السبت، 5 أبريل 2008

التفكير بين الحياد والانحياز الحلقة الثانية

تنويه كما اشرنا هذه السلسلة مستلة من منتدى الغدير

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على

خير خلقه محمد واله الطاهرين

نعود لنلتقي في الحلقة الثانية لمتابعة موضوع التفكير بين الحياد والانحياز في

الاحكام والقناعات

وكانت النقطة الاخيرة التي اشرنا اليها في الحلقة الاولى هي ان كثيرا

من الانحراف الفكري ينشا من اتباع منهج خاطئ اما من ناحية الاعتماد

على الظن او من ناحية الاعتماد على اليقين النفسي او ما سميناه

بالظن النسبي ولكن السؤال الجدير بالاهتمام هو ما هو طريق الخلاص

من التورط في الاعتماد على النهج الخاطئ?


وهذا هو دور الدين في اصلاح الانسان.

فعلى مستوى الظن جاء النهي المتكرر في القران الكريم

عن الاعتماد على الظن

نذكر عددا من تلك الايات كالتالي:


وإن تطع أكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن

وإن هم إلا يخرصون [ انعام 116 ]



وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون [ يونس 36 ]

يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا

ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم [ حجرات 12 ]

وهكذا الاحاديث الشريفة والروايات المعصومية

هذا كله يعالج جانبا واحدا من المشكلة.

ولكن يبقى جانب اخر هو اليقين

والاعتقاد النفسي المتولد من منهج خاطئ اساسا فما هو العلاج

بالنسبة له وهذا ما لم تكن الصورة واضحة ازائه فهناك تصور سائد

يطرحه علماء الاصول في مباحث القطع يؤكد على ان الباحث يكون

معذورا اذا وصل الى القناعة الكاملة مهما كان مصدر هذه القناعة وان

كان اساسها خاطئا حتى

قيل القطع حجة وان حصل من رفيف الطير او احتكاك حجرين

وهذا ما يعبر عنه بالحجية والمعذرية والمنجزية

الثابتة للقطع بل يترقون الى ان الحجية والمعذرية لا يمكن سلبها عن

هذه القناعة القائمة على نهج خاطئ ونحن نسجل اكثر من ملاحظة


على هذا التصور السائد ليس هذا المقال ومستواه قادرا على الغوص

كثيرا في هذه المطالب لكن على مستوى المقال وبما يناسب المقام

نذكر بعض الملاحظات:-

الملاحظة الاولى :

ان الاعتراف بخطا المنهج منبه

وجداني على خطا الاعتماد على نتيجته وان كانت تلك النتيجة قناعة

كاملة اما بالنسبة لصاحب المنهج الخاطئ فبما انه يتصور ويلتفت الى

الحالة التي يقع فيها بصفتها منهج وان كان قد يغفل عن النتيجة

فامكانية تنبيهه وتربيته على المنهج الصحيح متوفرة فلا استحالة في ان

يتوجه التكليف له بمطالبته بعلاج نفسه

الملاحظة الثانية :

ان النهي عن اتباع الظن الوارد في الايات والروايات اذا اخذناه بالمقياس

العقلائي يعني الظن بما هو نتيجة للمعطيات الواقعية والمنطقية وهو ما

سميناه بالظن النسبي اي بالنسبة للميزان الموضوعي لا بالنسبة لكل

شخص على حده اي لا نقيسه بما هو حالة نفسية اذ قد يكون يقينا

بما هو حالة نفسية مقيسة الى صاحبها ولكنه ليس كذلك اذا قسناه

للميزان الصحيح فعلى هذا تكون الايات الناهية عن العمل بالظن شاملة

لليقين النفسي القائم على اساس ومنهج خاطئ فيكون الدين

والخطاب الاسلامي حينئذ معالجا لهذه الحالة

الملاحظة الثالثة :

انا نجد النصوص الدينية تشجب الباطل ولا تعطي عذرا بحسب اطلاقها

لمن وصل الى نتيجة الباطل اعتمادا على المنهج الخاطئ حتى وان كان

متيقنا فاصحاب المعتقدات الباطلة او النخبة منهم هم على يقين بها لا

يخالجهم الشك وهكذا نجد النصوص الدينية تمدح الحق والايمان وتبجله

وهذا وذاك نراه نحن اسلوبا في غاية الاتقان لاصلاح الخلل في المنهج

بمعنى حتى اذا تنازلنا عن فكرة الوجدان الدالة على نفي حجية القناعة

الكاملة المؤسسة على منهج خاطئ وناقشنا في شمول النهي عن

العمل بالظن لما سميناه بالظن النسبي فان اسلوب القران الكريم

وخطاب اهل البيت عليهم السلام كفيل بالعلاج النفسي وتقويم

الانسان على انتهاج النهج السليم واتباع الصراط المستقيم فمادام

الوصول للحق والاجتناب عن الباطل هو الهدف وليس اليقين فحسب كما

يوحي به الراي السائد في بحث القطع نفسيا وهكذا يكون دور الدين

والرسالة هو الهداية بما تشمل من تصحيح منهج التفكير بان لا يعتمد

على النواقص وان يكثر من التاني حتى يتوصل للحق وهذا جانب مهم

جدا في المعرفة البشرية واساليب الوصول لها ولو زعمت بان هذه

النقطة لم تشرح كما ينبغي لما جانبت الصواب كما اظن وهذ احد

الدوافع المهمة التي حركتني للخوض في هذا الموضوع فان اصبت شيئا

من الحقيقة فبفضل الله وان اخطئت فانا بشر خطّاء فان كان هذا

فاتمنى ان ينكشف الحق لي فاتبعه والباطل فاجتنبه وساترك هنا

الكتابة ريثما يتسنى الوقت لتدوين الحلقة الثالثة من هذا الموضوع المهم

انشاء الله تعالى .

فعلق سماحة الشيخ حسن البيات بما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

سيدنا الكريم
سماحة السيد علوي الموسوي البلادي

حفظك المولى ورعاك

اظن ان مجمل نقطة التصحيح في موضوع خطأ المعتقد الذي ذكرتموه هو موضوع توجيه خطاب تصحيحي أو ذم الظن مما يعطي انطباعا بخطأ المنهج وثالثا عدم معذرية النتيجة الخاطئة من خلال توجيه الدين بالتأني في الوصول إلى الحق.

لي تعليقتان :
الاولى وهي طريقة القران في الاستدلال بجانبه التشكيكي والعقلي :

1- ان القرآن من خلال سبل التصحيح اتبع اسلوب التشكيك في المقدمات والنتيجة فحول اسلوب الحوار إلى حوار نفسي اولا وحوار عقلي ثانيا باسلوب تشكيكي يقيني .

ونلاحظ هذه الاية في قصة ابراهيم :

(فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما افل قال لا احب الآفلين . فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالين .... اني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين )الانعام 74 فنلاحظ كيف سار باسلوبٍ تشكيكي معتمدا على المسلمات العقلية للوصول إلى النتيجة اليقينية واعتمد اسلوب اليقين في الوصول إلى النتيجة وبقوة .

2- التشكيك في صحة المعتقد الموروث بطريقة اثارة التساؤل ودحض الاستدلال وليس النتيجة فقط فلاحظ معي قوله تعالى : (بل قالوا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مهتدون .وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وانا على اثارهم مقتدون . قل أولو جئتكم باهدى مما وجدتم عليه اباءكم قالوا انا بما ارسلتم به كافرون )الزخرف 22 فنلاحظ ان القرآن شكك في صحة معتقدهم المبني على وراثة الاجداد ثم نقض ذلك بان الاتباع هو للاهدى ام ما يذهب اليه الابآء والاجداد من قول ومعتقد وهنا اتبع اسلوب تثبيت طريقة الاخذ ثم التشكيك في صحتها ثم نقضها بمسلمات عقلية وهي السبيل الصحيح هو اتباع الاهدى وليس ما ينقل عن الابآء .

3- وضع الادلة العقلية في الاطار البرهاني الاستدلالي ونقدم بعضا من ذلك :
(ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون ) الطور35، وهذا تحدي عقلي لالحادهم بطريق توجيه السؤال للمنكر نفسه .
(وضرب لنا مثلا ونسي خلقه ، قال من يحي العظام وهي رميم ! قل يحيها الذي خلقها اول مرة وهو بكل شيء عليم )يس79 وهي استعمال قياس الاولوية في توجيه النفس نحو الدليل العقلي .

الثانية وهي مخاطبة ذات الانسان بعاطفته وفطرته واخلاقه النفسية القوية

1- ادفع بالسيئة الحسنة
2- واذا سمعوا ما انزل إلى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا امنا فاكتبنا مع الشاهدين . المائدة 82 .

وهي كثيرة ولكن نكتفي بهذا .

نعم ذم بعض الطرق الخاطئة كالظن وغيره ولكنه فيما اذا كان غير مطابق للواقع واما في غيره فالموضوع محل خلاف في ذم مطلق الظن فانه لا داعي عقلي لذلك الذم وخصوصا انه طرق عقلائي للوصول لبعض العلوم التي لا يتوفر كامل الدليل عليها .

والسلام
----------------

فاجاب السيد علوي:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة الشيخ حسين البيات دامت افضاله

تغمرني السعادة حيث اثريتَ الموضوع الذي تحدثتُ عنه في خطه العريض ثم قمتَ بشرح ذلك ووضعتَ بعض الشواهد الحية من القران الكريم فلكم الشكر الجزيل من فاضل كريم واسمح لي بان اعلق على الفقرة الاخيرة من كلامكم

اذا كان الظن لا يغني من الحق شيئا فمن اين نعرف الواقع ونستكشفه؟
وما هي الوسيلة لاثبات ان هذا مطابق للواقع او ليس مطابقا للواقع؟

الطريق الوحيد لمعرفة المطابقة للواقع هو اليقين في نظر صاحبه اما اعتماد الطرق الظنية في الاجتهاديات الفقهية فيجب ان تكون وسيلة مرخص لنا بها بدليل قطعي والا دخلت في عموم نفي حجية الظن ولا سبيل لجواز الاعتماد عليها نعم النظريات العلمية الظنية خارج دائرة الدين يمكن ان يضعها الانسان في ميزان حساب الاحتمالات لان ذلك ينفع في التوصل لنتائج اخرى قد تكون يقينية وقد تكون ظنية اما اعتماد النتيجة الظنية للعمل في امور يحتمل ان تكون المخالفة فيها للواقع فذلك يتنتج ضررا كبيرا وخسرانا مبينا وهو مما لا يسمح به العقل والمقايسس المنطقية وكما يعبر الشهيد الصدر (قده) لقوة المحتمل وهذا كمن يظن انه لا يموت لو بقي تحت الماء ربع ساعة فان عمله على طبق ظنه بان يذهب فعلا تحت الماء يعتبر حمقا .

ليست هناك تعليقات: