الجمعة، 19 أغسطس 2011

هل رؤيا المعصوم في المنام حجة؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خير خلقه محمد واله الطاهرين
 حجية المنام والرؤيا
طالما اخذت دعاوى رؤية المعصوم في المنام طريقا للضلال والانحراف فكم من فئة ضلت الطريق نتيجة تصديق مثل هذه الدعاوى لذلك نود بحث هذه المسألة بشكل مختصر فأقول:
لا ريب في حجية توجيهات النبي وائمة الهدى عليهم افضل الصلاة والسلام واعني بها التوجيهات الصادرة مباشرة منهم كمن كان يعيش معهم عليهم السلام.
وكذا التوجيهات الواصلة لنا بطريق معتبر كما في الروايات الصحيحة المعتبرة في كتب الحديث وفق آلية الاستدلال التقليدية المعهودة.
ولكن هل توجيهات المعصوم كالنبي والآل عليهم السلام في المنام حجة فهل هي كالرواية المعتبرة ام لا قيمة لها في اثبات او نفي اي حقيقة دينية؟


وذلك بعد وضوح انتفاء الحجية عن رؤيا غير المعصوم.
والجواب تارة يكون من حيث الاصل والقاعدة الاولية واخرى يكون من حيث الادلة الخاصة في الموضوع فهنا مقامان:-
المقام الاول بيان القاعدة الاولية:-
والمقصود بالأصل هنا هو الرجوع لهذا الاصل في حال فقدان اي دليل خاص في الموضوع او في حال بطلان ذلك الدليل وسقوطه عن الاعتبار لسبب ما فان العمل حينئذ على هذا الاصل فما هو الاصل هنا؟
تارة نفرض الرؤيا لا تولد الظن وأخرى نفرض انها تولده ففي
الفرض الاول: واضح انه لا حجية له اذ لا يكون الشك والوهم حجة بلا ريب وهو من الوضوح بمكان لا يحتاج معه الى بحث وكلام على ان البحث في الفرض الثاني التالي يغطي الفرض الاول بالأولوية كما سيتضح.
الفرض الثاني: فرض ان الرؤيا تفيد الظن فبحكم عمومات نفي حجية الظن من الكتاب والسنة يتبين ان الرؤيا لا حجية لها اطلاقا كقوله تعالى:
)وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ {يونس/36.
 وقوله تعالى: (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا {النجم/28.
وقوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً {الإسراء/36.
وهكذا نخلص الى ان القاعدة القرآنية تفيد نفي حجية الرؤيا وسقوطها عن الاعتبار لو افادت الظن فضلا عما لو انحدرت عن افادة الظن كما لعله الغالب وحسب ما تفسره الدراسات النفسية لحقيقة كثير من الرؤيا والمنام وهي ما يعبر عنها بأضغاث الاحلام.
المقام الثاني في روايات المسألة الخاصة:-
وهي ان تمت خرجنا بها من الاصل الاولي والا بقينا على الاصل الاولي.
قال السيد المرتضى علم الهدى قدس سره: فان قيل : فما تأويل ما يروى عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : ( من رآني فقد رآني فان الشيطان لا يتمثل بي ) وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلى الله عليه وآله ويخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر به الاخر ، فكيف يكون رائيا له في الحقيقة مع هذا ؟ .
قلنا : هذا خبر واحد ضعيف من أضعف اخبار الاحاد ، ولا معول على مثل ذلك . على أنه يمكن مع تسليم صحته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ، لان الشيطان لا يتمثل بي لليقظان . فقد قيل : ان الشيطان ربما تمثل بصورة البشر .
وهذا التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ، لأنه قال : من رآني فقد رآني ، فأثبت غيره رائيا له ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رائي له في الحقيقة ولا مرئي ، وانما ذلك في اليقظة . ولو حملناه على النوم ، لكان تقدير الكلام : من اعتقد أنه يراني في منامه وان كان غير راء له في الحقيقة ، فهو في الحكم كأنه قد رآني . وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر وتبديل لصيغته .
انتهى كلامه رفع مقامه.
ويتلخص ما افاده قدس سره في ثلاث اعتراضات:-
الاعتراض الاول ان هذا الخبر من اخبار الاحاد فلا حجية له.
الاعتراض الثاني ان الخبر ضعيف بل من اضعف اخبار الاحاد.
الاعتراض الثالث ان ظاهر الخبر ان من رأى رسول الله ص في اليقظة فقد راه حقيقة فان الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه واله، وحمل الخبر على رؤيته ص في المنام يحتاج لتقدير المنام وهو خلاف الظاهر والنتيجة انه لا يستفاد منه ان الشيطان لا يتمثل بالنبي في المنام فالحديث اجنبي تماما عن ما ادعي.
اقول: اما الاعتراض الاول فهو مبنائي انما يتم بناء على سقوط حجية أخبار الاحاد مطلقا ولا يتم بناء على ما ذهب له المشهور من حجية اخبار الاحاد اذا كان رواتها ثقاة كما هو الحق.
واما الاعتراض الثاني والثالث فلا باس بهما فالخبر بهذا النص كما افاد قدس سره فهو ضعيف سندا ونقاشه قدس سره من ناحية الدلالة له وجه ، ولكن الصدوق رحمه الله روى نصا آخر للحديث عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (ع) أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِي: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا دُفِنَ فِي أَرْضِكُمْ بَضْعَتِي وَ اسْتُحْفِظْتُمْ وَدِيعَتِي وَ غُيِّبَ فِي ثَرَاكُمْ نَجْمِي فَقَالَ لَهُ الرِّضَا (ع): أَنَا الْمَدْفُونُ فِي أَرْضِكُمْ وَ أَنَا بَضْعَةٌ مِنْ نَبِيِّكُمْ وَ أَنَا الْوَدِيعَةُ وَ النَّجْمُ أَلَا فَمَنْ زَارَنِي وَ هُوَ يَعْرِفُ مَا  أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ حَقِّي وَ طَاعَتِي فَأَنَا وَ آبَائِي شُفَعَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ مَنْ كُنَّا شُفَعَاءَهُ نَجَا وَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ (ع) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: مَنْ رَآنِي فِي مَنَامِهِ فَقَدْ رَآنِي لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَائِي وَ لَا فِي صُورَةِ وَاحِدَةٍ مِنْ شِيعَتِهِمْ وَ إِنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ .
فقيه من لا يحضره الفقيه.
وهذا الحديث تام سندا ، ومن ناحية الدلالة لا ترد تلك المناقشة فيه اذ صرح فيه بالرؤية في المنام اجل المناقشة الاولى واردة على مبناه قدس سره وغير واردة على مذهب المشهور.
فهل يثبت بهذا الحديث حجية الرؤيا والمنام ونخرج بذلك عن الاصل الاولي فتكون توجيهات المعصوم في المنام حجة ام لا؟
لا يمكن الخروج عن الاصل الاولي وذلك للمانع الذي يمكن ان يصور بأكثر من وجه:-
الوجه الاول- أن هذه المسألة وهي كون الرؤيا مصدراً لاستقاء أحكام الشريعة من سلك مسائل الأصول الاعتقادية فكيف يعوّل فيها على خبر واحد ظنّي، إذ لا بدَّ فيها من اليقين والقطع.
دعوى السفارة في الغيبة الكبرى للشيخ محمد سند.
اقول: للمناقشة في ذلك مجال:
اولا:- لان حجية قول المعصوم في المنام لا تدخل في الاعتقادات لوضوح خروجها عنها ودخولها في مسائل علم اصول الفقه نظير حجية الظن الناشئ من خبر الثقة والظهور ونحو ذلك فحجية او عدم حجية المنام يدخل في مسائل اصول الفقه لا في مسائل اصول الدين.
ثانيا:- المسائل العقائدية التي يتعين فيها اليقين وعدم جواز التقليد هي اصول العقائد كالتوحيد والعدل والمعاد اما المسائل العقائدية الفرعية فلا يتعين فيها اليقين فكما ان الظنون الخاصة حجة في الفقه فهي حجة في العقائد الفرعية والتفصيلية بلا ادنى فرق كالشفاعة والحوض والصراط وسؤال منكر ونكير ونحو ذلك.
الوجه الثاني:-
معارضة الحديث بما يدل على نفي الحجية كالصحيح في الكافي علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلت : جعلت فداك في ماذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنهم يقولون : إن أبي بن كعب رآه في النوم ، فقال : كذبوا فإن دين الله عز وجل أعز من أن يرى في النوم...
الكافي ج3 ص 482.
ودلالة الحديث واضحة في نفي جواز اخذ الاحكام الشرعية عن طريق المنام وان كان المرئي فيه النبي والامام.
وكالمعتبر في رجال الكشي ايضا: وجدت بخط جبريل بن أحمد: حدثني محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن حماد بن عثمان عن زرارة قال: قال أبو عبد الله (ع): أخبرني عن حمزة أيزعم أن أبي آتيه؟ قلت: نعم قال: كذب و الله ما يأتيه إلا المتكون إن إبليس سلط شيطانا يقال له المتكون يأتي الناس في أي صورة شاء إن شاء في صورة صغيرة و إن شاء في صورة كبيرة و لا و الله ما يستطيع أن يجيء في صورة أبي (عليه السلام).
وتقريب الاستدلال به ان الامام الصادق عليه السلام نفى تمثل ابليس في صورة الامام ع وان من يفعل ذلك هو شيطان يقال له المتكون والنتيجة سقوط حجية رؤيا المعصوم لإمكان تمثل الشيطان به بناء على ان النفي ذيل الحديث راجع لإبليس لا الشيطان دفعا للتهافت حيث اقر الامام عليه السلام صدر الحديث بان من يأتي حمزة - المدعي لرؤية الامام الباقر ع – هو الشيطان الذي يقال له المتكون ، فلا محالة يكون النفي ذيل الحديث لإبليس والا تهافت صدر الحديث مع ذيله.
وكالصحيح في رجال الكشي عن سعد قال حدثني أحمد بن محمد عن أبيه و الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير. و حدثني محمد بن عيسى عن يونس و محمد بن أبي عمير عن محمد بن عمر بن أذينة عن بريد بن معاوية العجلي قال كان حمزة بن عمارة البربري لعنه الله يقول لأصحابه إن أبا جعفر (ع) يأتيني في كل ليلة و لا يزال إنسان يزعم أنه قد أراه إياه فقدر لي أني لقيت أبا جعفر (ع) فحدثته بما يقول حمزة فقال كذب عليه لعنة الله ما يقدر الشيطان أن يتمثل في صورة نبي و لا وصي نبي.
رجال الکشی
غير ان هذا الحديث يكذب المدعي في واقعة شخصية ولا يتضح منه نفي الحجية عن كل المنامات.
وعليه فان لم ترجح هذه الطائفة من الاخبار فلا اقل من التساوي والتعارض فتتساقط ونرجع للأصل الاولي القاضي بنفي حجية المنامات.
الوجه الثالث:-
بعدما عرفت ما مر من الروايات الآنفة الذكر فيمكن القول بانها مفسرة لحديث الصدوق في الفقيه فيجمع بينها وبينه بان يفسر مفاده بان عدم التمثل في الشكل والصورة وان رؤية المعصوم بركة للرائي معنويا دون حجية ما قد يقوله المعصوم في المنام جمعا بين الروايات ويعزز ذلك سياق الحديث عن الاخبار بمدفن الامام الرضا عليه السلام دون اعطاء حكم شرعي ويزيده وضوحا قوله ع: (وَ لَا فِي صُورَةِ وَاحِدَةٍ مِنْ شِيعَتِهِمْ) فان عدم تمثل الشيطان في صورة الشيعي لا تستهدف سوى البركة ورفع المعنويات لا اثبات الحجية لوضوح ان قول كل شيعي ليس حجة.
الوجه الرابع:-
على تقدير رفض الوجه الثالث بعد معارضة حديث ابن فضال لطائفة من الروايات -وقد تقدمت- فان الترجيح لصالح هذه الروايات مقابل حديث ابن فضال نظرا لمخالفته كتاب الله وموافقة تلك الروايات لكتاب الله.
الوجه الخامس:-
ان نفي حجية المنام مما اجمع عليه بل هو من المسلمات عند فقهاء الامامية فحديث الصدوق لو تم في نفسه فلا يكون حجة ومخرجا عن الاصل الاولي نظرا لمخالفته لأمر قطعي متسالم عليه نظير ما خالف كتاب الله.
وهكذا نصل الى ان انتفاء حجية المنامات من الواضحات التي لا مجال فيها للجدال.
والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: