الأحد، 6 أبريل 2008

التفكير بين الحياد والانحياز (الحلقة الثالثة) 3

بسم الله الرحمن الرحيم
النقطة الاخيرة التي توقفنا عندها في الحلقة الثانية كانت عن التصديق المنحرف منهجيا فاذا كان الانسان مخطئا في اعتماده على اساليب تحصيل المعرفة لا يكون معذورا في تسليمه لهذه القناعة كنتيجة يرتب عليها العمل واليوم في حلقتنا هذه نود ان نتكلم عن نقطة اخرى هي ان صحة المنهج المعرفي لا تؤدي دائما الى صحة النتيجة فكثيرا ما يتبع الانسان المنهج الصحيح منطقيا ولكنه يصل الى نتيجة خاطئة وكدليل على ذلك ما نشاهده من اختلاف بين ذوي الاختصاص في كل علم وحقل معرفي فحيث لا يعقل ان يكون الجميع على صح فلا بد ان يكون بعضهم جانبه الصواب وفي هذه الحالة يحكم العقل بمعذورية الخاطئ وحقه في اعتناق ما يعتقده على ضوء الاسلوب العلمي الصحيح والنتيجة القناعية الواضحة بغض النظر عن صحتها او خطئها بحسب عالمالواقع وليس من المعقول ان يحاسب الله الانسان على خطأه غير المقصود طالما لم يخطئ المنهج الصحيح ولم يعمل على خلاف تصديقهلان هذا معناه ان الله عز وجل كلف عباده بما لايطيقون الامر المحال على الحكيم تبارك وتعالى وهذا المعنى نجد التاكيد عليه في النصوص الدينية نذكر منها ما يلي:
فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ سورة الزمر / آية 18.
ما اخرجه الكليني في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له : أقبل فأقبل ثم قال له : أدبر فأدبر ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا " هو أحب إلي منك ولا أكملتك إلا فيمن احب ، أما إني إياك آمر ، وإياك أنهى وإياك اعاقب ، وإياك اثيب الكافي ج 1 ص 10.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال : إنما يداق الله العباد في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا الكافي ج 1 ص 10.
وعن سليمان الديلمي ، عن أبيه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام فلان من عبادته ودينه وفضله ؟ فقال : كيف عقله ؟ قلت : لا أدري ، فقال : إن الثواب على قدر العقل ، إن رجلا من بني إسرائيل كان يعبدالله في جزيرة من جزائز البحر ، خضراء نضرة ، كثيرة الشجر ظاهرة الماء وإن ملكا " من الملائكة مر به فقال يا رب أرني ثواب عبدك هذا ،فأراه الله [ تعالى ] ذلك ، فاستقله الملك ، فأوحى الله [ تعالى ] إليه : أن اصحبه فأتاه الملك في صوره إنسي فقال له : من أنت ؟ قال : أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في هذا المكان فأتيتك لأ عبد الله معك ، فكان معه يومه ذلك فلما أصبح قال له الملك : إن مكانك لنزه ، وما يصلح إلا للعبادة ، فقال له العابد : إن لمكاننا هذا عيبا " فقال له :وما هو ؟ قال : ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع ، فإن هذا الحشيش يضيع ، فقال له [ ذلك ] الملك : وما لربك حمار ؟ فقال : لو كان له حمار ما كان يضيع مثل هذا الحشيش ، فأوحى الله إلى الملك : إنما اثيبه على قدر عقله . الكافي ج 1 ص 12.
كما يذم الانغلاق الفكري وتقليد الاباء بدون دراسة ومقارنة.
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا سورة نوح/ آية 7.
فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ. وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ سورة فصلت/ آية 4-5.
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ سورة فصلت/ آية 26.
قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا هود / 8ب
ينما الاسلام يدعو للانفتاح حتى ان تلميذ الامام الصادق ع أبان بن تغلب قال : قلت لابي عبد الله ( عليه السلام ) : إنى أقعد في المسجد فيجئ الناس فيسألوني فان لم اجبهم لم يقبلوا منى ، وأكره أن أجيبهم بقولكم وما جاء عنكم فقال لى : انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك . - وسائل الشيعة (آل البيت ) - الحر العاملي ج16 ص 233.
وهكذا عدد كبير جدا خارج عن حد الاحصاء من النصوص التي توضح هذا المطلب وانه ما دام الانسان ينشد الحق ويمارس البحث بموضوعية وحياد فلا ضير عليه اصاب الحقيقة الواقعية ام اخطأها لا بقصد المهم هو الحق في المنهج البحثي لا في الحق بحسب الواقع اذا ما اخطاته سيارة البحث ونظارة المقارنة والا لما صح من الاسلام ان يدعو للعقلانية والبحث ولما صح منه ان يدين التقليد والاتباع الاعمى والحمد لله رب العالمين.
-------------------------------
فعلق على الموضوع سماحة الشيخ حسن البيات:
بسم الله الرحمن الرحيم سيدنا سماحة السيد علوي الموسوي البلادي سلام من الله ورحمة تسعدنا هذه الحلقات الفكرية العلمية الرائعة بترابط فكرها وجمالها واسمح لي سيدنا الكريم ان اطرح بعض التعليق على ما تفضلتم به .
ساتوقف قليلا حول كبرى الموضوع المطروح وهي " ان صحة المنهج المعرفي لا تؤدي دائما إلى صحة النتيجة فكثيرا ما يتبع الانسان المنهج الصحيح منطقيا ولكنه يصل إلى نتيجة خاطئة " لاقول اننا لابد ان نفرق بين المنهج نفسه وبين تطبيقاته ، فالمنهج العقلي يؤدي إلى النتيجة الصحيحة ولكن الاختلاف غالبا يكون في التطبيق أو الخطأ في تشخيص الموضوع فتنتج نتيجة بعيدة عن المقدمات الصحيحة .
ولعل اختلاف ذوي الاختصاص في الوصول إلى النتيجة من هذا الباب .
اما المنج نفسه فهو يختلف باختلاف ادوات المنهج ، فالمنهج المنطقي هو المنهج الرياضي مثلا فهو يوصل إلى النتيجة الصحيحة اذا تمت مقدماته وتطبيقاته صحيحة ولكنه ايضا في احيان اخرى معتمد على حساب الاحتمالات التي تعتمد في نتيجتها على نسبة من الخطأ استعملت للوصول إلى النتيجة حتى لا يتوقف تقدم العلم على اليقينيات فقط ، فمن الامثلة الرياضية هو ان قسمة أي عدد على الصفر ينتج عددا لا نهائيا وهو امر مازال تحت الدراسة المكثفة لاهل الاختصاص الرياضي ولكن استعملوا هذه النظرية لتحريك القيم الرياضية لتتواصل العلوم نتاجا .
واما المنهج الموضوعي فهو عبر دراسة مجمل القضية بما يتصل بها من مقدمات وما يوصل إلى النتائج فان كانت تلك الموصلات علمية يقينية فانها توصل لذلك والا فهي بما تحركها من مقدمات للنتيجة ولذا فان بعض المقدمات معتمدة على الاستقراء الناقص الذي لا يوصل إلى نتيجة حتمية قطعية ولكن الحياة الانسانية تحتاج إلى تحريك النتائج فتقبل بذلك في فترة معينة حتى الوصول إلى نتائج قطعية للعلاقة بين الامرين كما نلاحظة في تمدد الحديد ولكن لدخول معنى الاستقراء المعلل فان كثير من العلوم تقدمت بذلك ولعلها تصل إلى بعض الاخطاء ولكن لا بد من فتح ذلك المجال للتقدم العلمي و الفكري .
واما المنهج الفلسفي فهو من اكثرها اتساعا لكون اكثر الفلاسفة ينطلق من نظرة معينة يبني عليها جل فكره وفلسفته ولذا فان ضرب المبدأ الفلسفي الذي انطلق منه فان مجمل فلسفته تسقط .
وبالرجوع إلى المشكلة ذاتها فان التطبيق هو المشكلة الاساس لمقدمات تنتج نتائج صحيحة .
واخيرا فان مسألة التعذير هي متعلقة بمستوى التقصير أو القصور في الاداء في المقدمات والنتيجة .
وليس هناك من شك في ان القاصر معذور عقلائيا وشرعا ويبقى المقصر في تحصيل العلم فهل يشمله التعذير ام لا !ولعل الرواية" هلا تعلمت" هي المحكمة في عدم المعذرية بغض النظر عن الوصول إلى النتيجة الخاطئة .والسلام
-------------

ليست هناك تعليقات: