الجمعة، 18 يونيو 2010

ازدواجية تطبيق قاعدة الصحة والتعدد الاتحادي خير من الاتحاد التمزيقي

حديث الجمعة بمسجد الشيخ خلف بالنويدرات بتاريخ 12-3-2010م.
شرح قاعد الصحة في التعامل الاجتماعي العام
أعوذ بالله من الفقر ومن الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
اللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
هناك قاعدة فقهية تسمى بقاعدة الصحة أو حمل فعل المسلم على الصحة هذه القاعدة قاعدة مضطردة تدخل في أبواب فقهية عديدة فهي تدخل في باب الطهارة وباب الصلاة وباب الزكاة وباب الخمس وباب البيع وباب النكاح وباب الطلاق وتدخل في الفقه من أوله لآخره ولفقهائنا كلام طويل حول هذه القاعدة.
هذه القاعدة الفقهية يستدل عليها بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل ولكن سنكتفي بالمرور على بعض الآيات والروايات التي يستدل بها على قاعدة الصحة ثم نلقي بعض التوضيحات حولها:-
أولا قوله تعالى: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة-83.
الشاهد قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)
بتقريب ان مفادها الأمر بالاعتقاد بصحة أفعال الناس وحسن فعالهم وتصرفاتهم فكلمة (قولوا) بمعنى اعتقدوا ، وان هذا الاعتقاد يترتب عليه اثر عملي بان تتعامل معه معاملة العمل الصحيح فإذا صلى تحكم على صلاته انها صحيحة وإذا باع تحكم بان بيعه صحيح وإذا تزوج تحكم ان زواجه صحيح وهكذا دواليك.
ثانيا: أيضا مما يستدل به  رواية الحسين بن المختار عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في كلام له : ضع أمر أخيك على أحسنه (على أفضل شيء) حتى يأتيك ما يغلبك منه ، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا .
قوله عليه السلام: (ضع أمر أخيك على أحسنه) أي احمل أمر المسلم على أفضل المحامل.
ثالثا: رواية أبي المأمون الحارثي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في ذكر حقوق المؤمن: وأن لا يكذبه.
يعني إذا ادعى شيئا لا تكذبه وتقول له: أنت كاذب ودعواك غير صادقة.
رابعا: عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا اتهم المؤمن أخاه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء .
يعني يذوب الإيمان في قلبه كما يذوب الملح في الماء ، هذه جملة من الأدلة استدل بها على قاعدة الصحة وهذه الأدلة ذكرناها للتنوير لا الاستدلال.
قاعدة الصحة قاعدة معتمدة عند الفقهاء جميعا، وعليها سيرة عمل المسلمين طرا بل كل العقلاء يتعاملون بها لكن قاعدة الصحة يمكن ان يكون لها ثلاثة معاني أو ثلاث مستويات:-
الأول : الاعتقاد الحسن الجميل في أخيك المؤمن بان لا تسوء الظن به في قول أو فعل فقاعدة الصحة هنا على المستوى القلبي أي تحمل في قلبك له حسن الظن ، ولا تحمل تجاهه سوء ظن ونستطيع ان نسميها الصحة بلحاظ البعد الأخلاقي هذا مستوى من المستويات أو احد معانيها.
المستوى الثاني:- ارقي وهو : ترتيب آثار الحسن الفاعلي على قاعدة الصحة، فيعامل المسلم معاملة من أتى بفعل حسن مقابل المعاملة معه معاملة من  فعل أمرا  قبيحا.
ما الفرق بين المستويين الأول والثاني؟
المستوى الأول: مستوى قلبي محض ممكن ان أقول ان زيدا من الناس عليه شبهة في قوله أو تصرفه لكن في قلبي احمل فعله على الحسن غير انه على مستوى التعامل لا أتعامل معه .
اما المستوى الثاني:
مستوى الحسن الفاعلي فهو ان تتعامل معه بحسن وانه انما قال ما قال من منطلق حسن ، وفعل ما فعل من منطلق حسن ، فتكون معاملتك معه حسنة طبيعية على هذا الأساس.
لا تدع لسوء الظن منفذا على مستوى العمل والقلب تتعامل معه على انه محسن وليس مسيئا.
المستوى الثالث:
وهو أرقى المستويات الثلاثة وهو ما يتحدث عنه الفقهاء :
وهو ترتيب آثار الفعل الصحيح الواقعي على فعله فتتم معاملة فعله معاملة العمل الصحيح تماما كأنه في الواقع ونفس الأمر صحيح.
هناك صورة:- وهي ان تعلم بالصحة فلا تجري القاعدة وعلى سبيل المثال أنت تشاهد معاملة بيع ارض أو سيارة أو أي شيء آخر وأنت تشاهد هذه المعاملة أنها جامعة للشروط هنا هل يوجد مجال لإجراء قاعدة الصحة؟ الجواب كلا ، لأنك تعلم ان المعاملة صحيحة ، فلا مجال لإجراء قاعدة الصحة فهي انما تجري في مورد الشك دون العلم واليقين فالحكم بالصحة هنا ناشئ من العلم وليس من القاعدة.
 صورة أخرى:- وهي ان تعلم بفساد المعاملة فلا مجال للحكم بالصحة نظرا للعلم بفساد المعاملة
كأن تحضر المعاملة وتعلم انها فاقدة لبعض شرائطها فهي فاسدة باطلة فهل يبقى مجال لإجراء قاعدة الصحة؟ تجري قاعدة الصحة؟ الجواب لا تجري ، لأنك تعلم فساد المعاملة.
إذن في الصورة الأولى والصورة الثانية حيث تعلم بصحتها وفسادها؟ فلا مسرح لجريان القاعدة.
انما تجري قاعدة الصحة في:-
الصورة الثالثة:- وهي حينما يكون عندك شك في صحة المعاملة فلا تدري انها صحية أو فاسدة ، فهنا تجري قاعدة الصحة فترتب آثار الصحة على هذه المعاملة تماما كالمعاملة التي تعلم بصحتها وكنت حاضرا عندها ولنذكر أمثلة لتتضح الصورة:-
المثال الأول البيع والشراء:-
الآن هذا الشخص المسلم اشترى بيتا أو تلفونا أو كتابا أو سيارة  أو أي شيء آخر وأنت تشك ولا تعلم انه اشتراه بعقد صحيح أو بعقد باطل وبالتالي لا زال هذا البيت على ملكية البائع الأول على تقدير بطلان العقد.
فهل تتعامل معه معاملة العقد الصحيح؟ وانه وقع البيع والشراء على الوجه الصحيح أم لا؟
الجواب اجل تتعامل معه معاملة العقد الصحيح ، فيجوز لك ان تشتري منه هذا البيت، وكأنك حاضر عند المعاملة وكأنك عالم علم يقين بالصحة الواقعية لبيع البيت فيجوز لك شراءه واستئجاره  الخ.
ولنفترض ان شخصا دعاك لبيت مستأجر له وانك تشك في صحة عقد الإيجار فلعل الإيجار ليس صحيحا وهو غاصب فهل تذهب وتجيب الدعوة ؟ هل تدخل البيت أم لا؟ الجواب نعم تجيب الدعوة وتدخل البيت وفقا لقاعدة الصحة.
المثال الثاني النكاح:
هل أنت شاهد على عقد زواج كل الناس في قريتك مثلا هل شهدت عقود نكاحهم؟ بالتأكيد لا، فربما اختل بعض الشروط في عقد نكاح فلان بزوجته فماذا تعمل؟
ألا تحكم بصحة نكاحه؟
من ضمن الآثار التي تترتب على ذلك إذا أنجب أولاد نتيجة هذا الزواج تحكم بأنهم أولاد شرعيون مائة بالمائة وكأنك حاضر عند العقد مع انك لم تكن حاضر هذا العقد.
أليس كل المسلمين يتعاملون على هذا الأساس؟
هل يصح لأحد ان يقول اشك في الصحة والأصل عدم الصحة فالولد ليس ابن حلال؟
أو هل هناك مجال لان يقول شخص لم يثبت انه ابن حلال، فلا احكم بأنه ابن حلال؟ هل هذا منطق شرعي؟
بكل تأكيد ليس منطقا شرعيا.
المنطق الشرعي ان ترتب عليه آثار الصحة تماما وتعتبره ابن حلال.
المثال الثالث الطلاق:
زيد بن أرقم طلق زوجته انتهت العدة تتزوجها ام لا ؟
مع انه ربما لم يطلقها طلاقا صحيحا فيحتمل ان الطلاق لم يقع بحضور شاهدين عادلين مع ان من شروط صحة الطلاق ان يسمع صيغة الطلاق شاهدان عادلان.
كم طلاق يحدث في السنة؟ ما شاء الله فهل يتوقف الناس عنها ولا تتزوج؟
هذه التي طلقت في غير حضورك وعلمك بالشروط يصح لك الزواج منها أم لا؟
لأنك لا تعرف تحقق الشرائط تمتنع عنها؟ الجواب وفق قاعدة الصحة كلا بل يجوز لك الزواج منها بعد خروجها من العدة.
فالشرع يقول لك تعامل معها على ان هذا الطلاق وقع صحيحا كأنك أنت الذي أوقعت الطلاق وتعلم باجتماع كل الشرائط فتتعاطى على هذا الأساس ويجوز لك ان تتزوجها ، وذريتها تكون ذرية شرعية ، وإذا تزوجها غيرك تحكم بصحة نكاحه وان أولادها شرعيون وهناك أمثلة كثيرة يكفي ما ذكرنها لتوضيح الصورة.
تبقى نقطتان :
النقطة الأولى تبين تطبيقا خاطئا لقاعدة الصحة:-
كما ذكرت ان قاعدة الصحة لا تجري في حالة العلم بالخطأ..
نفرض شخصا جاء واشترى بيتا من آخر بالقهر والقوة فباعه من غير رضا فالمعاملة غير صحيحة ولا مجال للحكم بصحتها فهذا البيت لا يجوز لك شراؤه من الغاصب والتصرف فيه لأنك تعلم بفساد المعاملة.
في احد التطبيقات: قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب مع اجتماع الشرائط لكن هذا الوجوب كفائي فإذا قام به فرد أو مجموعة ما هو الموقف؟
الجواب:
أول نقطة نحمل فعلهم على الصحة فنقول قاموا بواجبهم ونتعامل معهم بالحسن ونحكم بصحة فعلهم نظن بهم خيرا ، ونتعامل معهم على هذا الأساس أيضا.
لكن إذا لم يستطيعوا ان يقلعوا المنكر بان كان نشاطهم غير كاف في قلع المنكر، هل يسقط التكليف عني، الجواب لا يسقط.
إذا لم يكن نشاطهم كافيا في ردع المنكر والظالم ، يجب علي وعليك وعلى الكل ان يساهم حتى يحصل التأثير الحقيقي ويرتفع المنكر.
وحينما أمارس النشاط والنهي عن المنكر هل هذا فيه إساءة ظن بك ؟ لا ، التطبيق هنا خطأ.
حينما تقول انك يا فلان ممارستك للنشاط  فيه إساءة ظن بهذه المجموعة المتصدية للمنكر هنا يكون التطبيق خاطئا.
لا أسيء الظن بهذه المجموعة , ولكن لسبب وآخر لم يستطيعوا قلع المنكر ، لا لنقص فيهم بالضرورة ، بل لسبب ما لا يهم ما هو هذا السبب.
لكن على الواقع على الأرض ادرك تماما ان نشاط هذا الفرد أو هذه المجموعة لم يكف لردع المنكر أو قلع الفساد فمن واجب الآخرين ان يمارسوا دورهم من اجل المساهمة في قلع الفساد.
إذن النقطة الأولى حينما ترى بوضوح ان نشاط غيرك لا يكفي لقلع المنكر وجب عليك ان تمارس نشاطك حتى تساهم في قلع المنكر.
ولا يتنافى هذا مع قاعدة الصحة ، فحينما أمارس نشاطي لا يصح ان تقول بأن هذا يتنافى مع حمل فعل المؤمنين على الصحة بل هم محمولون على الصحة ، ولا منافاة بين ان أساهم في النشاط لاني أرى بوضوح ان نشاط فلان أو المجموعة الفلانية لم يكن كافيا في قلع المنكر إذن يتحتم علي شرعا ان افعل دوري ولا يمكن ان أطبق قاعدة الصحة تطبيقا خاطئا بأن أقول ان قاعدة الصحة تعني الراحة وان أنام على الفراش وغيري ينهى عن المنكر فاحمل فعله على الصحة وان شاء الله يحقق الانجاز ان لم يكن في هذه السنة فالتالية ، ان لم يكن في هذه الأربع ففيما بعدها ، أو التي تليها وهكذا ، ولا مسؤولية علي فغيري يحمل الراية ، ولا شغل لي ، حيث احمل فعلهم على الصحة وأنا أخلد للنوم فهذا تطبيق خاطئ لقاعدة الصحة مائة في المائة.
النقطة الثانية التعامل بمكيالين.
في المقابل لا يصح التعامل بمكيالين وان (بائك تجر وبائي لا تجر) فتطلب مني ان احمل فعلك على الصحة –وهو حق الجميع - بينما أنت تحمل وتبني على اصل آخر في تعاملك معي تقول الأصل في عملك الفساد حتى يثبت العكس فهذا يمثل ازدواجية في التعامل.
بأن يقول شخص أيها المؤمنون عليكم ان تحملوا فعلي على الصحة وربما حصلت المبالغة بان تفسر الصحة بمعنى (ناموا ولا تستيقظوا) والسبب ان فعلي صحيح وان الانجاز سيتحقق ولو بعد مائة عام.
اما تحركك أنت فليس كذلك لان فعلك خاطئ حتى يثبت العكس.
فيكون التعاطي ازدواجيا وبمكيالين فتقول لي: أيها الأخ أنت تمارس نشاطا، اثبت لنا ان فعلك صحيح وشرعي. هل لديك إثبات؟ تقدم وأوضحه لنا بدليل قطعي حتى نستطيع ان نقول فعلك صحيح اما إذا لم يكن عندك هذا الإثبات سامحني لا أستطيع ان أقول عملك صحيح وفعلك شرعي.
الخلاصة:
ان عمل المؤمنين في الساحة في هذه الساحة أو في تلك يمكن ان تكون تحت هذا العنوان وهو :
التعدد الاتحادي يعني:
احمل فعلك على الصحة وتحمل فعلي على الصحة وأعطيك الحق في ممارسة النشاط وتعطيني الحق في ممارسة النشاط وأتعاطى معك وتتعاطى معي وتعذرني وأعذرك وتصبح أنشطة متعددة وادوار مختلفة تصب في اتجاه واحد وهدف فارد وهذا ما نعبر عنه بالتعدد الاتحادي وينبغي ان يكون عليه العمل في مقابل:-
الإتحاد التمزيقي:
وهو (لا أريكم إلا ما أرى) هذا هو الإتحاد التمزيقي في الحقيقة.
على غرار الأنظمة الشمولية ونظام الحزب الواحد على قاعدة (القول ما قالت حذامي)
إذا قالت حذامي فصدقوها ، فان القول ما قالت حذامي
يعني لا غير ، وعلى جميع الناس ان يسمعوا لحذام أو للأمير أو للسلطان أو الملك  أو لزعيم الحزب أو أي اسم كان.
فعلى الأمة ان تتوحد تحت راية هذا الحزب أو هذا الملك أو هذا السلطان وهذا هو الطريق الوحيد لنجاحهم يعني بالقوة والجبر والغلبة مثل النظام البعثي البائد نظام صدام ويصور للناس ان انتصار الأمة والوصول لمصالحها يمر عبر هذه البوابة وعبر هذه المظلة الواحدة بالقوة (اما وإلا) اما ان تمشي تحت هذه الراية وإلا.
هذا الإتحاد القسري يؤدي للتفكك والتفتت والضعف.
خلاصة نجاحنا في تصوري في التعدد الاتحادي في مقابل التعدد التشتتي والذي يعني ان امشي في طريق وأدير ظهري لك ولا أتعامل معك ولا أتعاطى معك وانت تدير ظهرك لي ولا تتعامل معي ، وكل واحد يعمل وكأنه عدو للآخر.
وهذه مشكلة الاتحاد التمزيقي التفتيتي فالأفضل العمل تحت أو ضمن فكرة التعدد الاتحادي اسأله الله سبحانه ان يوفقنا وجميع المؤمنين لهذا النهج غفر الله لي ولكم أسال الله ان يفرج عن أسرانا ورحم الله من يقرأ الفاتحة لأرواح شهدائنا والحمد لله وصلي على محمد وآله الطاهرين.

ليست هناك تعليقات: