكون السبب الرغبة في ان لا تفسر الفتوى تفسيرا سيئا فهناك اكثر من تيار في الساحة وبما ان بعض الفتاوى تجير لصالح تيار معين جاء الامتناع عن الاجابة حتى لا تحمل تأييدا لجهة معينة ضد جهة أخرى وبصراحة شديدة اقول ربما لا يريد مكتب سماحة السيد ان يظهر بانه مؤيد للوفاق مقابل حركة حق والشيخ النجاتي اذ ربما تفسر الفتوى بانها تأييد للوفاق ومواقفها وهذا ما اظن انهم حذرون منه لا مظلة خاصة من قبل سماحة السيد لأي جهة سياسية او تيار معين.
دقق في الجواب (الموقع خاص بالمسائل الشرعية العامة فقط ونعتذر عن إجابة هكذا أسئلة‏)
لاحظ كلمة (عامة) اي لا تشر في سؤالك لموضوع محدد معروف مثل الوضع البحراني.
مع الاسف الشديد هناك من يتخذ الموقف وينتهي منه ثم ينتظر الفتوى فان كانت موافقة طار فرحا وجعلها تأييدا له وان لم تكن موافقة اعرض عنها وأولها بتأويلات باردة.
لا اقصد جهة بعينها فهذا امر شائع في بلدنا فكثير من المواقف يتم طبخها ثم بعد اللغط يستفتي بعض الناس فقهائهم وهنا تقع المماحكات ويتم توظيف الفتاوى لصالح مواقف سياسية معينة وهذا الوضع المعقد يدعو بعض الفقهاء للامتناع عن الجواب اظنك توافقني في هذا التحليل.
اكرر ان الامتناع قد يكون راجعا للحذر من التفسير بالاصطفاف مع جهة ما. اقول: ربما لعل، احتمال الخ... وأخشى انه مع تكرار الاحتمال يأتي التفسير المتحامل لكلامي لذلك كررت واكرر انه احتمال ولا اعلم والله العالم.
ولك مني ارق تحية .

تعقيب من السائل

السلام عليكم

سيدنا انا اشوف ان المكتب لحد الآن مو قاعد يتجاوب فدار في بالي هذا السؤال شلون حصلت مشايخنا على الاجازة و شلون وصلها العلم بالجواز اتمنى ان احصل على المصدر و لو انك تراسلني على الخاص......

ج

عزيزي كان الموضوع في بدايته قبل ان يحتدم الجدل في الساحة المحلية بين الاطراف والناس.
يبدو انهم مطلعون على ما يدور في الساحة ففضلوا عدم الدخول في النزاع.
خصوصا انها ربما تأخذ ابعادا سياسية على بعض الاطراف السياسية او حتى من جانب الحكومة وأوليائها اذ قد تؤخذ ذريعة ويقال القيادة الايرانية تتدخل في الشؤون المحلية.
غدا سأتوجه لحج بيت الله الحرام حقيقة لم آخذ نسخة من الاستفتاء.
المهم المسألة ببساطة ان عين ما تأخذه الحكومة لا يسلم للعاطل فتكون الحكومة مديونة باخذ المال حراما والمال المعطى للعاطل ليس معلوما مصدره فيكون حلالا.
اذا شئت جرب ان تسئل سؤالا عاما لا تظهر فيه تفاصيل الحالة المحلية ربما تجد الجواب.
وعلى فرض عدم عثورك على الجواب وعدم اطمئنانك لما نقلناه لك من فتوى الجواز فالحل بالرجوع لسماحة السيد السيستاني دام ظله العالي.
أخذ الله بيدك ووفقك لكل خير.