الاثنين، 25 يناير 2010

ما هي الحكومة الاسلامية العادلة في زماننا؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين.
نسأل الله سبحانه ان يمن بالشفاء العاجل على سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الجليل المقداد بالشفاء العاجل وان يعود لمحرابه عاجلا كما نعزي المؤمنين بوفاة خادم الامام الحسين عليه السلام الشيخ حسن الباقري تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جنته والهم ذويه الصبر والسلوان ورزقه الله شفاعة الحسين واهل البيت عليهم السلام.
كما لا يفوتني ان ابارك اطلاق سراح المعتقلين واسال الله ان يفرج عن الباقين.
قبل الدخول في موضوع اليوم اود الاشارة الى ان ما ذكرته في الاسبوع الماضي عن سيدنا الخوئي رحمه الله تعالى من ان تشخيص موضوع الجهاد بيد اهل الخبرة
ليس فيه اجتزاء ونقلت نص عبارته من المنهاج وهي كالتالي:
أن الظاهر عدم سقوط وجوب الجهاد في عصر الغيبة وثبوته في كافة الأعصار لدى توفر شرائط ، وهو في زمن الغيبة منوط بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة في الموضوع أن في الجهاد معهم مصلحة للاسلام على أساس أن لديهم قوة كافية من حيث العدد والعدة لدحرهم بشكل لا يحتمل عادة أن يخسروا في المعركة ، فإذا توفرت هذه الشرائط عندهم وجب عليهم الجهاد والمقاتلة معهم . منهاج الصالحين.
واما مسالة توقف جواز الجهاد الابتدائي مع الكفار على اذن الفقيه فهي مسالة اخرى لم انقلها لعدم الحاجة لها وهي تؤكد ايضا بان الموضوع بيد اهل الخبرة وانه يجب على الفقيه ان يشاور اهل الخبرة في ذلك ثم يقوم الفقيه باعطاء القرار على ضوء تحقق الاطمئنان الكامل بتحقق الموضوع من قبل اهل الخبرة في الشأن السياسي (السياسيين).
قال رحمه الله تعالى: المقام الثاني : أنا لو قلنا بمشروعية أصل الجهاد في عصر الغيبة فهل يعتبر فيها إذن الفقيه الجامع للشرائط أو لا ؟ يظهر من صاحب الجواهر ( قدس سره ) اعتباره بدعوى عموم ولايته بمثل ذلك في زمن الغيبة . وهذا الكلام غير بعيد بالتقريب الآتي ، وهو أن على الفقيه أن يشاور في هذا الأمر المهم أهل الخبرة والبصيرة من المسلمين حتى يطمئن بأن لدى المسلمين من العدة والعدد ما يكفي للغلبة على الكفار الحربيين ، وبما أن علمية هذا الأمر المهم في الخارج بحاجة إلى قائد وآمر يرى المسلمين نفوذ أمره عليهم ، فلا محالة يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط ، فإنه يتصدى لتنفيذ هذا الأمر المهم من باب الحسبة على أساس أن تصدى غيره لذلك يوجب الهرج المرج ويؤدي إلى عدم تنفيذه بشكل مطلوب وكامل .
منهاج الصالحين.
وكان الكلام حول عبارة سيدنا السيستاني مد ظله التالية:
قرار المشاركة أو المقاطعة يتخذه أبناء البلد من : ( العلماء، والمثقفين، وغيرهم من ذوي الخبرة بالشأن السياسي)
فذكر العلماء والمثقفين بما لهم حظ من الخبرة السياسية وليس للعالم او المثقف دور بدون الخبرة السياسية كما يدل عليه ذيل العبارة وهكذا كان التركيز على هذه النقطة والمقارنة بين كلام كل من العلمين رحمها الله تعالى فتحصل ان قرار المشاركة او المقاطعة بيد اهل الخبرة في الشأن السياسي بلا حاجة الى اذن فقيه او قرار منه فما هي الحاجة لذكر مسائل الجهاد الابتدائي وتفريعاتها في حين لسنا بصددها ولا مبتلين بها؟.
فالاصل هو ان يشخص الموضوع الكلف او اهل الخبرة بدون الحاجة لقرار الفقيه اما تدخل الفقيه او الحاجة لتدخله بقرار بناء على سعة ولاية الفقيه فهو حالة استثنائية بعكس ما يصور من ان الاصل هو تشخيص الفقيه بدلا عن المكلف واهل الخبرة فهو تصوير خاطئ جدا وغرضنا التركيز على الاصل وليس الاستثناء النادر.
اما موضوع اليوم فيرتبط
بقوله تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا / النساء(65).
هذه الاية الكريمة وغيرها الكثير من النصوص الدينية تعطي الحق لرسول الله ص وكذلك لأئمة الهدى عليهم السلام في اقامة حكومة العدل الكاملة والكلام حول ذلك يحتاج الى وقت طويل ولكني راغب في قراءة سريعة لرسالة (تنبيه الامة وتنزيه الملة)
فبحسب نظرية المحقق الكبير صاحب المدرسة الاصولية الكبرى الميرزا محمد حسين النائيني (1274ـ1355 هـ) تلميذ المجدد السيد محمد حسن الشيرازي صاحب ثورة التنباك واستاذ السيد الخوئي رحمهم الله تعالى في
فان نظام الحكم والسلطنة له شكلان:-
الشكل الاول نظام الحكم الاستبدادي الذي لا يعرف للمشورة طريقا ولا للرأي الآخر وزنا ولا قيمة واعتبر هذا الحكم عبارة اخرى عن الربوبية والالوهية.
وقسم الاستبداد الى سياسي وديني وفرق بينهما بان الاول يمارس القهر والغلبة مستشهدا ببعض النصوص الدينية مثل:-
{عبّدت بني إسرائيل} و "اتخذتهم الفراعنة عبيداً"
بينما الثاني يملك القلوب واستشهد له بعدة نصوص دينية منها قوله تعالى:
{اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} وما ورد في تفسيرها من الروايات عن اهل بيت العصمة (ع).
فالفرق بين الاستبداد الديني والسياسي ان الاخير يستعمل القوة والحديد والنار لفرض ارادته على الناس بينما الاستبداد الديني يستغل المحبة الدينية والولاء لفرض الراي واعتبر الثاني اخطر من الاول لانه يفتقد الوعي ويمارسه الناس طواعية ويرى ان من الواجب تبصير الناس بمخاطر الاستبداد الديني والسياسي.
الشكل الثاني نظام الحكم الإسلامي المسؤول الامين.
وافاد بان دور هذا النظام يتلخص في اقامة المصالح العامة ومبني على تحرير الأمة من الرق البغيض من جهة، ومشاركة أفراد الأمة بعضهم مع بعض ومساواتهم مع شخص السلطان في جميع أمور البلاد من جهة ثانية، ويتفرع عن ذلك حق الأمة في المحاسبة والمراقبة ومسؤولية الموظفين.
وان هذا النظام له ثلاث درجات:-
الدرجة الاولى:- حكم المعصوم حكم رسول الله ص والائمة عليهم السلام يقول:
اعتبرت العصمة في مذهبنا ـ نحن معشر الإمامية ـ شرطاً في الوليّ؛ فهي أعلى درجة متصورة في مقام حفظ الأمانة والحيلولة دون الاستبداد وتحكيم الشهوات. ومن الواضح أن اصابة الواقع والصلاح، وعدم الوقوع في المعصية حتى من باب الخطأ والاشتباه، وكذلك المحاسبة الإلهية وإيثار الوالي تمام أفراد الأمة على نفسه، إلى غير ذلك من الخصائص، أمور تنتهي بواسطة العصمة والانخلاع عن الشهوة إلى درجة لا يصل إلى كنهها أحد، ولا يدرك العقل البشري حقيقتها.
الدرجة الثانية:- في زمان الغيبة الكبرى يصور الحكم الإسلامي الشرعي مختصرا بما يلي:
ان يتمتع النظام بدستورعادل يوزع الصلاحيات على السلطات القضائية والتشريعية الرقابية والتنفيذية وان يكون للفقهاء دور في الرقابة بحيث لا تصدر تشريعات تخالف الشريعة الاسلامية.
وان لكل فرد من افراد الشعب حق نقد الحكومة والمتولين على ادارة الشأن العام.
واعتبر هذه الدرجة من الحكم الإسلامي الشرعي بمثابة الظل للعصمة واقرب صورة لحكم المعصوم عليه السلام.
قال رحمه الله:
غاية ما يمكن إيجاده ونهاية ما يتصور اطراده كبديل بشري طبيعي عن تلك العصمة العاصمة هو حل بمثابة المجاز عن تلك الحقيقة وظل لتلك الصورة. ويتوقف هذا الحل على أمرين:
1ـ إيجاد دستور وافٍ بالتحديد المذكور، بحيث تتميز الوظائف التي يُلزم السلطان بإقامتها عن المجالات التي لا يحق له التدخّل فيها والتصرف بها. ويتضمن أيضاً كيفية إقامة تلك الوظائف وإيضاح درجة استيلاء السلطان وحرية الأمة وما لفئاتها وطبقاتها من حقوق، على وجه يكون موافقاً لمقررات المذهب ومقتضيات الشرع؛ بحيث يكون الخروج عن عهدة هذه الوظيفة والإفراط أو التفريط في هذه الأمانة إفراطاً خيانة ـ كسائر أنواع الخيانة بالأمانات ـ موجبة للانعزال عن السلطة بشكل رسمي وأبدي، وتترتب عليها سائر العقوبات المترتبة على الخيانة. وهو ـ أي الدستور المقترح ـ في باب السياسة والنظام بمثابة الرسالة العملية للمقلدين في أبواب العبادات والمعاملات، وعلى أساسه تبتنى السلطة المقيدة المحدودة، ولذا يلزم مراعاته وعدم تخطّيه في الجزئيات والكليات، ويطلق عليه اسم النظام الدستوري والقانون الأساسي.
2ـ إحكام المراقبة والمحاسبة، وإيكال هذه الوظيفة إلى هيئة مسددة من عقلاء الأمة وعلمائها الخبراء بالحقوق الدولية المطلعين على مقتضيات العصر وخصائصه، ليقوموا بدور المحاسبة والمراقبة تجاه ولاة الأمور الماسكين بزمام الدولة، بغية الحيلولة دون حصول أي تجاوز أو تفريط، وهؤلاء هم مندوبو الأمة والمبعوثون عنها، ويمثلون قوتها العلمية، والمجلس النيابي عبارة عن المجمع الرسمي المكون منهم.
الدرجة الثالثة: هي حكم من لا يملك الشرعية الدينية ولكن يقيد حكمه بالدستور على نحو الدرجة الثانية والفرق ان الدرجة الثانية من الحكم تتسم بالعدالة وعدم تجاوز الشريعة ويتسم الحكم بالشرعية الدينية الكاملة اما الدرجة الثالثة فيكون الحاكم فيها بمثابة الغاصب لموقع الحاكمية فلا يتمتع بالشرعية الدينية فتقع فيه عدة مخالفات للدين ولكنه حكم مقبول في الجملة ويجب تحقيق التقييد بالدستور والسعي له من باب (ما لا يدرك كله لا يترك كله) فيرى ضرورة تقييد نظام الحكم بدستور يتمتع بصلاحيات تزيل الاستبداد عن نظام الحكم وتوفر مراقبته ومحاسبته حتى لا يظلم الشعب، فيكون هذا الحكم حكما عادلا بصورة نسبية.
يقول رحمه الله:
إن السلطة الإسلامية لابد وأن تتحدد بعدم الاستئثار والاستبداد كحد أدنى الى ان قال: فإن هذا هو القدر المتيقن بين الفريقين (سنة وشيعة) والمتفق عليه من قبل الأمة. ولا ريب أنه من ضروريات الدين الإسلامي.
وقال ايضا:
إن حقيقة السلطة الإسلامية هي الولاية على مجريات سياسة أمور الأمة ومعرفة حدودها ومقوماتها، وبما أنها تعتمد مساهمة جميع أفراد الشعب في أمور البلاد كأصل مسلّم به، لذا فهي تكرّس مبدأ التشاور مع عقلاء الأمة وهو ما يسمى بالشورى الشعبية العامة، ولا تنحصر بالتشاور مع بطانة الوالي وخاصته ومقرّبيه، وقد نص القرآن الكريم على مبدأ الشورى وثبّتته السيرة النبوية المقدسة كأحد أهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وبقيت هذه السنة محفوظة إلى أن تولّى معاوية أمر الخلافة.
والآية الكريمة: {وشاورهم في الأمر} تدل دلالة واضحة على هذا المعنى حيث تخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو العقل الكل ومعدن العصمة، وتأمره بالتشاور مع عقلاء الأمة. والظاهر من الآية بالضرورة أن مرجع الضمير يعود على جميع أفراد الأمة، من المهاجرين والأنصار قاطبة.
والآية الكريمة {وأمرهم شورى بينهم} تدل على أن ما يتشاور بخصوصه هي الأمور السياسية، وأنه لابد من العمل بمبدأ الشورى في مثل هذه الأمور.
وإذا ما راجعنا كتب السيرة لرأينا أن سيرة الرسول المقدسة مليئة بالشواهد الدالة على تأييده ودعمه (صلى الله عليه وآله وسلم) لمبدأ الشورى والعمل به، فكثيراً ما كان يردد على أصحابه بقوله: "أشيروا عليَّ أصحابي".
ففي غزوة أحد مثلاً كان رأي الرسول وجماعة من أصحابه هو البقاء في المدينة المنورة وعدم الخروج منها، ورغم أن النتائج أسفرت فيما بعد عن صحة وسداد رأي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن بما أن آراء الأكثرية استقرت على الخروج فقد وافقهم الرسول على ما أرادوه وتحمل من أجل ذلك ما تحمل من المصائب الجليلة.
وأما الخلفاء الأوائل فقد أبقوا على هذه السنة وحافظوا عليها، مما أدى بالنتيجة إلى تلك الانتصارات الباهرة التي حقّقوها في الصدر الأول من الإسلام.
وفي صفين بعد أن عدّ أمير المؤمنين حقوق الوالي على الرعية وحقوق الرعية على الوالي خاطب أصحابه وكانوا يربون على الخمسين ألف نفر قائلاً:
"فلا تكلّموني بما تُكَلّم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حقٍ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفس، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما عليه أثقل. فلا تكفّوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل".
وجدير بنا نحن الذين ندّعي التشيع أن نتمعن قليلاً في مفاد هذا الكلام المبارك ونتأمّله سعياً منا لأدراك الواقع وبلوغ الحقيقة وإلغاء الأغراض النفسية، وأن نعي عمل الإمام في رفع هيبة الخلافة وجلال مقامها عن قلوب الأمة ومنحها أعلى درجات الحرية وترغيب الناس في إبداء أي اعتراض أو مشورة، وكيف أنه عدّ المشورة في عداد حقوق الوالي على الرعية أو الرعية عليَّ الوالي، ونمعن النظر في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "أشيروا عليّ أصحابي"، لنتبين السر في ذلك كله. فهل الاهتمام بأمر الشورى من قبله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل أن لا يقع في الخطأ وهو على ما هو عليه من درجة العصمة الرفيعة التي تغنيه عن العالم بأجمعه فيما يتعلق بإصابة الأمر الواقع؟! حاشاهم الله عن ذلك.
وقال ايضا:
ولما كان حفظ هذه الدرجة المتيقنة بين الأمة مما يمكن القيام به عادة بحسب القوة البشرية، وليس كما هي عليه سائر المراتب التي يختص بها مذهبنا ويتعذر حفظها إلاّ مع العصمة، لذلك فإن الحفاظ عليها واجب بأي شكل أمكن، خاصة إذا كان المتصدي غاصباً، فحينئذ لا يحق لأي مسلم يظهر الشهادتين أن ينكر وجوب ما قلناه، إلاّ أن يخرج من ملتنا ويدين بغير ديننا.
اللهم ارحم شهدائنا الابرار وفرج عن اسرائنا والحمد لله رب العالمين
----------------
ملاحظة هذه ورقة لحديث الجمعة في مسجد الشيخ خلف في النويدرات بتاريخ السادس من شهر صفر الخير سنة 1431هج الموافق 22-1-2010م. 


ليست هناك تعليقات: