الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

الدعوة للحوار في ميزان الشرع


بسم الله الرحمن الرحيم
بداية اتقدم بالتبريكات والتهاني الحارة اثر البراءة التي حصل عليها الاخوة المظلومون التسعة عشر من اهالي كرزكان وتحررهم من قيود السجن فالشكر لله سبحانه ولكل من
ساهم بقول او فعل في تحريرهم.

كلما حذرنا من فتوى العوام وانه من الافتراء على الله سبحانه وتعالى وان حرمته من واضحات الشريعة وعلى ذلك فتاوى الفقهاء يأتي الاصرار بالافتاء والرد على الفقهاء والمراجع وينبري من يسفه فتاوى المراجع الكبار ومن ذلك فتوى بعض العوام بان الموضوعات المرتبطة بالشأن العام أمر تشخيصها بيد من يختاره الناس قيادة ويجب على الناس اتباعه وان خالف تشخيصهم وتقديرهم للموضوع الصرف.
هل المطروح ان يترك الناس فتاوى مراجع تقليدهم واتباع غيرهم؟
راجع موضوع
الدعوة للحوار
قد يجد المرء نفسه مضطرا لتوضيح ما ربما هو من الواضحات والتي توضيحها من أشكل المشكلات وربما يجد المرء نفسه عاجزا عن ايصال اوضح المعاني للنظرة المسبقة التي تحجب الرؤية لدى المتلقي أيا كان الحال أحاول ان القي حجرا في الماء الراكد عله يتحرك قليلا والا فقد امتثلت تكليفي والامر لله سبحانه وتعالى.
دعوتي للحوار هي من صميم دعوات مراجعنا كما نقلت سابقا.
الدعوة للحوار والمشورة في موضوع الساحة المحلية الذي هو من الموضوعات الصرفة انما جاءت للوضوح التام بعدم الزام أحد بتشخيصات غيره.
ولو كانت تشخيصات بعض اهل العلم مثلا ملزمة للناس لكنا في غنى عن مطلب الحوار والمشورة ولما كان لدعوة المراجع أي معنى ، فاذا كانت تشخيصات هذا العالم او ذاك ملزمة غدت دعوة الفقهاء والمراجع لاغية وتصب في اتجاه مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى لوضوح ان تكليف الناس اذا كان هو التبعية في التشخيص لزيد أو بكر فيجب ان تنصب دعوتهم - بالنسبة لمن يسئلهم على الاقل - للانقياد والتبعية لمن يجب اتباعه امتثالا لحكم الله تبارك وتعالى فدعوتهم لطريق آخر غير التبعية دعوة واضحة لترك التكليف الشرعي وسلوك طريق آخر مثل الحوار الذي ينتج التوافق وليس التبعية.
لذا ومن منطلق عدم الالزام يأتي الحل في سلوك طريق عقلائي للوصول لما فيه مصلحة الامة وذلك هو طريق الحوار والتشاور للخروج بأقرب صيغة تجمع أكثر الامة عليه فالحوار يرجى منه توافق العلماء والمثقفين والرموز لنخرج بصيغة تصنع الحدث وتؤثر في النتيجة المرجوة.
وما دام كل عالم ومثقف مؤثرا في مجموعة من الناس وقادرا على اقناعهم فلا شك ان توافقهم فيه خير كثير ويؤدي الى الاجماع او ما هو قريب منه في الموقف من منكرات السلطة.
بل ربما يكون الحوار والتشاور واجبا من منطلق انه الطريق الوحيد لتحقيق العدل لهذا الشعب المظلوم وردع منكر السلطة.
فاذا توقف احقاق الحق ورد المنكر على التشاور والحوار للخروج برؤية مشتركة في الموضوع ربما يجب ذلك بمقتضى وجوب النهي عن المنكر طالما صار هذا الحوار طريقا منحصرا للوصول لهذه النتيجة.
خصوصا بملاحظة الاهمية البالغة لمطلب احقاق العدل ورفع الظلم.
اما تهويلات اسالة الدماء وزهق الارواح فهذا ما لا اعرف له وجها فكم روح زهقت وكم دم سفك لما تمت المقاطعة في بداية الانقلاب الدستوري؟
مرة أخرى ليس من الصحيح ولا من الجائز شرعا ان يفرض احد تشخيصه ورؤيته وتقديره للموضوع الصرف مثل ان النهي عن المنكر بهذه الطريقة او تلك تؤدي الى الضرر او لا تؤدي اليه.
فهذا تقدير المكلف نفسه فحين يخشى الضرر يلزمه تطبيق فتوى مرجع تقليده.
علما ان النهي عن المنكر اذا تسبب في شيء من الضرر او الاضرار فلا يكون واجبا الا اذا كانت النتيجة أهم في نظر الشارع من التضحيات وهذه الاهمية تارة تكون واضحة كما في الضرر البسيط مقابل انقاذ النفس المحترمة من القتل وفي هذه الحالة لا اشكال في تقديم الاهم على المهم عملا بميزان التزاحم وان كانت الاهمية غير واضحة فالمرجع في ذلك فتوى مرجع التقليد وليس أي شخص آخر هذا من ناحية الحكم الفرعي.
اما من ناحية التطبيق والمصداق فمسؤولية التشخيص وتقدير ان هذا الفعل يلزم منه ضرر او لا يلزم منه ذلك على عهدة المكلف نفسه باعتباره من الموضوعات الصرفة وليس ذلك من موارد التقليد أجل اذا كان في الامر مصلحة عامة ففي رأي بعض فقهائنا للفقيه المرجع صلاحية التحديد من منطلق ولائي ضمن شروط وضمن دائرة محددة ولكن في كل الاحوال لا يتبع هذا القرار من لا يرى الولاية اجتهادا او تقليدا.
ولعله من المناسب هنا عرض بعض فتاوى سيدنا الخوئي رحمه الله والتعليق عليها بشرح مبسط كمثال ونبراس لفهم فتاوى سائر الفقهاء ايضا.
قال رحمة الله تعالى عليه في منهاج الصالحين ضمن تعداد شروط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر:
الخامس : أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر في النفس ، أو في العرض ، أو في المال ، على الآمر ، أو على غيره من المسلمين ، فإذا لزم الضرر عليه ، أو على غيره من المسلمين لم يجب شئ والظاهر أنه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر والظن به والاحتمال المعتد به عند العقلاء الموجب لصدق الخوف ، هذا فيما إذا لم يحرز تأثير الأمر أو النهي وأما إذا أحرز ذلك فلا بد من رعاية الأهمية ، فقد يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر أيضا ، فضلا عن الظن به أو احتماله .
انتهى كلامه رفعت في الجنان أقدامه.
أقول: معنى الفقرة الاخيرة من كلامه ان النهي عن المنكر لو تسبب في ضرر مثل التصرف في أموال الاخرين أو الاضرار بهم ولكن النتيجة أهم بميزان الشرع يجب النهي عن المنكر.
مثلا لو توقف انقاذ نفس من القتل الظالم على التخريب البسيط لبعض الممتلكات العامة او الخاصة ففي هذا المثال ونظائره لا شك ان انقاذ النفس المحترمة أهم فيجب القيام بمثل هذه الاعمال تضحية بالمهم (الاضرار البسيطة بالنفس او الناس) في مقابل حفظ الاهم (حفظ نفس المظلوم من القتل).
والسؤال هل يحتاج ذلك الى إذن المرجع الفقيه أو أي شخص آخر ربما يسميه الناس قائدا؟
الجواب لا يحتاج ذلك لاذن أحد فالفتوى عامة وليس فيها تقييد بالاذن من أحد فالتقييد بإذن القيادة او الفقيه او غيره معناه فتوى اضافية مخالفة لفتوى السيد الخوئي قدس سره.
ولنقرأ نفس المضمون من كتاب تحرير الوسيلة لسماحة اية الله العظمى السيد الخميني قدس سره:
مسألة 12 - لو توقف تأثير الأمر أو النهي على ارتكاب محرم أو ترك واجب لا يجوز ذلك ، وسقط الوجوب ، إلا إذا كان المورد من الأهمية بمكان لا يرضى المولى بتخلفه كيف ما كان كقتل النفس المحترمة ولم يكن الموقوف عليه بهذه المثابة ، فلو توقف دفع ذلك على الدخول في الدار المغصوبة ونحو ذلك وجب .
وهو نفس مضمون فتوى السيد الخوئي قدس سره.
تعال معي لعلمين من أعلام هذه الطائفة ومراجعها الكرام سيدنا الخوئي والشيخ التبريزي رحمهما الله تعالى لنسألهما من خلال كتاب الاستفتاءات (صراط النجاة):
س 420 : في الموارد التي يترتب فيها الضرر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل يشترط إذن الحاكم الشرعي ، أم لا ؟
الخوئي : لا يجبان في مورد توقع الضرر ، إلا أن يكون موردهما أهم من ذلك الضرر المتوقع ، وحينئذ لا يحتاجان إلى إذن حاكم أو غيره ، فيجبان ، والله العالم .
أقول: هل لاحظت الجواب الصريح وانه لا حاجة لاذن فقيه ولا أي انسان على وجه الارض وانه يجب الامر او النهي دون اذن أحد ؟.
بل انتظار الاذن الذي قد لا يأتي يمثل تخليا عن التكليف الالهي يستحق صاحبه العقوبة الالهية.
فما هو حال الراد على مراجعنا كهذين؟
ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن الامام الصادق (ع):
(فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه ، فإنما استخف بحكم الله ، وعليه رد ، والراد علينا الراد على الله ، وهو على حد الشرك بالله) وسائل الشيعة ج 1/ص 23.
لنواصل استفتاء العلمين السيد الخوئي والشيخ التبريزي رحمهما الله تعالى من صراط النجاة:
س 424 : ما هي الموارد التي يجب أو يجوز للمسلم فيها أن يريق دمه ، وهل أن هذه الإراقة مشروطة بإذن الحاكم الشرعي ؟
الخوئي : التعريض للقتل يجب في الدفاع عن الدين ، وحفظ بيضة الاسلام ، إذا هوجم من قبل الكفار ، وأرادوه بسوء ، وكذا في الدفاع عن النفس والعرض ، ويجوز في الدفاع عن المال ، وليس شئ من تلك الموارد منوطا بإذن الحاكم الشرعي ، والله العالم .
س 425 : لو توقف الأمر أو النهي على ارتكاب محرم أو ترك واجب فهل يجب حينئذ ؟
الخوئي : هذا داخل في باب التزاحم ، كما لو كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أهم من الواجب أو الحرام ، كما إذا توقف النهي عن قتل النفس المحترمة على التصرف في مال الغير ، والله العالم .
انتهى ما اردنا نقله من فتاوى الاعلام (ره) والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: