هل يجوز للخطيب او غيره اذا وجد رواية عن النبي ص او الامام ع ان
ينقلها للناس بصيغة قال النبي ص او قال الامام؟
الكذب على الله سبحانه وتعالى
لا شك ولا ريب في تحريم الكذب على الله
سبحانه وتعالى وتدل عليه آيات كثيرة من القرآن الكريم نذكر منها:-
قوله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) من ال عمران.
وقوله تعالى: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) من ال عمران.
وقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) من النساء.
وقوله تعالى: وَلَا
تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا
عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا
يُفْلِحُونَ (116) من سورة النحل.
وقوله سبحانه:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى
رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا
لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) هود.
وقوله جلت
اسماؤه: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ
مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر.
بل مفاد الآية الاخيرة ان الكذب على الله
سبحانه من الكبائر بناء على أنها التي اوعد الله عليها بالنار.
فما هو الكذب؟
الجواب الكذب هو الاخبار بما يخالف الواقع مقابل الصدق الذي هو الاخبار بما يوافق الواقع
فمن اخبر بشيء وكان خبره مطابقا للواقع فهو صادق ومن اخبر بشيء وخالف خبره الواقع
فهو كاذب.
ما هو حكم نسبة شيء غير معلوم لله سبحانه
وتعالى؟
الجواب: يمكن لمن سمع الآيات التي تلوناها
عليك ان يقول: ان من نسب ما لا يعلم صحة نسبته لله متجري وليس عاصيا فان كان ما
نسبه لله سبحانه وتعالى موافقا للواقع كأن نسب حلية شيء له سبحانه وكان ذلك الشيء
حلالا في الواقع وشرع ِالله تبارك وتعالى فانه لا يكون كاذبا لعدم مخالفة خبره
للواقع ونفس الامر، غاية الامر تجرأ هذا المخبر واخبر بما لا يعلم مطابقته او
مخالفته للواقع.
ولكن هذا التصور ليس صحيحا وذلك لان القرآن
الكريم اعتبره كاذبا وان كان خبره مطابقا للواقع في قوله تعالى: قُلْ
أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ
حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ
(59) من سورة يونس.
فالآية الكريمة تنص على ان نسبة الحلال والحرام لشريعة الله عز وجل
دون اذن منه داخلة في الافتراء والكذب عليه سبحانه لدوران الامر بين الاذن والكذب
فقد حصرت الآية الكريمة فتوى الحلال والحرام في المأذون له والمفتري فمن لم
يؤذن له فهو كاذب مفتر.
كما ان قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) من سورة الاعراف
نص آخر على حرمة القول على الله سبحانه بغير علم وان لم تنص على انه
كذب.
فنسبة الاخبار المتضمنة للأحكام للنبي ص او ائمة الهدى عليهم السلام
دون العلم بصحتها او قيام الحجة عليها تدخل في الكذب على الله سبحانه وتعالى بمقتضى
آية (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) وذلك لاعتقادنا
بعصمتهم وان كل ما يقولونه من حلال وحرام وشرائع واحكام انما هي من عند الله
سبحانه حصرا.
فمن لم يعلم بصدور الكلام عن المعصوم (ع) ولم تقم عنده حجة شرعية على ذلك
حرم عليه ان ينسبه للمعصوم فلا يجوز له ان يقول: قال النبي ص او الامام ع كذا.
فان لم يكن موضوع الكذب محرزا بلحاظ الآيات الاولى فهو محرز بلحاظ آية (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ
تَفْتَرُونَ) وآية (وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وبعبارة اخرى قل: الكذب هو مخالفة الخبر
للواقع ولكن من يفتي بغير اذن الله سبحانه وتعالى قد تكون فتواه مطابقة للواقع وقد
تكون مخالفة له ، وكذا من ينسب الخبر للمعصوم ع قد يكون ما نسبه مطابقا للواقع وقاله
الامام ع في الواقع فعلا ، وقد لا يكون كذلك ، فلا يقين بتحقق موضوع الكذب الا انه
بالرغم من ذلك كله فان قوله تعالى: (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ
تَفْتَرُونَ) ادخله في الكاذب فمن ينسب الحكم للشريعة الغراء غير عالم بصحة ما
نسبه لها كاذب بحكم الآية الكريمة ومن ينسب الخبر للمعصوم عليه السلام المتضمن
لحكم شرعي يكون كاذبا أيضا بدلالة الآية الكريمة بعد ضم عقيدة عصمته وانه لا ينطق
عن الهوى وان ما يفيضه يمثل حكم الله سبحانه وتعالى.
كما لا ريب في انطباق قوله تعالى (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا
لَا تَعْلَمُونَ) عليه فهو بهذه الآية وان لم يصدق عليه عنوان الكاذب الا انه يصدق
عليه انه قال على الله بغير علم وهكذا نخلص الى انه كاذب بمقتضى احدى الآيتين
وقائل على الله بغير علم بمقتضى الآية الاخرى.
وهذا ما اكدت عليه فتاوى الفقهاء الاعلام ننقل منها ما يلي:-
1- الشيخ زين الدين في كلمة التقوى: المسألة
80: الأخبار المودعة في الكتب من جوامع الحديث وغيرها انما يجوز الاخبار بها إذا
كانت معلومة الثبوت، أو قامت على ثبوتها حجة شرعية معتبرة، ولا يجوز الاخبار بما
لم يعلم ثبوته منها ولم تقم عليه حجة شرعية ثابته، الا إذا كان الاخبار به على
سبيل النقل والحكاية عن الكتاب، أو عن راوي القول، لا عن المعصوم المروي عنه (ص) او الامام (ع).
انتهى كلامه رفع مقامه.
اقول: أي لا يجوز ان تنسب
الخبر مباشرة للمعصوم عليه السلام بان تقول: قال او فعل النبي (ص) او الامام عليه السلام.
ولكن يجوز ان تحكي ما في الكتاب وتنقل عنه بان تقول مثلا: روى المجلسي
في البحار او المحدث النوري في المستدرك مسندا او مرسلا عن الامام عليه السلام.
2- قال صاحب العروة الوثقى في معرض الكلام عن المفطرات:
(مسألة24): لا فرق في البطلان (أي بطلان الصوم) بين أن يكون الخبر
المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا ، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار
به ، و إن أسنده إلى ذلك الكتاب إلا أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الإخبار
، بل لا يجوز الإخبار به على سبيل الجزم مع الظن بكذبه ، بل وكذا مع احتمال
كذبه . إلا على سبيل النقل والحكاية فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان مع عدم العلم بصدق
الخبر أن يسنده الى الكتاب او الى قول الراوي على سبيل الحكاية.
اقول: ليس الاحتياط من جهة الحكم التكليفي بحرمة اسناد ما لا يعلم الى
المعصوم عليه السلام فهذا الحكم مما لا ريب فيه وانما الاحتياط من جهة الحكم
الوضعي اعني تأثيره على صحة الصوم من حيث الشك في تحقق الكذب الذي هو عدم الموافقة
للواقع فحيث ان موضوع الافطار هو الكذب على الله او رسوله او الائمة عليهم السلام
وهو غير محرز أي غير معلوم الكذب ولا متيقن المخالفة للواقع احتاط السيد اليزدي رحمه الله من هذه الجهة
وليس من جهة الحكم التكليفي بحرمة الاسناد واما الآيتان اللتان سمعتهما فإنما
تثبتان حرمة النسبة لله او الرسول ص او الامام (ع) ولا تتعرضان لحكم الافطار فتلخص
ان احتياط السيد اليزدي قدس سره من ناحية الافطار وليس من ناحية حرمة نفس الإخبار
عن الله او المعصوم، ع ، وهذه الجهة من الكلام ليست مورد كلامنا ولا موضوع حديثنا.
وقد علق سيد المستمسك قده على قوله: (وان اسنده الى ذلك الكتاب) قائلا:
لما عرفت من ان الاسناد الى الكتاب لا يخرجه عن الكذب لان الصدق في الاسناد لا ينافي
الكذب في الاخبار عن الواقع.
اقول: المقصود من عبارة (وان اسنده الى ذلك
الكتاب) ان يقول مثلا :قال النبي ص او الامام ع : كذا ورواه المجلسي في البحار او النوري
في المستدرك او قال الامام الصادق عليه السلام: كذا وقد روى ذلك الكليني في
الكافي.
وليس المقصود ان يقول: روى المجلسي في البحار عن الامام كذا، فالثاني لا
محذور فيه لانه حكاية بعكس الاول فهو إخبار ونسبة للمعصوم عليه السلام.
اذا فهمت ما تلوناه عليك، نلحقه بعدة أسئلة مع اجابتها ليزيد الامر
وضوحا:-
السؤال الأول: ما حكم من ينقل معتمدا على الظن بصدور الرواية والحديث؟
الجواب:
قال
السيد الخوئي قده: وأما مع الظن فحيث أنه لا دليل
على حجيته فيلحق بالشك وحكمه عدم جواز الإخبار بدون العلم بالواقع على صورة الجزم
سواء كان ظانا به أم بعدمه ام شاكا وهذا مما لا كلام فيه حسبما دلت عليه الآيات
التي منها قوله تعالى: أتقولون على الله ما لا تعلمون.
اقول: مقصوده قده الظن غير المعتبر شرعا وذلك لان الامارة الشرعية
الظنية تقوم مقام القطع الموضوعي في هذه المسألة.
وعليه: اذا
ثبتت حجية هذا الخبر عند الناسب، قامت هذه الامارة مقام القطع الموضوعي هنا، فكما يجوز للقاطع
ان ينسب ما قطع به للمعصوم نظير نسبتنا حديث الغدير المتواتر لرسول الله ص كذلك
يجوز لمن قامت عنده الحجة الشرعية على صحة خبر عن المعصوم ان ينسبه له.
وذلك ليس لقطعه بصدوره من المعصوم ع وإنما باللغة الاصولية لقيام
الأمارة مقام القطع الموضوعي في هذه المسالة.
السؤال الثاني: هل يجوز للخطيب ان ينسب الاخبار التي يعثر عليها في
كتب الحديث للائمة المعصومين عليهم السلام؟
الجواب:
ان كان مجتهدا في مباني علم الرجال وله نظر في ما هو الحجة من غير الحجة من
الاخبار وعارفا بالصحيح والضعيف ومميزا بين ما تم سنده وما لم يتم فليس عليه من
اشكال في نسبة الخبر مباشرة للامام عليه السلام والا لم يجز له ذلك وانما يحكي
الرواية وينسبها للكتاب والمصدر الذي اخذه منها كما سمعت من حديثنا.
السؤال الثالث: هل يجوز للعامي التقليد في المباني الرجالية وما هي
حدود حجية الخبر- والتي هي
من مسائل اصول الفقه -أم لا؟
الجواب: قال
السيد اليزدي قده في العروة الوثقى: ( . مسألة 67 ) محل التقليد ومورده هو الاحكام الفرعية العملية ، فلا يجرى في اصول الدين
، وفي مسائل أصول الفقه... الخ
اقول: المسألة خلافية فإن كان مرجع تقليد ناقل الخبر يرى شرعية
التقليد في مسائل علم أصول الفقه وأن له أن يقلد في صحة الأخبار مرجع تقليده ويرتب على
ذلك الآثار، نقول في هذا الفرض يجوز للخطيب أن ينسب الخبر الصحيح عند مرجع تقليده
للمعصوم عليه السلام ، والا لم
يجز له ذلك بمجرد ان مرجع تقليده يرى صحة الخبر وتمامية سند الرواية وهكذا يتوقف
جواز نسبة الخبر للمعصوم ع على اجتماع
امرين احدهما تجويز مرجع تقليده التقليد في مسائل علم اصول الفقه وثانيهما صحة
الخبر عنده.
طريفة: بعض الخطباء عندما يبدؤون تلاوة اية
من كتاب الله تعالى يصدرون ذلك بقولهم: قال تبارك وتعالى: اعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم يلتو الآية الكريمة.
اقول: مقتضى هذا الترتيب ان الاستعاذة
والبسملة كليهما مما قالهما الله سبحانه وتعالى في حين ان الاستعاذة قول الخطيب
وليس قول الله سبحانه وكذا البسملة ليست جزءا من الآية الكريمة فالظاهر ان ذلك جملة اعتراضية وليست من مقول
القول فالأولى ان لا يعقب بذلك بعد قوله قال تبارك وتعالى والله العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق