السبت، 14 نوفمبر 2009

مجربات الامامية


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.
مجربات الامامية (1)
روى الشيخ الصدوق (ره) في علل الشرائع بسنده عن ابن شبرمة – في حديث طويل- قال : دخلت انا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) فقال لأبي حنيفة : اتق الله ، ولا تقس الدين برأيك فان أول من قاس إبليس - إلى أن قال : - ويحك أيهما أعظم ؟ قتل النفس ؟ أو الزنا ؟ قال : قتل النفس ، قال : فان الله عز وجل قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ، ثم أيهما أعظم ؟ الصلاة ؟ أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف يقوم لك القياس ؟ فاتق الله ، ولا تقس. (علل الشرائع ص 87.)
تتفق مدرسة ابي حنيفة مع مدرسة الامام الصادق (ع)
في ان القرآن مصدر أساسي لمعرفة أحكام الله تبارك وتعالى.

كما تتفقان على مصدرية السنة قولا وفعلا وتقريرا وان اختلفا في مفهوم السنة فمدرسة ابي حنيفة تحصرها في رسول الله صلى الله عليه وآله.
بينما مدرسة الامام الصادق (ع) تؤمن بان السنة تشمل بالاضافة لرسول الله (ص) فاطمة الزهراء عليها السلام والائمة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام.
والسنة تشمل القول كأوامر المعصوم (ع) ونواهيه كما تشمل فعله (ع) كشربه للعصير العنبي الدال على اباحة شربه كما تشمل السنة تقرير المعصوم كما لو واجه من يشرب العصير العنبي دون ان ينكر عليه فعله فيدل على الجواز وكما لو واجه ظاهرة اجتماعية ولم ينكرها فيدل على اقرارها ونحو ذلك.
وفراق المدرستين في الرأي الشخصي والذوق الذاتي فمدرسة ابي حنيفة تأخذ بالرأي والاستحسانات والقياس بمعنى وجه الشبه بين مسألة معلوم حكمها الشرعي ومسألة مجهول حكمها فتقيس احداهما بالاخرى للافتاء في المسألة الثانية المشابهة للاولى.
وهذا الطريق رفضته مدرسة اهل البيت عليهم السلام رفضا قاطعا فلا يجوز القياس والاستحسان لاي فقيه.
اما استنباط الاحكام الشرعية غير الواضحة من الكتاب والسنة فانما تجوز للفقيه دون غيره فطريق الرأي الشخصي والاستحسان مسدود عن الجميع فقهاء وسواهم.
ومن الاخطاء الشائعة عند بعض الناس تقييم الفقيه على اساس بعض فتاواه مثلا تجد تقييم بعض الناس من طبقة العوام لفتوى الولاية العامة للفقيه على انها فتوى صحيحة وايجابية استنادا الى القياس او الاستحسان او التجربة بحسب تقييمهم لها فيقال مثلا ان تطبيق ولاية الفقيه اثبت صحة النظرية وعظمتها واهميتها ويلاحظ على ذلك:-
اولا- ان التجربة المزعومة لم تستند على احصاء علمي اكاديمي وانما على تجربة او تجربتين لم تتوفر على دراسة علمية اكاديمية تشرح ايجابيات وسلبيات التجربة فلا وفرة في التجارب من جهة كما لا نعلم بدراسة اكاديمية تضع الايجابيات والسلبيات على الطاولة لدراستها دراسة موضوعية محايدة.
برغم ان بعض الناس شديد التأثر بما يشاهده حسيا اكثر من الاحصاء او ربما يبني رؤيته على غير اساس الاحصاء العلمي ، خذ مثالا لو سأت شخصا عاديا تم اختياره بشكل عشوائي هذا السؤال: ايها اشد خطورة من وسائل النقل السيارة ام الطائرة؟
قد تجد الجواب بان الطائرة اشد خطورة ربما استنادا لما شاهده على شاشات التلفاز من فضاعة حوادث الطيران او ربما استنادا على تصور ان الخلل الحادث في الطائرة وهي تحلق عاليا يؤدي الى السقوط بينما خلل السيارة على الارض لا يؤدي الى السقوط ولا خطورة عالية فيه.
ولكن هذا الجواب خاطئ تماما ببساطة لانه لم يستند لاحصائية علمية والصحيح ان الطائرة اكثر أمانا من السيارة استنادا للاحصائيات العلمية وفقا لحساب الاحتمالات الرياضي.
ومع ذلك قد يصعب عليك الاقناع بهذه النتيجة لشخص فقد احد اقاربه واعزائه في حادث سقوط طائرة او تعرض نفسه لحادث طائرة نجا منه وهكذا قد يتأثر الانسان بشدة من التجربة التي مسته بشكل مباشر اكثر من الدراسة العلمية المستندة على الاحصاء الاكاديمي.
ويدخل في ذلك الحكم بمأمونية او عدم مأمونية التطعيمات مثل (التطعيم ضد انفلونزا الخنازير او H1 n1) ومدى مأمونيته انما يستند على دراسة اكاديمة واحصائية تدرس الاثار وتراقبها من قبل جهات ذات اختصاص.
ولكن في المقابل نجد تأثر الناس بالاشاعة ربما اكثر من الحقائق العلمية المستندة للاحصاء والمؤسسات العلمية ذات العلاقة.
وثانيا- اسلوب التجربة المستندة للاحصاء العلمي الاكاديمي لا يجوز تطبيقه على الاحكام الشرعية فلا يجوز للفقيه ان يجرب او يستند للاحصائيات من خلال ايجابيات او سلبيات هذا الحكم او ذاك ليستنتج صحة هذا الحكم الشرعي او خطأ ذاك لعدم اعتبار ذلك طريقا شرعيا لمعرفة الاحكام الشرعية وعدم اطلاعنا على ملاكات الاحكام الواقعية فيدخل ذلك في الاستحسان والذوق الشخصي الذي وقفت مدرسة الامام الصادق عليه السلام بقوة في وجهه وشجبته ايما شجب واستنكرته ايما استنكار.
فالفقيه ان افتى بثبوت الولاية العامة للفقيه او نفيها عنه فانما يستند في ذلك على الطرق الشرعية والوسائل الصحيحة في عملية الاستنباط الشرعي دون مثل التجربة.
وهكذا يتبين عدم جواز سلوك هذا الطريق للفقيه الجامع للشرائط واذا لم يجز للفقيه ان يسلك هذا الطريق فعدم جواز ذلك لغير الفقيه اوضح واجلى فتصحيح النظرية من العوام يدخل في فتوى العامي استنادا على الاستحسان والذوق.
فذلكة
قد تجد دعوى ان الامر الكذائي من المجربات او من مجربات الامامية ولا نعلم في الحقيقة المقصود من التجربة فهل المقصود بها تجربتها مرة واحدة او اكثر وما هي نسبة النجاح ونسبة الفشل فيما لو فرضنا تعدد التجربة.
فلا دراسة علمية تستند للاحصاء حتى يستنتج منها فائدة سين او صاد.
برغم عدم صحة سلوك هذا الطريق اساسا فيتبين مدى ابتعاد ما يسمى (مجربات الامامية) عن جادة الصواب اذ مباني الامامية تمنع بشدة من الاعتماد في معرفة حقائق الدين على التجربة وان هذا الاسم اساسا لا يتوافق مع مباني مدرسة اهل البيت عليهم السلام فهو نظير عبارة (خمر اسلامي).
--------------
(1) هذه ورقة وخلاصة حديث الجمعة بمسجد الجبل في بلاد القديم بتاريخ 24 ذي القعدة 1430 هج الموافق 13/تشرين الثاني نوفمبر/ 2009م.

 

ليست هناك تعليقات: