أساس الحكم
الحاكم السياسي في هذه الدنيا تارة يبني حكمه على أساس رضا الله سبحانه وتعالى الذي يأمر بالعدل والاحسان، وينهى عن الظلم والعدوان كحكم الأنبياء سلام الله عليهم والأولياء الصالحين، هذا الحكم يقع تحت رقابة الضمير الصارم الذي لا يسمح معه بالتجاوز على حقوق الناس، وأخرى يبني حكمه على اساس المصلحة الوطنية العامة بعيدا عن الاديان ومقولاتها
كما هو حال الحكم في الدول الديموقراطية العلمانية، والرقابة في هذا الحكم تقع على عاتق المؤسسات المختلفة كالبرلمان مضافا إلى الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وثالثة يبني حكمه على أساس مصلحته الشخصية ضاربا رضا الله عرض الجدار متجاوزا رضا الناس ومصلحة العباد فلا يهمه أمر دين الناس ولا دنياهم ، كل همه حفظ مصلحته الخاصة - وحتى توزيع بعض المال والفوائد على الموالين ما هو الا لضمان استمرار حلبه لثروة البلاد ودوام استيلائه على كرسي السلطة -، فتراه يجعل من نفسه وعائلته وحزبه وجماعته محور الاهتمام، فما في البلاد ملكه ومن عليها من الخلق عبيده ورعاياه ، إن أعطاهم فبتفضله وإن وزع عليهم فتاتا من ثروة البلاد فبكرمه، وان حصل أي مواطن على حق فبجوده، فله الملك والجلال والمجد والعز والعظمة ، دمه لا يشابه دم المواطنين، وعقله يرجح على عقول العالمين ، يرى ما لا يرون ، وعلى المواطنين أن يقدموا له الولاء والطاعة والمدح، وعلى قدر الولاء للحاكم يحصل الموالي حقا أو مالا أو مقاما ومنصبا، وإذا ما تجرأ مواطن في نقده استحق الاعتقال والسحل والعذاب والموت، إذ أنه تعرض للذات المقدسة التي لا تمس، هذا هو حال الطغاة يحكمون الناس بالحديد والنار ويرون ان البلاد ملكهم والعباد عبيدهم.والرقابة في هذا النوع من الحكم مفقودة تماما، فهو يحكم بما يشاء كيف يشاء، لا يسئل ولا يعترض على حكمه وتصرفاته، وبالجملة الحاكم على أساس المصلحة الوطنية بلحاظ نظر ديني كحكم الإمام والنبي، أو بلحاظ نظر المصلحة العامة تراه حريصا على مصلحة البلاد ومنافع العباد، فلا يرى نفسه إلا عاملا على توفير مصالحهم ، إما بمراقبة الضمير الصارم، وإما بمراقبة الادوات المؤسسية كالسلطة التشريعية.
وهنا أود أن أذكر تطبيقا عمليا ودرسا واقعيا للحاكم العادل، الذي يعمل على المصلحة الوطنية بلحاظ ديني يبتني على الرضا الإلهي المطلق، والمتمثل في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث قال - حسب ما جاء في نهج البلاغة -: (والله للأن أبيت على حسك السعدان مسهدا ، وأجر في الاغلال مصفدا (تعليق محمد عبده: كأنه يريد من الحسك الشوك . والسعدان نبت ترعاه الإبل له شوك تشبه به حلمة الثدى . والمسهد - من سهده - إذا أسهره . والمصفد : المقيد)، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصبا لشيء من الحطام)، فلا يرى لنفسه حقا في ظلم إنسان، ولا جوازا في مصادرة ماله مهما قل ذلك المال إذا لم يكن له فيه وجه حق..
أما اليوم وفي القرن الواحد والعشرين، ففي البحرين يسرق جنود الملكية ومرتزقتها أموال المواطنين وينهبون متعلقات أبناء الشعب، لا يؤنبهم ضمير ولا يردعهم دين أو خُلق، فقد غسلت عقولهم عن طريق علماء الملك والسلطان، وأفتوا لهم بأن أموالنا غنيمة، فغدت أملاك أهلنا نهبا للملك والملكية التي يفرض علينا أن نقدسها ولا نمسها بكلمة نقد أو مقالة اعتراض، وها هو يشكرهم في خطاب افتتاح مجلسه على ما أزهقوه من الأرواح وسفكوا من الدماء واستباحوا من الأموال وما أفسدوا في البلد أي إفساد.
تكملة قول علي عليه السلام: (وكيف أظلم أحدا لنفس يسرع إلى البلى قفولها ( تعليق محمد عبده: أي كيف أظلم لاجل منفعة نفس يسرع إلى الفناء رجوعها . والثرى التراب )، ويطول في الثرى حلولها، والله لقد رأيت عقيلا، وقد أملق حتى استماحني من بركم (عقيل أخوه. وأملق : افتقر أشد الفقر . واستماحني : استعطاني .والبر القمح) صاعا، ورأيت صبيانه شعث الشعور غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا (شعث جمع أشعث - وهو من الشعر المتلبد بالوسخ . والغبر – بضم الغين - : جمع أغبر متغير اللون شاحبه . والعظلم - كزبرج - سواد يصبغ به قيل هو النيلج أي النيلة) وكرر علي القول مرددا، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني وأتبع قياده (القياد : ما يقاد به كالزمام) مفارقا طريقي، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها (الدنف - بالتحريك - المرض . والميسم - بكسر الميم وفتح السين - المكواة)، فقلت له ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه، أتئن من الاذى ولا أئن من لظى).
سلام الله عليك يا أمير المؤمنين، تعال وانظر لحالنا، فثروة البحرين وأرضها وبحارها إنما هي ملك لعائلة واحدة ، ومقدرات جزيرتنا تستحوذ عليها عائلة حاكمة جشعها يتصاعد بوتيرة عالية، ونهمها لا يشبعه خيرات الوطن، لهم بطون لا تشبع من الحرام، وطمع لا يحد بحال، وعيون لا تقنع بكل ما تنهب وتصادر، يرقصون على حرمان المواطنين، ويلتذون بعذاب المحرومين، وتهتز أساريرهم على وقع بلاء أسواط جلد النساء والاطفال والمعدمين.
وأنت ياعلي تقول – تكملة ما جاء في نهج البلاغة: والله لو أعطيت الاقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة (تعليق محمد عبده: جلب الشعيرة بكسر الجيم - قشرتها . وأصل الجلب غطاء الرحل فتجوز في إطلاقه على غطاء الحبة) ما فعلت، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ( تعليق محمد عبده: قضمت الدابة الشعير - من باب علم - : كسرته بأطراف أسنانها )، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى)، نقلت كلامه عليه السلام من كتاب نهج البلاغة مع تعليقات محمد عبده.
آه فملوك أرضنا عملهم يصرخ (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) المؤمنون (37).، يرتكبون من الفضائع ما يستنكره من لا ينتمون لدين الاسلام، ملوكنا يحرقون القرآن، فيدين فعلهم من لا يدين بالقرآن، يهدمون بيوت الله فينكر عليهم من لا يدين بدين المساجد، فإن حصل تردد أو توقف فإنما هو لقول الأجنبي، وليس لقول الله أو إرضاء لشعب أو وطن، كم تسافلوا وكم انحطوا فأذلهم الله في الدنيا فأصبحوا لعنة على لسان الاحرار ومنبوذين في كل الاقطار.
اذا كانت بلاد الغرب بنيت على اساس دنيوي فصلح بناؤها المادي وصلح أمور أهلها دنيويا فإن بلادنا لم تقم لا على اساس دين ولا على اساس دنيا، تريد الملكية في البحرين مصادرة دين الناس ودنياهم معا بما يؤدي الى خسارة الدين والدنيا معا لصالح عائلة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق