التكاليف الشرعية الاسلامية تارة تكون شخصية واخرى اجتماعية فالتكليف الشخصي ينطلق من مصلحة تتعلق بالشخص حين امتثاله للتكليف وتفوت هذه المصلحة حين يتخلى عن الامتثال ولكن لا تفوت مصلحة ترتبط بالجسم الاجتماعي بصورة مباشرة فيكون الخاسر بشكل مباشر هو الشخص دون المجتمع ولعل اكثر التكاليف تاخذ هذا الطابع وتتميز بهذه الصبغة.
ولهذا نجد موضوعات الاحكام الشرعية الصرفة يترك تحديدها الى المكلف نفسه بصورة شخصية فعدالة زيد أو عدمها يحددها المكلف نفسه الذي يريد ان يقبل شهادته في رؤية الهلال او يريد ان يصلي خلفه على سبيل المثال.
التكاليف الاجتماعية
اما التكاليف الاجتماعية فمرجعها يعود لمصلحة تعود في الاساس للمجتمع بغض النظر عن الفرد فقد لا تكون هناك مصلحة مباشرة للفرد في امتثال التكليف الاجتماعي بل ربما تكون مصلحة الفرد في عصيان ذلك التكليف ذا البعد الاجتماعي فمن تلك التكاليف الاجتماعية ضريبة الخمس والزكاة ونحوهما فالمصلحة الشخصية البحتة والمباشرة للشخص تقتضي الاحتفاظ بماله الخاص والامتناع عن تسليمه لمستحقيه غير ان دفع هذه الضريبة وامتثالها يعود بالنفع على المجتمع بشكل عام وينعكس خيره على الفرد بصورة غير مباشرة.
والتكاليف الاجتماعية تنبع طرا من مصلحة عامة تدر بخيرها على المجتمع بشكل عام غير ان هذه التكاليف الاخيرة بدورها تنقسم الى قسمين:-
احدهما- تكاليف لها مردود على الاخر مهما تقلص امتثالها فاستيفاء المصلحة يتناسب طرديا مع حجم امتثالها ومثاله الضرائب الشرعية من الخمس والزكاة فلو فرضنا ان امتثالها اقتصر على شخص واحد دفع زكاته لفقير فان هذا الامتثال لا يستفرغ من تحصيل المصلحة فالنفع هنا يستفيد منه الفقير المتلقي للزكاة.
فهذه تكاليف اجتماعية اسميها جماعية وتسميتها بالاجتماعية بلحاظ ان مردودها المباشر يعود على الآخر وليس بلحاظ اشتراط تأثيرها بالتزام المجتمع بها وان كان الالتزام بها يتناسب طرديا مع المنفعة المترتبة على الامتثال.
التكاليف الاجتماعية المجموعية
والقسم الاخر- تكاليف ربما لا يكون لها مردود ما لم تلتزم بها الامة وتشكل ظاهرة على الاقل فالتزام فرد هنا وفرد هناك بها لا يعطيها أي مردود مباشر على المجتمع ومن هنا نستطيع ان نسميها التكاليف الاجتماعية المجموعية.
فتكون الاقسام ثلاثة:- 1- تكليف شخصي 2- وتكليف اجتماعي جماعي 3- وتكليف اجتماعي مجموعي.
ولا نعني بالتكاليف الاجتماعية المجموعية اشتراط ترتب الفائدة عليها بالتزام مجموع افراد الامة بها.
بل يكفي فيها التزام الاغلبية او أدنى منها بمقدار ما يسمى ظاهرة اجتماعية حتى تؤتي ثمارها وتؤثر في المصلحة العامة بشكل فعلي ومباشر.
وليس بعيدا دخول مثل (تواصوا بالحق) و (لا تنازعوا) في ما سميناه بالتكاليف الاجتماعية المجموعية.
فالتواصي بالحق لا يتحقق في حالة وصية المؤمن لغير المؤمن وقبول هذا المؤمن لوصية غير المؤمن.
فبالرغم من تحقق ارسال النصيحة واستقبالها من احد المؤمنين الا ان ذلك لا يحقق مفهوم تواصي المؤمنين بالحق.
ومثل هذا الموقف ليس له مردود على المجتمع نعم له مردود على هذا الشخص وعلى الغير ولكن الغرض الاساس من هذا النحو من التكليف هو تحصيل منفعة تعود للمجتمع بشكل عام.
فحتى يكون لمبدأ التواصي بالحق مفعولا ايجابيا يتحتم التزامه من الجميع بدرجة لا تقل عن الظاهرة حتى يمكن اقتطاف الثمرة.
ولعل احدى مميزات التكليف الاجتماعي المجموعي الخطاب القرآني حيث يظهر منه توجه الخطاب للامة بما تحمله من صفة اجتماعية وفي موضوع التواصي حيث لم يكن المطلوب والمصلحة الاساسية شخصية.
وليس المستهدف التزام زيد وامتثال عمرو ومن هنا جاء الخطاب بصيغة (تواصوا) فلو كان الغرض يتم استيفائه من الشخص مهما قل العدد لاكتفى القرآن الكريم بمخاطبة المؤمن ان ينصح غيره ويقبل نصيحة الاخر فالعدول عن هذا الاسلوب لاسلوب مخاطبة المجموع وتوصيف المؤمنين بانهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر ونحو ذلك يستنتج منه ان هذا التوصيف يشير الى ان المصلحة اجتماعية وتستوفى حينما تشكل ظاهرة اجتماعية عامة.
على ان هذا الامر لا نعتبره القرينة الوحيدة لتصنيف هذا التكليف بالتكليف الاجتماعي المجموعي لان ذلك يتطلب دراسة مستفيضة وشرحا لا يتناسب وحجم هذا المقال.
فثقافة النقد الايجابي وقبوله لا تعود ذات جدوى اذا كان السائد ثقافد التقليد والتقديس وهكذا تجد الهروب للامام حاضرا بقوة بتقديس الشخص الذي يتم توجيه الانتقاد له فكأن الحقائق توزن بالاشخاص وكأن العدل يتبع الافراد وقيمتهم العلمية او التاريخية.
فلا ينقضي عجبي من مواجهة كل نقد بما يتمتع به فلان وفلان من خصائص أو بتكرار استلزام التوهين الذي لا أفقه له أي انتساب بالنقد البناء.
هناك تعليق واحد:
very good blog, congratulations
regard from Catalonia Spain
thank you
إرسال تعليق