كلمة الجمعة بمنطقة النويدرات - مسجد خلف تاريخ 20 جمادى الثانية 1431هـ الموافق 4-6-2010م
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
نبارك لكم الذكرى العطرة لمولد سيدتنا ومولاتنا الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام.
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
الفكر المستريح سقيم والفكر المتمعن سليم
الفكر المستريح السقيم هو الفكر الطالب للراحة ومن خصائصه:-
ألف- يميل إلى السرعة والاختصار في الوصول للنتيجة أليست السرعة صفة جميلة؟ فالحياة المتقدمة التي نرفل في نعيمها تتسم بالسرعة في الصناعة والتجارة والتكنولوجيا وعلى هذا المنوال يكون التفكير السريع فلا وقت للتمعن وتقليب الأمور.
يطلب المختصر يبحث عن النتيجة النهائية فما هي الخلاصة ( فلان زين أو مو زين، وكما يقال للأطفال نحبه أو لا نحبه ) الفكرة الكذائية حسنة ام لا ، صحيحة ام ليست صحيحة ، هذا هو المهم اما الطريق الصعب والدرب الوعر في البحث عن التفاصيل والنقاط فليست مهمة في هذا المنهج فالمهم نهاية المطاف وآخر الطريق وهكذا يخضع تقييم الأفراد والأفكار على كلمة سريعة تريحه من العناء والتعب ، وهذا المنهج ليس تفكيرا بالأساس ، وهذه السرعة تؤدي لمقتل العقل وتعطيله وتنتج نتائج صحيحة تارة ، وخاطئة تارة أخرى ، فالصحة والخطأ بالنسبة لهذا المنهج تقع صدفة وضربة حظ.
باء- يحمل مسبقات فكرية وقناعات يفترض صحتها بدون دليل ولا يحاول التفكير في هذه المسبقات وفي صحتها أو مستندها ، وعلى أساسها يبني تفكيره واستنتاجاته فمادامت الفكرة الفلانية لا تتلائم مع الأساس المفترض فهي خاطئة وطالما لا تتوافق الأطروحة مع المسبق (سين) أو (صاد) فهي مرفوضة تماما.
وفي المقابل التفكير السليم يدرس تلك المسبقات ويمحصها فإذا وصل لنتيجة صحتها يدرس فكرة البناء عليها وإذا وصل لفكرة بطلانها يدرس البناء الفكري عليها على تقدير صحتها افتراضا كما هو الأسلوب المتبع في المناقشات الاستدلالية في الحوزات العلمية.
والمسبقات الفكرية يعبر الناس عنها بتعابير مختلفة مثل (ليس مقولا ان يكون كذا) ، (ما يصير أو ما يصح الأمر الفلاني) ، (ثوابت لا يمكن التنازل عنها) وهكذا.
جيم- يميل للتقليد والاعتماد على تفكير الآخر عنه ، فبدلا من التفكير في القضية يلجأ في تقييمها لغيره للحكم بحسن فكرة أو فسادها ، بصوابها أو خطئها ، بحجة انه أفهم أو خبير أو اخبر الخ ، وهنا نستثني قضية التقليد في الأحكام الشرعية فتلك له حدودها الشرعية والعقلائية اما اتخاذ طريق التقليد في التفكير العام فهو المذموم.
دال- يقيم الفكرة على أساس التقديس للأشخاص فليس مقبولا ان يكون طرح الشخص المغمور صحيحا وطرح الرجل المشهور خاطئا ، وهذا ما يفنده الإمام علي عليه السلام على ما في كتاب بشارة الصطفى و بحار الأنوار نقلا عنه:
عن الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في نفر من الشيعة وكنت فيهم ، وكان مريضا ، فدخل فأقبل عليه أمير المؤمنين ـ وكانت له منزلة منه ـ فقال : كيف نجدك يا حارث ؟ فقال : نال مني الدهر يا أمير المؤمنين وزادني غليلا اختصام أصحابك ببابك ، إلى ان قال له الحارث : لو كشفت فداك أبي وأمي الريب عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا.
قال : ان دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق فاعرف الحق تعرف أهله ، ياحار ! ان الحق أحسن الحديث والصادع به مجاهد ، وبالحق أخبرك فارعني سمعك ثم خبر به من كان له حصافة من أصحابك.
هاء- لا يبحث عن تفاصيل الفكرة ولا يدرس نقاط قوتها وضعفها بل يميل للتعميم والحكم بالصحة والخطأ بالإيجاب أو السلب فالفكرة اما ان تكون خاطئة بشكل كامل أو صحيحة بشكل تام فلا مجال لدراسة النقاط والتفاصيل وهكذا لا يكون الحكم منصفا ولا موضوعيا.
واو- يميل للفكرة التي تخدم مصلحته الفردية أو العائلية النسبية أو القومية أو الحزبية ونحو لك، فترى الأم تحب أولادها وستظل تحبهم فلا تصدق في حقهم أي دعوى اعتداء أو تجاوز أو خطأ ، وطالما نسمع الأمهات ترد على الشكاوى بقول طلق: (ولدي اعرفه ، ولدي لا يفعل ذلك ، مستحيل ان يفعل ذلك الخ).
وستحاول الأم رفض الدلائل على إدانة ولدها حتى لو كانت بمستوى وضوح الشمس ، وتتعلق بحبال الهواء لتصدق براءته ، وفي حال مواجهتها بالمستندات المتعددة والتي لا تملك تفنيدها تلتمس له الأعذار مهما فعل وان كان من عتاة المجرمين والقتلة ، فهو لا زال صغير السن أو مغرر به من قبل أصدقاء السوء لكنه طيب يستحيل عليه فعل ذلك ، وترمي اللوم على ظروفه ومجتمعه ، وفي نهاية المطاف تلتمس الإعفاء عنه ومسامحته.
وفي الانتماءات الحزبية أساس الصحة عنده رأي الحزب وقراره ، نظير ما في نهج البلاغة حول قصة كليب الجرمي:
وقد أرسله قوم من أهل البصرة لما قرب عليه السلام منها ليعلم لهم منه حقيقة حاله مع أصحاب الجمل لتزول الشبهة من نفوسهم فبين له عليه السلام من أمره معهم ما علم به أنه على الحق ، ثم قال له بايع ، فقال إني رسول قوم ولا أحدث حدثا حتى أرجع إليهم .
فقال عليه السلام : أرأيت لو أن الذين وراءك بعثوك رائدا تبتغي لهم مساقط الغيث فرجعت إليهم وأخبرتهم عن الكلأ والماء فخالفوا إلى المعاطش والمجادب ما كنت صانعا ؟ قال: كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء .
فقال عليه السلام: فامدد إذا يدك .
فقال الرجل: فوالله ما استطعت أن أمتنع عند قيام الحجة علي ، فبايعته عليه السلام .(نهج البلاغة)
وهكذا تضيع القيم ويضيع الحق اعتمادا على الانتماء لجماعة معينة والانصهار فيها ، فالشعوب الغازية تلتمس الأعذار لنفسها دوما في عدوانها، ولا تعتقد أنها مخطئة في قتل وطرد شعوب أخرى وسرقة خيراتها، وتكون المبررات تارة دينية، وأخرى تاريخية وثالثة لمحاربة الشيوعية ورابعة لنشر التقدمية والاشتراكية وخامسة قومية وهكذا.
بإمكانك مناقشة أي فرد من الكيان الصهيوني قدر ما تشاء بالحجة والمنطق في أنه شرد شعبا وسرق أرضه، هل ستقنعه ؟
فهذا الإنسان مبرمج ليدافع عن مجاله الحيوي مثل أي أسد أو نمر شاب يطرد سابقه العجوز كي يستولي على حيز الصيد الخاص به بدون أن يلقي بالا إلى الأخلاق والحق التي لا تلعب أي دور في صراع البقاء.
ما تغير فقط هو أن هذا الإنسان يريد تبرير عدوانه وإقناع نفسه قبل الآخرين أنه على حق وعدل.
ففي فجر يوم 31 مايو، 2010 بعد الساعة الرابعة فجرًا، تم الهجوم على سفن أسطول الحرية المكون من ثماني سفن تحمل مساعدات انسانية ويقل نحو 650 متضامنا من عدة دول نحو 40 دولة.
وقع الهجوم الوحشي في المياه الدولية من قبل القوات الصهيونية ، حيث قتلت أكثر من 19 وأصيب أكثر من 26 من المتضامنين، فهذا الهجوم البربري على اسطول الحرية.
رغم البشاعة والإرهاب والوقاحة التي مارستها القوات الصهيونية تجد التبرير جاهزا فالصهاينة ضحية والمتضامنون معتدون التبرير حسب بعض وكالات الأنباء كالتالي نصا :
(تواجد على سفينة "مرمرة" أشخاص يحملون فؤوسا وسكاكين، واستولى احدهم على سلاح رشاش استخدمه في إطلاق الرصاص على جندي إسرائيلي)
تماما كما هي حجج وزارة الداخلية عندنا حين تستعمل الذخيرة الحية والرصاص الانشطاري (الشوزن) ضد المواطنين بيد مرتزقتها المجلوبين من مختلف البلدان تبرر ذلك بأنه دفاع عن النفس.
ولكن هذا الإجرام في مقابل المقاومة للعدوان والحصار لم يزد نهج المقاومة إلا رسوخا واتى بنتائج ايجابية من فك جزئي للحصار على غزة عن طريق فتح معبر رفح وزيادة الضغوط الدولية على الكيان الصهيوني لفك الحصار مما يبشر برفع الحصار أو تخفيفه على الأقل ويؤكد صحة نهج المقاومة.
وتعبيرا عن استنكارنا للهجوم الوحشي البربري ودعمنا للمقاومة وتضامننا مع أهلنا في فلسطين ندعوكم للمشاركة في مسيرة هذا اليوم عصرا (مسيرة الحرية لغزة) والتي تقرر تأخير وقت انطلاقها إلى الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة.
وقبل الختام أود توجيه نداء لشبابنا لأعزائنا بالتوقف عن استعمال الزجاجات الحارقة (المولوتوف) نعم فنحن جميعا ضحايا نظام قاسي عنصري حاقد علينا جميعا ولكن ثقوا بالله سبحانه بانه ناصر المظلومين والاحتجاجات السلمية تحرج النظام الظالم ويصبح في موقع ضعيف سياسيا ، لا تدعوا فرصة لتشويه سمعة المعارضة لا تدعوا للنظام فرصة للزعم بأنه يواجه عنفا أو ارهابا فاستعمال الزجاجات الحارقة ربما يحسن قليلا من وضع النظام المهترء والضعيف سياسيا.
فكما ان اسطول الحرية باسلوبه السلمي اكسب الفلسطينين تعاطفا دوليا وشكل ضغطا على الكيان الصهيوني ورغم وحشيته صار موقفه ضعيفا كذلك انتم حينما تسلكون النهج السلمي وتلتزمون به فانكم تنتصرون وتكسبون التعاطف العام.
ثقتنا بكم كبيرة وأملنا بفطنتكم عظيم نأمل منكم ان ترسلوا رسالة قوية تعزز مسار من يسعون لتحقيق مطالبكم العادلة.
اللهم ارحم شهدائنا الأبرار وفك قيد أسرانا والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق