السبت، 26 يونيو 2010

لمحة من حياة الإمام الهادي عليه السلام


حديث الجمعة بمسجد الشيخ خلف – النويدرات بتاريخ 18-6-2010م.
خلاصة حياة الامام الهادي ع السياسية مع نظام الحكم

نبتهل الى الله سبحانة وتعالى ان يمن بالشفاء العاجل على الاستاذ حسن المشيمع وان يلبسه ثوب الصحة والعافية.
مرت علينا يوم الاربعاء ذكرى وفاة الامام الهادي عليه السلام
حياة الامام الهادي عليه السلام فيها جنبة قد يساء تفسيرها وتأويلها اذا لم تعطَ حقها من التوضيح والتفسير الصحيح فقد تفسر بتفسير آخر وتأول بتأويل آخر ويتم استغلال حياته عليه السلام في مواقف غير صحيحة وغير وجيهة والصورة المحرفة باختصار هي ان يقال بأن الامام الهادي عليه افضل الصلاة والسلام كان مداهنا للظالمين ومنخرطا في مشاريعهم ومتعاطيا معهم ، فهو لا يمكن ان يحسب معارضا وقد انخرط في التعاطي معهم فالمعارضة حينئذ ليست سوى اسم ، فاذا كان الامام عليه السلام يدخل في مشروعهم ويرتاد دواوينهم كيف يكون معارضا؟ الا يعبر هذا عن الرضى؟ بمعنى ان التعاطي كان تعاطيا ايجابيا ولم يكن سلبيا من النظام.
فالمعارض تكون مواقفه واضحة ، ناقدة ، معترضة ، لا تقبل بالمشروع الظالم ، لكن ما نجده من الامام عليه السلام انه تعاطى معهم هذه الصورة المشوهة او هذا التفسير الخاطئ لحياة الامام عليه السلام.
التفسير الصحيح هو ان الامام عليه السلام ليس سوى معتقل سياسي ، ليس سوى شخص فرضت عليه الاقامة الجبرية أو شبهها فالامام عليه السلام اخذ من وطنه مدينة رسول الله صلى عليه وآله أخذ قسرا ونفي من وطنه الى سامراء ووضع تحت الاقامة الجبرية , بحيث لايمكن ان يغادر سامراء عائدا الى المدينة او الى اي مكان آخر.
حينئذ نستطيع ان نقول ان الامام عليه السلام معتقل ومفروض الامر عليه فرضا بالكره والاجبار.
والشواهد على ذلك كثيرة سأذكر بعضها الآن بما يناسب المقام.
الشاهد الأول: في كتاب دلائل الامامة نجد حديث يزداد النصراني قال: بلغني ان الخليفة (يعني المتوكل) استقدمه (يعني الامام عليه السلام) من الحجاز فرقا منه لئلا ينصرف اليه وجوه الناس فيخرج هذا الامر عنهم.
فحتى لا يستقطب الإمام (ع) الناس ويصير رمزا معارضا ويلتف حوله الناس وبالتالي يشكل خطرا على بني العباس يعني الزعامة والقيادة السياسية تخرج عن بني العباس هذا شاهد.
فإذا الامام تم استقدامه واخذه بالقوة.
الشاهد الثاني:
والي المتوكل على المدينة المنورة اسمه عبدالله بن محمد ابن داوود وشى بالامام عند المتوكل فيقول له كما في المصادر التي أرخت عن الامام عليه السلام فقال له: ان كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي ابن محمد منها.
هذا الكلام يعني ان الامام عليه السلام يشكل معارضة قوية في المدينة لحكم بني العباس المتمثل في والي المتوكل عبد الله بن محمد وبقاء الامام عليه السلام حتى تتوسع قاعدته الجماهيرية بالتدريج يهدد بزوال حكم بني العباس على الحرمين المدينة ومكة بحيث ان الخطر يتمثل بالنسبة لهم في ان يؤول الامر الى ان يحكم الامام الهادي عليه السلام الحرمين المدينة المنورة ومكة المكرمة.
لذلك يقول: ان كان لك حاجة في الحرمين خذ الامام اعتقله عندك لان بقائه فيه خطر فأخرج علي ابن محمد فأنه قد دعى الناس الى نفسه واتبعه خلق كثير.
الشاهد الثالث: كما نلاحظ في الكتاب الذي وجه للأمام العسكري عليه السلام ان المتوكل امر القائد العسكري يحيى بن هرثمة امره المتوكل وهذا القائد العسكري كان قائد فرقة اعتقال عسكرية مدججة بالسلاح جائت لاعتقال الامام الهادي عليه السلام.
فيأمر المتوكل القائد العسكري بان يفتش بيت الامام الهادي عليه السلام وواضح من ذلك ان العملية عملية اعتقال فهم يفتشون عن اي وثائق واي سلاح يمكن ان تدين الامام عليه السلام وبالفعل قام يحيى ابن هرثمة مع فرقة الاعتقال قام بتفتيش بيت الامام (ع) فما وجدوا فيه شيئا من سلاح او كتب تدل على تنظيم سياسي يهدف الى الاطاحة بنظام الحكم والاستيلاء على حكم المدينة ومع ذلك اخذ الامام عليه السلام.
الشاهد الرابع: انه لما اخذت هذه الفرقة الامام عليه السلام مع اهل بيته ضج اهل المدينة ضجيجا وعجوا عجيجا واخذو يبكون ويندبون.
ابن هرثمة يروي القصة قائلا: فلما صرت اليها – يعني المدينة المنورة – ضج أهلها وعجوا ضجيجاً وعجيجاً ما سمعت مثله . فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم أؤمر فيه بمكروه ، وفتشت بيته ، فلم أجد فيه إلا مصحفاً ودعاء وما أشبه ذلك.
يعني بتعبيراتنا اليوم كأنهم نزلوا الى الشارع متظاهرين محتجين على اعتقال الامام عليه السلام وهذا يكشف ان العملية ليست كما يصورها المتوكل بانها دعوة للامام عليه السلام بان يكون على ضيافة المتوكل القضية ليست هكذا.
لو كان مدعوا للضيافة لقال له: تفضل انت مدعو على الضيافة عندنا بسامراء معززا ومكرما فان احببت جئت ولا شيء يلزمك بالحضور.
فالقضية ليست بهذه الصورة من الدعوة للضيافة ولو كانت بهذه الصورة ما نزل اهل المدينة الى الشارع وضجوا واعترضوا خائفين على الامام عليه السلام فكان واضحا عند أهل المدينة ان العملية عملية اعتقال واخذ قسري للامام لهذا نزل اهل المدينة محتجين على هذا الأمر.
الشاهد الخامس:
رواية صالح بن سعيد قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت له : جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك ، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع ، خان الصعاليك ؟ الخ الرواية في كتاب الكافي للكليني رحمه الله.
وواضح من ذلك ان الإمام عليه السلام معتقل فالضيف خصوصا مثل مقام الإمام عليه السلام لا يناسب ان ينزل في خان الصعاليك القذر.
فانزاله فيه امعان في اهانته واذلاله عليه السلام هذا يكشف عن انه معتقل وهكذا كل القرائن توضح ان الامام عليه السلام كان معتقلا وكان الأمر مفروضا عليه بصورة قسرية وقهرية.
اذن بقاء الامام عليه السلام في سامراء وتعاطيه مع المتوكل وخلفاء بني العباس انما كان بنحو القهر والغلبة فلم يكن متعاطيا معهم باختياره فلم يدخل معهم وفي مشاريعهم مختارا وانما تعامل معهم وتعاطى معهم بقدر ما تقتضية الضرورة وما يمليه الاكراه.
هل تستطيع ان تستنتج من علاقة المعتقل مع سجانه انه راضي عن سجانه؟ كلا.
فالتفسير الصحيح ان الامام عليه السلام معارض لبني العباس ومعتقل ومفروض عليه الاقامة الجبرية في سامراء فهذا هو وضعه الحقيقي ينضاف الى هذا كله عنصر آخر مهم وهو ان الامام الهادي عليه السلام كبقية أئمتنا عليهم السلام اتباعهم وانصارهم وشيعتهم يمثلون اقلية محدودة جدا يعني لا يمتلكون جماهير واسعة كما هو معلوم لديكم فشيعة الأمام عليه السلام كانوا اقلية جدا.
لاحظ البلاد الاسلامية المترامية الاطراف اين موقع الامام عليه السلام منها؟ اين موقع الشيعة من خارطة الدولة الاسلامية؟
اقلية في المدينة ففيها بعض الشيعة اقلية في قم وكذا في الكوفة والري ومناطق أخرى تجد فيها جزءا من الشيعة.
اما الرأي العام والتوجه العام فهو مع الحكم ومع الخلافة فالغالبية من ذاك الوقت والى يومك هذا الغالبية ليست للشيعة فهم اقلية الى الآن. لكن الفرق انه في ذاك الوقت كانت اقليتهم محدودة جدا ولا تملك عددا مريحا لعل الشيعة في ذاك الوقت بالمئات او بالآلاف ليس أكثر فهم في مقابل مجموع الامة لا يمثلون الا شيئا بسيطا محدودا اذن تحرك الامام عليه السلام بدون جماهير تقف معه ماذا عساه ان يفعل؟
لا يستطيع ان يفعل شيئا.
الشيئ الذي اريد ان اصل له ما هو؟
ان وضعية الامام الهادي عليه السلام بلحاظ هذين الامرين وهما الامر الاول انه معتقل ومفروض عليه الاقامة الجبرية والامر الثاني هو انه لا يملك جماهير واسعة فبطبيعة الحال يكون تعاطيه مع النظام تعاطي غير مقاوم لا يمكنه ان يقاوم النظام لهذين السببين الرئيسين.
ما هي نتيجة المقاومة مع هذا الوضع؟ لو ان الامام يقاوم وهو لا يملك جماهير كما انه ليس حرا طليقا فاي مقاومة ستحدث منه ستؤدي الى تصفيته عليه السلام فورا وينتهي كل شيئ هذه الوضعية تجبر الامام عليه السلام على ان يسلك طريق التقية ولا يقاوم النظام حتى لا تحدث خسائر فادحة بدون نتيجة.
اذا تغيرت المعادلة بأن صرنا في وضع نملك الجماهير ونكون قوة لا يستهان بها ولا نكون مجبرين على التعاطي مع الظالم والدخول في مشاريعه في هذه الحالة هل تريد ان تقيس وضعنا على وضع الامام عليه السلام؟ وتقول بما أن الامام هادن انا لا بد ان اهادن؟ كيف تهادن ولا تطالب بحقوك وانت تملك جماهير واسعة ومريحة؟ فمن الممكن ان تضغط وتغير المعادلة.
الشيئ الآخر ان المطروح ليس هو أخذ الحكم واستبدال نظام الحكم ليس هذا المطروح ابدا.
المطروح هو ان تطالب بحقوقك بتغيير المعادلة فتجعل من المعادلة افضل وضعا بحيث تكون لصالحك اكثر.
فالميزان يعاني اختلالا فاحشا فالشعب سنة وشيعة مظلوم محروم ليس له من حقوق تذكر.
المطالبة بالحقوق تهدف الى تغيير هذا الميزان بحيث يأخذ الشعب حقوقه بأن يحصل على جملة من الحقوق هذا هو المطروح.
هذا الامر ميسور وليس مستحيلا فمن الخطأ المقارنة مع وضع الإمام عليه السلام.
فحينما تقيس وضعك على وضع الامام الهادي عليه السلام تقول الامام الهادي لم يطالب الامام الهادي لم يتحرك من اجل تحسين وضع الناس الإمام ماشى الظالمين ودخل في مشاريعهم هذه المقايسة باطلة ولها جوابان في الحقيقة:-
الجواب الاول يظهر من خلال بعض ما سردناه وغيره ان الامام كان يتحرك فعلا بدليل ان والي المتوكل على المدينة يقول للمتوكل ان كان لك حاجة في الحرمين فلا تدع الامام الهادي عليه السلام واخرجه منهما ، هذا الكلام ليس اعتباطيا هذا معناه ان الامام كان يتحرك ولكن بالطريقة الهادئة بالطريقة التي تضمن حصول ولاء الجماهير له حتى يمكنه بعد ذلك ان يغير المعادلة.
نستيطع ان نقول بان المتوكل العباسي تدارك الموقف قبل ان تتغير المعادلة فهو قضى على معارضة الامام عليه السلام في مهدها قضى على المعارضة من البداية بأن اخذ الامام وفرض عليه الاقامة الجبرية وافشل جميع خطط الامام عليه السلام.
والجواب الثاني مركب من عنصرين العنصر الأول: ان الامام كان يعيش وضعا قسريا وضع اقامة جبرية.
الثاني: اقلية ومحدودية الجماهير الموالية للامام عليه السلام فالمقارنة مع وضع الامام عليه السلام والقياس يكون قياسا خاطئا حينما نكون اغلبية او حتى لو لم نكن اغلبية حينما نمثل شريحة مريحة ولنا القدرة من خلال الضغط بالوسائل السليمة على تحصيل حقوقنا وتغيير المعادلة الظالمة ولو بمقدار ما لماذا نستسلم للواقع؟ هذا لا يبرر لنا الاستسلام للواقع.
مع ملاحظة فارق ثالث حاصله ان الإمام عليه السلام لم يكن ميسورا له المطالبة ببعض الحقوق فالوضع في ذلك الزمان يفرض اما الانصياع للنظام واما التمرد عليه ودفع كلفته العالية وهذا الوضع لا ينطبق على زماننا.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يفرج عن اسرانا ويرحم شهدائنا الابرار وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

ليست هناك تعليقات: