الخميس، 13 أكتوبر 2011

تأثير الإعلام وشرف تسليم السلطة سلميا


تأثير الإعلام وشرف تسليم السلطة سلميا

شهوة الملك والسلطة
الرغبة في الحكم وشهوة السلطة تشتعل في نفوس كثير من البشر، فتشعر بلذة ممارستها جاعلة من
الوصول لها هدفا وغاية تبيح كل الوسائل للوصول لهذه النزوة الحقيرة، وكلما انهالت ألقاب المدح
وصفات المدح وأسماء التعظيم والتجليل على الحاكم كلما زاد لذة ونشوة وغرورا، هذا بالإضافة إلى
أن هذه السلطة توفر سلسلة من الشهوات والملذات كالمال والنساء وتسليط الاضواء، وتركيزنا هنا
سيكون في طريقة الوصول للسلطة ووظيفة الحاكم دون أهداف الوصول لها.


دور السلطة ووظيفة الحاكم

الحكم الصالح والسلطة السليمة هي التي تقوم بدور الخادم للناس وتنظيم شؤون حياتهم من توزيع
الثروة بعدالة وتوفير الخدمات وحفظ المصالح العامة ونحو ذلك، وفي المقابل الحكم السيء والسلطة
الفاسدة هي التي تُتخذ جسرا لتحقيق المآرب الخاصة لفئة او عائلة او حزب معين، فتكون مصلحة
البشر في آخر اهتمامات هذه السلطة، إذ تسخر الموارد والبشر لتحقيق مصالح الفئة الخاصة ليكون
الاهتمام لهذه الفئة بدرجة أولى، والاهتمام بباقي المواطنين بدرجة ثانية، وهذا ما يوصف بالحكم
الاستبدادي والديكتاتوري في مقابل الحكم الرشيد والحكم الصالح نظير الأنظمة الديمقراطية التي تنبع من الارادة الشعبية وتكون ممثلة لها.

آلية الوصول للسلطة:

الوصول للسلطة تارة يكون عن طريق إرادة الناس واختيارهم مع توفر الآلية للتغيير، وأخرى يكون
الوصول للسلطة عن طريق فرض الأمر الواقع كالانقلاب العسكري والاستيلاء على الحكم بالقوة او
عن طريق انتقال الحكم من الاب للولد او من الأخ لاخيه كما في أنظمة الحكم الوراثية، أو عن
طريق عقيدة دينية تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو من اختار الحاكم.

الآلية الأولى:

أما الآلية الاولى فقد أثبتت نجاحها بشكل كبير، فهذه السلطة ترى أن خدمة الناس جميعا تحتل
الاولوية مضافا لآلية المحاسبة المعروفة في الدول الديمقراطية، مما أدى إلى استقرارها وأمنها.

الآلية الثانية:

أما الآلية الثانية فأثبتت فشلها وتخلفها في تحقيق سعادة المواطنين الذين تقع عليهم تلك السلطة لأنها
ليست نابعة عن إرادة الشعب واختياره اولا ، ولأنها تجعل مصالح الفئة الحاكمة فوق المصالح
الوطنية ثانيا ، ولأنها سلطة لا تخضع للمحاسبة أو التغيير ثالثا.

الآلية الثالثة:

واما الآلية الثالثة فقد لعبت بعض نظرياتها دورا رياديا ومثلت حكما صالحا كما هو حال الانبياء والرسل وبعضها مثلت صورة للاستبداد والحكم الفاسد حيث زعم تمثيل الحاكم لظل الله في الارض غير ان هذا المقال ليس في وارد طرح النظريات الدينية للحكم السياسي ومناقشتها او عرض غثها وسمينها.
فشل الحكم المستبد على اختلاف درجاته

أنماط الحكم المستبد رغم اشتراكها في الفشل والتخلف إلا أن درجات سوئها متفاوتة, وأسوؤها ذلك
الحكم الذي يواجه مطالب الشعب بالإصلاح أو التغيير يواجهها بسفك الدماء وانتهاك الحرمات وفعل
كل ما يحمي عرش الحكم وإن احترق الوطن واهله ، وهذا ما يسلب عنه الشرعية في تعابير
السياسيين والاعلامين كما راج في ثورات الربيع العربي.

قراءة في تاريخ ثورات الربيع العربي

بمرور سريع على ثورات الربيع العربي وبدون حاجة لذكاء خاص يلاحظ المتابع أن بن علي في
تونس سرعان ما غادر البلاد تاركا تقرير مصيرها لأهلها، مما أعقب موجة كبرى من التعليقات
والسخرية حتى وصف الهروب للرئيس المخلوع بالمخزي، هذا الكم الهائل من تسليط الاضواء على
(الهروب المخزي) بصفته انهزاما وعملا قبيحا ترك تأثيرا على باقي الطغاة العرب، فبعد انطلاق
الثورة المصرية وإصرارها على رحيل مبارك عن الحكم، وتحت وقع ضربات الثوار في ميدان
التحرير وسواه، اضطر للتخلي عن الحكم ولكنه أبى ترك البلاد باعتباره (هروبا مخزيا) وخاطر
بدخول قفص الاتهام والخضوع للمحاكمة، وهو ما حصل لاحقا مفضلا ذلك على أن يلحقه خزي
الهروب، وما أن جاء دور القذافي - الذي تنبأ بأن التغيير الذي انطلق من العراق بسقوط الطاغية
صدام سيطال كل الرؤوس العربية وطغاة منطقتنا - حتى تمسك بالكرسي رغم علمه بأن نظامه لا
طاقة له بمواجهة الثوار والآلة العسكرية لحلف شمال الاطلسي الناتو - ربما هربا من عار
الهروب وخزي لقب المخلوع -،فكانت النتيجة إزهاق أرواح عشرات الآلاف، وهكذا في اليمن علي
عبد الله صالح الذي أظهر الموافقة على تسليم السلطة بشروط توفر له وعائلته وشركائه حماية من
المحاكمة والملاحقة، وتبين فيما بعد أنه تراجع أو مارس لعبة المراوغة لشراء الوقت، وحتى بعد أن
رأى نار الدنيا قبل الاخرة لم يعتبر ولم يقبل أن يكون رئيسا مخلوعا أو هاربا ، فعاد الى بلاده
لإكمال مشوار الخراب والدمار وكأن التخلي عن الحكم عار يفوق عار خراب البلدان.

الخيانة العظمى للبشرية:

وتتمثل في سفك الدماء وهتك الأعراض والاستهانة بالإنسان، فمن يريق الدماء خائن سافل حقير لا
يغسل عاره مياه البحار والمحيطات ارتكب من الدناءة ما لا يوصف وارتكس في الخسة بما يفوق
النعت، فيا له من سافل حقير ذليل خائب وضيع، قال تعالى:(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ
فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة 32، فيكفي أن يسفك الحاكم قطرة دم واحدة مِمَن
يطالب بتنحيه لينسف أي خيرات، ويحرق أي حسنات فعلها لبلده.

لا أدري لو عظمت الجماهير ووسائل الاعلام خطوة الهروب وتسليم السلطة، وإعطائها صفة الاعتزال المشرف، ومنح بن علي وسام الاعتزال السلمي - بغض النظر عن تاريخ حكمه الفاسد والمستبد -، فهل كانت ستساهم في اعتزال بقية الحكام المستبدين من خلال التأثير عليهم نفسيا لإعطاء الشعب حق تقرير مصيره واختيار نظام حكمه وحاكمه ام لا؟ اجل فالعبرة بالنهاية والخاتمة. الرأي العام له تأثيره على الحاكم فهو يبحث عن المجد والمدح والتعظيم ولا يحب أن يوصف إلا بكل
جميل، فربما يساهم تعظيم تسليم السلطة سلميا وإعطائه وسام الشرف بقانون أخلاقي مفاده (تسليم
السلطة سلميا شرف عظيم ربما يجب ما قبله) في التخلص من الاستبداد، بالرغم من وضوح أن
كثيرا من الطغاة لن تؤثر فيهم مثل هذه الامور، ولكن مما لا شك فيه أن بعضهم قد يتأثر ضمانا
للسلامة، وطمعا في الاحتفاظ بسمعة ولقب طيبين، فالطغاة هم بشر في النهاية، لهم صفاتهم النفسية
المختلفة ،فبن علي يقول لشعبه: فهمتكم، والقذافي يقول: من أنتم وينتهي بوصفهم بالجرذان، ومبارك
يقول: لم أكن يوما طالب سلطة أو جاه، ويقول: لم أكن (أنتوي) الترشح (الكلمة خاطئة لغويا
والصحيح لم (أنوِ) الترشح )، والمهم أنه يتأثر بالرأي العام، فينكر حبه للسلطة أو نية ترشحه
مرة اخرى، فهو يريد أن يحظى بأوصاف جميلة، وهذا يؤثر على موقفه في التخلي عن السلطة،
بخلاف القذافي الذي يرى السلطة أهم ما لديه، وتذوب قبالها كل القيم الدينية والانسانية والخلقية،
فهو نسخة أخرى من الحيوان بل أضل سبيلا، وهكذا تختلف نفسيات الطغاة وتفكيرهم، وتخضع لتأثير الرأي العام بشكل أو بآخر، وبدرجة وأخرى، فلعل الأنسب استعمال أسلوب تعظيم التخلي عن السلطة كقيمة خلقية للتأثير عليهم، حيث أن نتيجة الانتقال السلمي تخدم المصلحة العامة للشعوب وبناء مستقبل مزدهر، واذا أجرينا مقارنة خاطفة لحكام البحرين فلن نجدهم إلا أقرب صورة لحكام ليبيا بل أسوء حالا، حيث ارتكبوا ما لم يرتكبه القذافي ومرتزقته وتمرغوا في وحل الرذائل بما يخجل منه حتى الصهاينة وأعداء الانسانية، كحرق المصاحف وهدم المساجد وهتك الاعراض، وما لا يقال مما فعلوه ويفعلونه كل يوم على أرض أوال، وما ذلك إلا لأنهم مسخوا من الإنسانية، ولم يبق لهم إلا الشكل الخارجي لها، فبالرغم أن مطالب الجمعيات السياسية تبقي لهم سلطة وراثية وتحفظ لهم امتيازات كبيرة من اجل الوصول لحل يريح البلاد والعباد من كارثة قد تحرق البلاد، إلا أن
الغرور بلغ ذروته، والحيوانية نزلت لقعر الحضيض فاستباحوا كل الحرمات قبال الاعتراف بالوجود للمواطنين.

ليست هناك تعليقات: