إدراك أن الحكم الظالم لن يتخلى عن الكثير من ظلمه بدون ضغط أو مقابل لا يحتاج لذكاء فالظلم والفساد المستشريان في مفاصل النظام يغذيهما أطماع جحافل الجشعين المستفيدين من الاستئثار بالمال والقوة والسلطة والنفوذ والامتيازات.
فمادام كل شيء على ما يرام فلماذا يتكرم بإشراك الآخرين في الحكم؟
ومادامت مجريات الأمور تسير وفق سيناريوهات مريحة للمتسلطين فما الذي يدفعهم للتبرع بالتنازل عن بعض صلاحياتهم وامتيازاتهم؟
اما عدم رضى أغلبية المواطنين على الحكام فلا يهم بعد ما يعوض عنه بقصائد مديح الشعراء وبالخطب الرنانة لأئمة المساجد الذين يحصلون على الحبوة الخاصة من المال العام وليرض من يرض ويغضب من يغضب فرضى الناس غاية لا تدرك.
رضا الجماهير الذي يسلب صلاحية سرقة الأراضي ونهب الثروات لا خير فيه من زاوية المصلحة الشخصية لأصحاب الدماء الزرقاء.
أتذكر مقولة فيلب رادوك وزير الهجرة في حكومة جون هاورد اليمينية المحافظة في استراليا أواخر تسعينيات القرن الماضي أبان ارتفاع نسبة هجرة العراقيين وسواهم لاستراليا عن طريق البحر قال ما معناه:
(نريد لاستراليا سمعة سيئة) وذلك عقب طرح مشروع قانون جديد للهجرة يشدد على المهاجرين ويحد من قدوم المزيد منهم في خطوة جعلت توقيع استراليا على معاهدة اللجوء على المحك.
حزب الأحرار الحاكم آنذاك سعى بكل جد لخلق سمعة سيئة لاستراليا لا لشيء إلا للحد من الهجرة حتى لا يشارك الآخرون من المهاجرين الاستراليين العيش في استراليا رغم كونها قارة مترامية الأطراف.
ولم تثن الحكومةَ كلُ الصيحات والانتقادات الداخلية والخارجية بما فيها نداءات الأمم المتحدة، فمضت في خططها وتغيرت قوانين الهجرة بجرة قلم.
وهكذا سوء السمعة يصبح كبريتا احمر يحرص الحكام على اقتنائه طالما حافظ على الامتيازات.
لست في وارد انتقاد نظام الحكم في استراليا كما لا يعنيني تغيير قوانين الهجرة بتلك البلد فالنقطة المستهدفة هي لا أبالية (سوء السمعة) في مقابل الحصول على الامتيازات.
فهناك فارق جذري بين الوضع في استراليا وبين الوضع في مثل بلدنا فالأولى تدار بالآلية الديمقراطية بينما الأخرى تفقد أبسط حقوق المواطنة وتدار بأسلوب قبلي بالي.
فكأني بنظام الحكم في البحرين يسعى لإسخاط المواطنين وتسجيل سوء السمعة له من اجل ان لا يشارك المواطنون في الحكم والقرارات حتى لا ينالوا حقوقهم و لا يحصلوا على نصيبهم من الثروة وهكذا.
وفي الوقت نفسه يتم تسخير وسائل الإعلام لخداع العالم على خلاف ما يدور في البلد فيتخيل المتابع ان البحرين ليست سوى المدينة الفاضلة.
لست اكشف سرا في شيء مما مضى فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
فإذا كان ما مضى واضحا جليا يوافقني القارئ العزيز عليه فان ما لا يحتاج لتأمل هو ان قبولنا بلعبة النظام دون أدنى مقاومة ستصيبنا بالعمى والانتظار لسراب معلقين آمالنا على أوهام تخدرنا.
وللحديث تتمة.